فرنسا تنتزع لقب أطول ''باقات'' في العالم من إيطاليا !    30 مؤسسة تستكشف السوق النيجيرية    مهدي بلحاج: هضبة سيدي بوسعيد مهدّدة    اجتماع أمني تونسي ليبي بمعبر راس جدير    متاحف بريطانيا تعير غانا الكنوز الملكية المنهوبة أثناء الاستعمار    الرابطة المحترفة الثانية: نتائج مباريات الدفعة الثانية للجولة الحادية والعشرين    بصورة نادرة من طفولته.. رونالدو يهنئ والدته بعيد الأم    مرحلة التتويج من الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يعقّد وضعية النادي الافريقي    اوّل انتصار ..ثلاثيّة امام النادي الافريقي ترتقي بالفريق الى المرتبة الرابعة    صفاقس: إحباط 22 عملية حَرْقة والقبض على 10 منظّمين ووسطاء    سليانة: السيطرة على حريق نشب بأرض زراعية بمنطقة الهوام    عاجل/ مداهمة مكاتب قناة الجزيرة في القدس ومصادرة معدّاتها..    منوبة: الاحتفاظ بمجموعة حاولت تحويل وجهة شخص واغتصابه باستعمال العنف    سوسة: منفّذ عملية براكاج باستعمال آلة حادة في قبضة الأمن    مرحبا قُدوم دينا في بيت الصديق ابراهيم وحرمه نرجس    وزير الشّؤون الدّينية يختتم الملتقى التّكويني لمؤطّري الحجيج    معهد الصحافة وعلوم الأخبار: المعتصمون يقررون تعليق مقاطعة الدروس ومواصلة الاعتصام    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    إنتاج الغلال الصيفية ذات النّوى يبلغ 245 ألف طن    فص ثوم واحد كل ليلة يكسبك 5 فوائد صحية    تستور: الإحتفاظ بعنصر إجرامي مفتش عنه من أجل " سرقة مواشي والإعتداء بالعنف الشديد ومحاولة القتل".    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأحد 5 ماي 2024    محكمة الاستئناف بالمنستير توضّح بخصوص عدم الاستجابة لطلب القاضي أنس الحمايدي    رسميا "ناجي جلّول " مرشّح حزب الإئتلاف الوطني للإنتخابات الرئاسية    أريانة: الكشف عن وفاق إجرامي وحجز كمية من الهيروين وسلاح ناري أثري    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    كأس تونس لكرة اليد... «كلاسيكو» من نار بين «ليتوال» والترجي    تفاصيل الاكتتاب في القسط الثاني من القرض الرّقاعي الوطني لسنة 2024    الإدارة الجهوية للتجارة بولاية تونس ترفع 3097 مخالفة خلال 4 أشهر    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يدعو لوقف حرب الإبادة في غزة وحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطين    للمرة ال36 : ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني    المهدية: الاحتفاظ بشخص محل 15 منشور تفتيش وينشط ضمن شبكة دولية لترويج المخدرات    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    هذه مواعيدها...حملة استثناىية لتلقيح الكلاب و القطط في أريانة    طقس قليل السحب بأغلب المناطق وارتفاع طفيف للحرارة    جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    نتائج الدورة 28 لجوائز الكومار الادبي    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    الرابطة المحترفة الثانية : نتائج مباريات الدفعة الأولى للجولة الحادية والعشرين..    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    انتخابات الجامعة:إسقاط قائمتي التلمساني و بن تقية    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحامي خالد الكريشي (عضو ««هيئة الحقيقة والكرامة»») ل«التونسية»:المشكّكون في مصداقية الهيئة يريدون عدالة على مقاسهم
نشر في التونسية يوم 21 - 01 - 2015

وسائل إعلام «صفراء» تصرّ على توصيف «واقعية الأرشيف» ب«السّطو» وحكاية نقل أرشيف السّجون كذبة
قضية أرشيف الرئاسة ليست شخصية واستهداف الهيئة استهتار بقوانين الدّولة
ألوان ساكني قرطاج أو باردو أو القصبة لا تهمّنا
أتحدّى أيّا كان أن يثبت أنّنا منحنا أنفسنا صلاحيات تتجاوز القانون
مسار العدالة الانتقالية لا يجامل ولا يُعادي أيّ نظام سياسي
قانون العدالة الانتقالية يسمح للهيئة باللجوء إلى أيّ إجراء أو أيّة آلية لكشف الحقيقة
العدالة الانتقالية انتصار للثّورة ونجاح للجمهورية الثانية
حاورته: جيهان لغماري
تطرق الأستاذ المحامي خالد الكريشي عضو «هيئة الحقيقة والكرامة» في حواره مع «التونسية» إلى كل الجوانب القانونية التي تهم وتؤطّر عمل الهيئة متسلّحا في دفاعه عنها بالقانون، مفندا كل المواقف التي أشارت إلى تجاوزات قانونية سواء في تركيبتها أو في أعمالها خاصة في ما تعلّق ب«واقعة» الأرشيف...
بقية التفاصيل، في السّطور التالية:
كيف تفسّرون هذه الحملة على «هيئة الحقيقة والكرامة»؟
- هذه الحملة القديمة الجديدة على «هيئة الحقيقة والكرامة» خصوصا وعلى مسار العدالة الانتقالية عموما، هي حملة ممنهجة من بعض وسائل الإعلام الصفراء وبعض السياسيين الفاشلين والطامعين ومن بعض المتورطين في انتهاكات الماضي البعيد والقريب، وهي مشروع كامل يستهدف تقويض مسار العدالة الانتقالية بوصفها مكسبا ثوريا، وبالتالي يستهدف الثورة التونسية وشهداءها وجرحاها. هناك عدة تفسيرات لهذه الحملة أولها أن القائمين بها لم يتقبلوا ويستوعبوا بعد في تونس الثورة مثل هذه المؤسسات، إذ تعرضت الهيئة العليا للانتخابات والهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري لنفس الحملة والتي يعتبرها البعض دويْلات داخل الدولة حتى بعد دسترتها في دستور الجمهورية الثانية. فقبل الثورة كانت وزارة الداخلية هي التي تشرف وتنظم الانتخابات، وكان قطاع الإعلام واقعا تحت سيطرة وسطوة وزارة الإعلام. أمّا اليوم فيسمع الشعب التونسي بمصطلحات جديدة كالعدالة الانتقالية ومؤسساتها الجديدة ك«هيئة الحقيقة والكرامة» المشرفة على إنجاح هذا المسار، وهذا أمر طبيعي في مرحلة انتقال ديمقراطي تعيشه تونس إذ لابد من بعض الوقت حتى يتم استيعاب «هيئة الحقيقة والكرامة» وغيرها من قبل المجتمع التونسي. فقط نذّكر هؤلاء أن تونس شهدت ثورة وأنّ كلّ حدث ثوري يلازمه بالضرورة مسار عدالة انتقالية وهذا ليس بدعة تونسية بل في كل دولة في العالم شهدت ثورة أو أزمات سياسية أو مسلحة أو حربا، كان هناك مسار للعدالة الانتقالية وإنشاء هيئات مستقلة للإشراف على إنجاح هذا المسار الذي يرتبط ارتباطا عضويا ووثيقا بمسار التحول الديمقراطي طبقا لجدليّة التأثر والتأثير. فاليوم وبالاعتماد على المنهج المقارن في التحليل، يمكننا الجزم أنه كلما نجح مسار التحول الديمقراطي، إلا ونجح بالضرورة مسار العدالة الانتقالية (النموذج التونسي). كذلك العكس صحيح، فكلما فشل مسار التحول الديمقراطي، فشل بالضرورة مسار العدالة الانتقالية (النموذج الليبي واليمني).
إضافة إلى ذلك فإن بعض هؤلاء مازال لليوم يرفض الاحتكام إلى القانون والالتزام بأحكامه ويرفض مؤسسات الدولة العمومية المستقلة وذلك بالحنين وباستحضار الدولة الكليانية الشمولية المستبدة مستعينين في ذلك ببعض رجال القانون «فقهاء السلطان» سابقا ممن يقرؤون قانون العدالة الانتقالية ليس كنص قانوني كائن ونافذ من قوانين الدولة بل وفق أهوائهم ورغباتهم في قراءة سياسوية مفضوحة لتحقيق بعض المكاسب الآنية خاصة أنّ الحملة اشتدت مع التصريح بنتائج الانتخابات وتكليف شخصية جديدة بتشكيل الحكومة. شخصيا، أنا أرثي لحال هؤلاء وأرجو لهم الهداية وقريبا سيثمّنون ويساندون مسار العدالة الانتقالية خاصة بعد خطاب رئيس الجمهورية في ذكرى الثورة والذي أكد فيه مجددا التزام الدولة بمسار العدالة الانتقالية تطبيقا لأحكام الفصل 148 من الدستور في فقرته التاسعة وكذلك اللقاء الايجابي الذي جمعنا مؤخرا بديوان سيادته حول موضوع الأرشيف وهي رسائل إيجابية مطمئنة نحن نثمّنها ونرحب بها، جعلت القائمين بالحملة يلقون المنديل ويُرغمون على مراجعة مواقفهم وحساباتهم.
حسب رأيكم، هذه الحملة مبرّرة أم محاولة لإسكات صوت الهيئة؟
- لا نجد أي تبرير لهذه الحملة خاصة ونحن لم نشرع بعد في العمل الفعلي حتى يتم الحكم علينا هكذا ونكون عرضة للهجوم من كل من هبّ ودبّ حتى ممن لم يقرأ القانون المنظّم للعدالة الانتقالية أصلا وعلاقته بها لا تتجاوز غير سماعه للفظ صدفة فأصبح مفتيا في القانون وفي العدالة الانتقالية والتحولات الديمقراطية وبارعا عبقريا في الاستهتار بمؤسسات الدولة وضرب عرض الحائط بقوانينها وتشريعها.
وليطمئن الجميع فإن هذه الحملة لن تزيد الهيئة إلا قوة وثباتا على النهج من أجل إنجاح مسار العدالة الانتقالية الذي هو انتصار للثورة ونجاح للجمهورية الثانية التي تحترم فيها المؤسسات والقوانين، فمن لا تحركّه الأعاصير لا تؤثر فيه مجرد الأنواء وبالتالي فهي عاجزة عن عرقلة عملنا وإسكات صوتنا في إرجاع الحقوق إلى أصحابها ومعالجة ماضي الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها تحقيقا للمصالحة الوطنية الشاملة.
تساءل البعض عن اختيار التوقيت والطريقة «المسترابة» للحصول على الأرشيف، لو تفسرون خلفية هذه الخطوة؟
- هذه مغالطة كبرى من بين عديد المغالطات الأخرى التي رُوّجت، فالتوقيت والطريقة كانا نتاج اتفاق بين الهيئة والديوان الرئاسي السابق وهذا أمر طبيعي بحكم أن العملية انطلقت معهم منذ جويلية 2014 ومن المنطق والطبيعي أن يستكمل ديوان الرئيس المتخلي التزاماته معنا قبل مغادرته القصر. هذا متفق عليه خلال الاجتماعات المشتركة بيننا منذ جويلية 2014 والتي ألمّت بمختلف الجوانب اللوجستية والفنية كجرد الأرشيف ورقمنته واستثناء الأرشيف المتعلق بالأمن القومي وعلاقات تونس الخارجية وطريقة حمله في شاحنات تتوفّر على جميع المواصفات الفنية وهي شبيهة بالشاحنات التي على ذمة مؤسسة الأرشيف الوطني بعد أن تعذر على رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع توفير وسائل لنقله، حتى سواق الشاحنات تمّ مدّ الأمن الرئاسي بهوياتهم قبل أيام من موعد التسلم والتأكد من كل الترتيبات الأمنية كان مرتّبا ومعدّا من كلّ الجوانب.
لكنكم لا تملكون المقر اللازم لحفظه؟
- وهذه مغالطة أخرى كذلك، فقد تأخرت عملية تسلم الأرشيف إلى حين تحوّزنا على مقرنا المركزي الجديد وتخصيص طابق كامل لحفظ الأرشيف تتوفر فيه أغلب المواصفات الدولية الفنية لحفظه والتي للأسف الشديد لم تكن متوفرة بالمقر الرئاسي. إضافة إلى وجود اتفاق سابق حاصل بيننا وبين مؤسسة الأرشيف الوطني لحفظه تحت مسؤوليتنا بمقر الأرشيف الوطني.
هل انتم متخوفون من ضياع الأرشيف أو العبث به بعد تسلم الباجي قائد السبسي الرئاسة؟
- بالعكس نحن مؤتمنون على الأرشيف في عهد الرئيس الجديد السيد الباجي قائد السبسي ولا نخشى عليه من الضياع والعبث والإتلاف وهو بالتأكيد بين أياد أمينة وكنا سنقوم بنفس المهمة حتى وإن كان ساكن قرطاج رئيسا آخر غير السبسي. المسالة ليست شخصية بل قانونية ومؤسساتية بحتة، إذ بحُكم ما لنا من صلاحيات قانونية وسلطات تقديرية واسعة، رأينا أنّ تحوّزنا على الأرشيف فعليا بمقرنا أو بمؤسسة الأرشيف الوطني القريبة يساعدنا على أداء مهامنا بصورة أنجع وأفضل عوضا عن التعاطي مع الأرشيف ذهابا وإيابا إلى قصر قرطاج يوميا.
ليست لكم ثقة في الفريق الرئاسي الجديد؟
- لنا ثقة كبرى في الفريق الرئاسي الجديد بعيدا عن الشخصنة و»تذييت» المسائل، نحن نتعامل بمنطق مؤسساتي: مؤسسة عمومية مستقلة («هيئة الحقيقة والكرامة» ) مقابل مؤسسة رئاسة الجمهورية وهذه قوة النظام السياسي التونسي الذي أدى إلى نجاح التحول الديمقراطي ومن ثمة نجاح مسار العدالة الانتقالية، وهذا ما حصل فعلا من خلال اللقاء المشترك الذي جمعنا الأسبوع الفارط معهم حول ملف الأرشيف الرئاسي والذي كان ايجابيا بغاية إيجاد حل يرضي الطرفين انتصارا لمسار العدالة الانتقالية على أن يكون في غضون الأيام القادمة اللقاء الثاني.
لماذا تأخرتم في هذه الخطوة؟
- سبب ذلك مسائل فنية بحتة متعلقة أساسا بجرد الأرشيف الرئاسي كاملا وإعداد مقرّنا من الناحية الفنية واللوجستية لتقبل الأرشيف إضافة إلى طول جلساتنا المشتركة وتعددها مع مؤسسة الأرشيف الوطني.
بماذا يسمح لكم القانون.. بنقل الأرشيف فقط أم بالنّفاذ إليه والاطلاع عليه؟
- لا بد من التأكيد أولا على أن قانون العدالة الانتقالية التونسي قانون استثنائي بأتم معنى الكلمة، فهو استثنائي من حيث الزمن لأنه قانون ظرفي ينتهي العمل به بمجرد انتهاء مدة عمل الهيئة المحددة قانونا بخمس سنوات من جهة، ومن جهة أخرى هو قانون استثنائي من حيث الموضوع إذ احتوى على عديد الأحكام الاستثنائية من ذلك عدم اعترافه بمبادئ قانونية عظمى قديمة جدا على غرار اتصال القضاء وسقوط الدعوى والعقاب بمرور الزمن والتمسك بالحصانة وغيرها من الأحكام الأخرى طبقا لما نص عليه الفصل 148 من الدستور في فقرته التاسعة: «تلتزم الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها، ولا يقبل في هذا السياق الدفع بعدم رجعية القوانين أو بوجود عفو سابق أو بحجية اتصال القضاء أو بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن». بالتالي سنعود إلى تطبيق هذه المبادئ بمجرد انتهاء الهيئة من مهامها بعد خمس سنوات ولا أدل على ذلك من ورود هذه الأحكام الاستثنائية في الفصل 148 ضمن باب الأحكام الانتقالية التي لن تُصبح لها أيّة قيمة قانونية بمجرد انتهاء المدة المحددة لها. إذن، فإن «هيئة الحقيقة والكرامة» هيئة استثنائية زمانيا وموضوعيا وليست كبقية الهيئات العمومية المستقلة الدائمة زمانا وموضوعا.
وبالتالي منح قانون العدالة الانتقالية صلاحيات كبرى واستثنائية ل«هيئة الحقيقة والكرامة» للقيام بمهامها بغاية إنجاح مسار العدالة الانتقالية وصلت إلى حد عدم الاعتراف بمبادئ قانونية عظمى، فما بالك بموضوع الأرشيف ؟؟ والذي هو فاصل صغير وجزئية صغيرة جدا مقابل المبادئ القانونية الأخرى (مبدأ اتصال القضاء، مبدأ سقوط الدعوى والعقاب بمرور الزمن، مبدأ عدم رجعية القوانين ...) وطبقا للقاعدة القانونية: «من أمكنه الأكثر أمكنه الأقل». الهيئة مارست مهامها طبقا للصلاحيات القانونية الممنوحة لها، فهل من المنطق القانوني السليم أن تكون الهيئة قادرة على تحطيم مبادئ قانونية عظمى (مبدأ اتصال القضاء، مبدأ سقوط الدعوى والعقاب بمرور الزمن، مبدأ عدم رجعية القوانين وغيرها) وتكون عاجزة عن تسلّم أرشيف ما؟ ويتحول النقاش إلى الفرق بين النفاذ والحمل ؟؟.
وباعتبار أن النصوص القانونية تقرأ وتؤول بعضها ببعض وبالاستناد إلى القانون المقارن خاصة أن تجربة تونس في العدالة الانتقالية هي التجربة العالمية رقم 46 سبقتها تجارب أخرى وقانون العدالة الانتقالية التونسي أخذ إيجابيات قوانين التجارب المقارنة في العدالة الانتقالية وتجنب سلبياتها، وقد أسندت كل هذه التجارب المقارنة لهيئاتها سلطات تقديرية واسعة في التعامل مع أرشيفها دون أن يثار التمييز بين النفاذ والحمل مثلما حصل عندنا.
ونحن تصرفنا طبق القانون والصلاحيات الممنوحة لنا، والفصل 40 من قانون العدالة الانتقالية في فقرته الأخيرة واضح وصريح لا يحتاج إلى تأويل أو تفسير أو حتى قراءات سياسوية مفضوحة إذ نص صراحة أنه لإنجاز مهامها تتمتع الهيئة بالصلاحيات التالية: «الإلتجاء إلى أي إجراء أو آلية يُمكّنانها من كشف الحقيقة».
وقد وردت هذه العبارات مطلقة وبالتالي تجري وتنسحب على كل المجالات بما فيها الأرشيف طبقا للقاعدة القانونية « إذا كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطلاقها» وبما للهيئة من سلطات تقديرية واسعة واستثنائية طبق القانون، ارتأت أن إجراء حمل الأرشيف الرئاسي يمكّنها من كشف الحقيقة بأسلوب أنجع وأنجح وهي عبارات قانونية واضحة وصريحة «وإذا كانت عبارة القانون واضحة فلا عبرة بالدلالة» والمُفسَّر لا يفسّر. أعتقد أن البعض يحتاج للعودة إلى مدارج كلية الحقوق والقيام بدروس تدارك في القانون عموما وفي المبادئ القانونية خصوصا.
حسب قولكم، الأمن الرئاسي خرق قانون العدالة الانتقالية، هل انتم ماضون حقّا في مقاضاته؟
- لم يكن خرقا قانونيا بسيطا بل كان تعطيلا متعمدا لعمل الهيئة ممن لم يستوعب بعد أنه وقعت ثورة في تونس وأننا في دولة قانون ومؤسسات حقيقية تكرس مبادئ الجمهورية الثانية. الملف الآن من أنظار القضاء لتتبع هؤلاء المعطلين لعمل الهيئة طبق الفصل 66 من قانون العدالة الانتقالية والفصلين 125 و136 من المجلة الجنائية بعد أن تم فتح بحث تحقيقي ضدهم من قبل النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس على اثر الشكاية التي تقدمنا بها يوم 30 ديسمبر 2014، واليوم سيتم الاستماع إلى الممثل القانوني للهيئة بصفته شاهدا ومتضررا في تلك الواقعة التي مازالت بعض وسائل الإعلام الصفراء تصرّ على توصيفها بكونها «سطو» و«استيلاء».. يا عجبي!
هناك من يرى أنّ صلاحيات الهيئة جعلت منها سلطة داخل السلطة؟
- هي صلاحيات مضبوطة ومحددة بالقانون ولمْ، ولا ولن نتجاوزها في حال من الأحوال وهو قانون نافذ وجاري به العمل والهيئة مؤسسة عمومية من مؤسسات الدولة تخضع لقوانينها وتشريعها الجاري به العمل في كل المجالات. نحن نخضع لدائرة المحاسبات ولرقابة مجلس نواب الشعب والقرار التحكيمي لا يصبح نافذا إلا بإكسائه بالصيغة التنفيذية من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتونس وهي كلها رقابة ما بعدية وهي ليست سلطة داخل السلطة بل منحها المشرع بعض الأحكام الاستثنائية لأداء مهامها والقوانين لا تنقح أو تغير إلا بنفس الأسلوب الذي سنت به عبر المجلس التشريعي عملا بمبدإ توازي الصيغ والشكليات.
لكن البعض يرى أن الهيئة قادرة على التغول خاصة بعدما وضعت لنفسها نظاما داخليا في 22 نوفمبر الماضي وسّعت فيه صلاحياتها والتي يرى خبراء القانون أنها خالفت في عدّة نصوص منها الدستور والقانون العام والقانون الأساسي المنشئ للهيئة؟
- هذا غير صحيح بالمرة وأتحدى أيّا كان يقول إنّنا منحنا أنفسنا صلاحيات أوسع. النظام الداخلي للهيئة كان مطابقا للدستور وللقانون الأساسي للعدالة الانتقالية وكان مفسرا ومفصلا للقانون دون أن يتجاوزه، وعند وضعه تمّت الاستعانة بخبراء في القانون بعد جلسات ومشاورات مطولة مع مكونات المجتمع المدني والأخذ ببعض مقترحاتهم وهذا النظام الداخلي نافذ الآن بعد نشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ولم يتم الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية من أيّة جهة كانت بدعوى مخالفته للدستور والقانون الأساسي للعدالة الانتقالية بل اقتصر الأمر على بعض التصريحات الإعلامية الجوفاء المفتقدة لكل أساس قانوني لا غير ممن لم يقرأ لا النظام الداخلي ولا قانون العدالة الانتقالية ولا حتى الدستور في إطار الحملة على الهيئة وسياسة صبّ الزيت على النار.
هناك من يغمز من قناة أنّ هيئتكم غير «دستورية»؟
- إذا اعتمدنا المعيار الشكلي فهذا صحيح لأن الهيئات الدستورية مذكورة حصرا بالباب السادس تحت عنوان: «الهيئات الدستورية المستقلة» ولا يوجد من ضمنها «هيئة الحقيقة والكرامة» التي هي هيئة عمومية مستقلة استثنائية زمانا وموضوعا كما سبق أن أشرت على عكس الهيئات الدستورية المستقلة وهي هيئات دائمة.
أما إذا اعتمدنا المعيار الموضوعي فيمكن القول أن «هيئة الحقيقة والكرامة» «هيئة دستورية» بحكم التزامها بإنجاح العدالة الانتقالية على معنى أحكام الفصل 148 فقرة 9 من الدستور، فقانون العدالة الانتقالية صدر في 24 ديسمبر 2013 أي قبل الدستور ذاته الذي تقرأ في فصوله المائة والتسع وأربعون (149) روح العدالة الانتقالية ومسارها من كشف الحقيقة وصولا إلى تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة مرورا بالمساءلة والمحاسبة وحفظ الذاكرة وجبر الضرر ورد الاعتبار. وسواء كانت دستورية شكلا أو أصلا فذلك لا يغيّر شيئا في مسار العدالة الانتقالية وفي دور الهيئة المحصن دستوريا وقانونيا وشعبيا عبر أغلب مكونات المجتمع المدني وأغلب الطيف السياسي.
كيف يتم اتخاذ القرارات داخل الهيئة؟
- كل القرارات تمّت ويتم اتخاذها صلب مجلس الهيئة بالتوافق وإن تعذر التوافق تتخذ القرارات بالأغلبية المطلقة لأعضائها الحاضرين عملا بأحكام الفصل 60 من قانون العدالة الانتقالية والفصل 9 من النظام الداخلي للهيئة وكل عضو له صوت واحد ولا يوجد تمييز ايجابي لأي عضو على آخر.
كيف يمكن أن تُؤكد الهيئة قولا وفعلا عدم دخولها في لعبة التجاذبات السياسية؟
- نحن نقف على مسافة واحدة من كل الأطراف السياسية ولا نتدخل في التجاذبات الحزبية التي جرت وتجري الآن- وهذا ثابت – أو التي ستجري في المستقبل ولا يهمنا لون ساكن قرطاج أو باردو أو القصبة بقدر ما يهمنا احترام مؤسسات الدولة وقوانينها النافذة فيها قانون العدالة الانتقالية.
وفعليا سيتأكد هذا عبر التعاطي مع ملفات الانتهاكات بكل حيادية واستقلالية ولا ننظر إلى الانتماء السياسي لا ل«الضحية» ولا « لمرتكب الانتهاكات» كما أننا سنصفّي ماضي الانتهاكات دون تصفية الأنظمة السياسية التي وقعت في عهدها تلك الانتهاكات وهي كل الأنظمة السياسية التي عرفتها تونس منذ غرة جويلية 1955 إلى غاية 31 ديسمبر 2013 فمسار العدالة الانتقالية ليس لصالح نظام سياسي معين وليس ضد نظام سياسي محدد.
لكن البعض يعتبر أن تنصيب الهيئة كان بالمحاصصة في صلب المجلس التأسيسي الذي غلبت عليه التجاذبات الحزبية؟
- إذا تمّت مجاراة هذا الموقف فإن كل ما تمخض عن المجلس الوطني التأسيسي كان نتيجة للمحاصصة الحزبية بما فيها الدستور وبقية القوانين الصادرة عنه وحتى هيئة الانتخابات تم اختيار أعضائها من قبل المجلس الوطني التأسيسي وسمعنا نفس هذه الاسطوانة المشروخة، ومن يثيرها اليوم من جديد كمن يخلع في أبواب مفتوحة بعد أن قالت فيها المحكمة
الإدارية كلمتها النهائية ورفضت المطعن المقدم من طرفهم. ما عليهم الآن إلا الالتزام بالقرارات والأحكام الصادرة عن المحاكم التونسية إلا إذا كانوا لا يعترفون بالمؤسسة القضائية للدولة التونسية فتلك مشكلتهم وما عليهم إلا البحث عن دولة أخرى لا تحترم فيها قرارات المحاكم للعيش فيها وتأسيس مسار عدالة انتقالية على مقاسهم ورغباتهم.
كذّبت الهيئة محاولة نقل أرشيف السجون بقمّرت لكن الأمنيين أكدوا حصولها ليلا، ما هو ردكم؟
- هذا خبر عار تماما عن الصحة وهو يندرج في إطار الحملة على الهيئة ولا يستحق كثيرا من الحبر أصلا للرد عليه.
الاستقالات التي حصلت (ثلاثة)، ألا تؤشّر على وجود خلل ما داخل الهيئة؟
- هما استقالتان فقط بحكم أنه تم تعويض العضو المستقيل السيد خميس الشماري بالسيدة ليليا بوقيرة عبر المجلس الوطني التأسيسي وهي تباشر مهامها معنا الآن. أما بالنسبة لاستقالة السيد عزوز الشوالي والسيدة نورة البورصالي فتعويضهما سيتم عبر مجلس نواب الشعب طبقا لأحكام الفصل 37 من قانون العدالة الانتقالية الذي نصّ على أنه: «في حالة استقالة عضو من أعضاء الهيئة أو إعفائه أو وفاته يتم تعويضه بعضو آخر من نفس اختصاصه من قبل المجلس المكلف بالتشريع بنفس الصيغ والإجراءات المنصوص عليها بالفصل 23 من القانون».
وهذا أمر طبيعي ولا يشكل أي مؤشر سلبي وليس له أي تأثير على عمل الهيئة بحكم أننا واصلنا أداء مهامنا طبق القانون في انسجام وتوافق داخلي كلي وقبلنا إلى حد الآن حوالي 4000 ملف من طالبي جبر الضرر ورد الاعتبار وطالبي كشف الحقيقة وطالبي التحكيم والمصالحة، وقمنا كذلك بتوزيع رئاسة اللجان الخاصة والمتخصصة التي ستنظر في هذه الملفات وغيرها.
الا تعتقد أن سبب الهجمة على الهيئة شخصية «بن سدرين» التي يُقال أنّ نقاط استفهام تحوم حولها؟
- بعيدا عن الشخصنة، السيدة سهام بن سدرين هي رئيسة هيئة حقيقة والكرامة وهي عضوة في مجلس الهيئة كبقية الأعضاء، لها ما لهم وعليها ما عليهم، وجميع «نقاط الاستفهام» التي يدّعيها البعض حولها أثيرت ضدها أمام لجنة الفرز بالمجلس الوطني التأسيسي التي رفضتها جميعا، ثم تم الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية التي رفضت بدورها جميع «نقاط الاستفهام» وقالت كلمتها فما علينا إلا احترام قرارات المحاكم وتنفيذها، فتحولت «نقاط الاستفهام» إلى «نقاط تعجّب»!
لو تم اختيار شخصية أخرى لرئاسة الهيئة ألا تعتقد أن عملها سيكون أسهل؟
- كل أعضاء مجلس الهيئة مستقلون ومحايدون بما فيهم رئيسة الهيئة وهذا ما أثبته القضاء، أما عن تسهيل عمل الهيئة فذلك بسبب إصرار البعض على استهداف مسار العدالة الانتقالية برمته والاستهتار بمؤسسات الدولة وقوانينها وحتى ولو كان رئيس «هيئة الحقيقة والكرامة» شخصية أخرى أو نبيّا سيكون موقفهم نفسه وأعمالهم أشنع ضد الهيئة خصوصا ومسار العدالة الانتقالية عموما، فالمعضلة عقلية وثقافية بالأساس وهي مقياس لقيم المواطنة.
ما حقيقة التغييرات التي قد تحصل في الايام القادمة على مستوى مسؤوليات داخل مجلس الهيئة؟
- أعتقد أن أمنية وحلم البعض بتحقيق التغييرات على مستوى المسؤوليات داخل مجلس الهيئة ستبقى بالنسبة لهم مجرد حلم وأمنية إلى أن تنهي الهيئة أعمالها بعد خمس سنوات وتقدّم تقريرها النهائي.
هل هي قادرة فعلا على «تفكيك منظومة الاستبداد ومحاسبة الجلادين»؟
- للهيئة صلاحيات قانونية وآليات قادرة على تفكيك منظومة الاستبداد منعا لتكرارها في المستقبل وتحقيقا للمصالحة الوطنية الشاملة بين كافة أطياف الشعب التونسي.
لكن هناك تشكيك مسبق في القيام بهذه المهمة؟
- هذا التشكيك لا يستند إلى أي أساس واقعي أو قانوني وهو ليس إلا ضربا من ضروب الحملة على الهيئة التي هي سائرة في طريقها من اجل تفكيك منظومة الاستبداد عبر معالجة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان منعا لتكرارها وتحقيقا للمصالحة الوطنية.
قانونيا، كيف ستكون المحاسبة وفضح انتهاكات الماضي؟
- من الناحية القانونية فإن المساءلة والمحاسبة وفضح انتهاكات الماضي ستكون عبر مجموعة من الآليات التي تحول دون الإفلات من العقاب باعتبار أنّ هذه الانتهاكات لا تسقط بالتقادم، وذلك بمعرفة ظروف وقوع انتهاكات حقوق الإنسان وفاعليها ثم محاسبة المسؤولين عنها وجبر الضرر ورد الاعتبار لضحاياها. من أجل ذلك تحدث دوائر قضائية مختصة بالمحاكم الابتدائية المنتصبة بمقار محاكم الاستئناف متكونة من قضاة مختصين في العدالة الانتقالية وممن لم يشاركوا سابقا في قضايا ذات صبغة سياسية، وفعلا صدر عن السيد رئيس الحكومة الأمر عدد 2887 لسنة 2014 المتعلق بإحداث دوائر جنائية متخصصة في العدالة الانتقالية بالمحاكم الابتدائية المنتصبة بمقار محاكم الاستئناف بتونس وقفصة وقابس وسوسة والكاف وبنزرت والقصرين وسيدي بوزيد.
هل ستلجؤون إلى منظمات المجتمع المدني قصد مساعدتكم في هذه المهمة؟
- نحن نؤمن إيمانا عميقا بأنّ «هيئة الحقيقة والكرامة» لا تحتكر مسار العدالة الانتقالية بل هذا المسار هو مسار تشاركي جامع لكل مكونات المجتمع المدني دون إقصاء أي كان إلا من أقصى نفسه، وهو مشروع وطني يجمع كل أطياف الشعب التونسي من أجل دعم الوحدة الوطنية. في هذا الإطار، عقدنا جلسات عمل مشتركة مع أغلب مكونات المجتمع المدني التي لبّت دعوتنا في العاصمة وفي كل ولايات الجمهورية وأخذنا ببعض مقترحاتهم عند إعدادنا للنظام الداخلي ومازال العمل المشترك مع مكونات المجتمع المدني متواصلا ونتائجه واعدة وايجابية جدا إلى حين انتهاء مهامنا وإصدار تقريرنا الشامل وتقديمه للحكومة التي تتولى خلال سنة إعداد خطة وبرامج عمل لتنفيذ التوصيات والمقترحات التي قدمتها الهيئة وتقدم الخطة والبرنامج إلى المجلس المكلف بالتشريع لمناقشتها ونحن سنضع هذه التوصيات والمقترحات بناء على التقارير التي ستقدمها لنا مكونات المجتمع المدني.
كما يتولى مجلس نواب الشعب مراقبة مدى تنفيذنا للخطة وبرنامج العمل من خلال إحداثه لجنة برلمانيةخاصة للغرض، تستعين بالجمعيات ذات الصلة من أجل تفعيل توصيات ومقترحات الهيئة. إضافة إلى ذلك سيتم تشريك مكونات المجتمع المدني في تركيبة اللجان الخاصة والمتخصصة التي تم تركيزها مؤخرا والتنصيص عليها في النظام الداخلي وسيكون للبعض منها حق التصويت والمشاركة في اتخاذ القرارات الهامة والمصيرية للعدالة الانتقالية.
إلى أين سنصل في الختام؟
- نصل إلى المصالحة الوطنية الشاملة بين كافة أطياف الشعب ومصالحة المواطن مع مؤسسات دولته ومصالحة داخل المجتمع. تتوفر في تونس أرضية خصبة مشجعة للمصالحة الوطنية، فنحن مجتمع موحد دينيا وعرقيا وإثنيا ومذهبيا ولم تشهد تونس من الفترة الممتدة من غرة جويلية 1955 إلى أواخر ديسمبر 2013 إلا صراعات إيديولوجية وسياسية وحزبية احتكمت فيه بعض الأطراف أحيانا إلى السلاح والعنف لفرض مشاريعها ولا تعني المصالحة الإفلات من العقاب وعدم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. نحن عازمون على إنجاح المصالحة الوطنية الشاملة لأنها لبّ وروح العدالة الانتقالية التي تبقى عدالة عرجاء إن لم تحقق المصالحة. يحتوى قانون العدالة الانتقالية على عديد الآليات المشجعة على إنجاح المصالحة من ذلك إحداث لجنة خاصة للتحكيم والمصالحة أتشرف برئاستها، كما أن المصالحة ستشمل كل الانتهاكات بشرط موافقة الضحية بعيدا عن سياسة الانتقام والتشفي من جهة وتكريس لسياسة عدم الإفلات من العقاب من جهة أخرى. الشعب التونسي الذي أنجز ثورة عظيمة أبهرت العالم ونجح في مرحلة التحول الديمقراطي كان متحضّرا في الأشهر الأولى للثورة ولم يلتجأ إلى أعمال انتقامية فردية ولم تحدث محاكم ثورية شعبية تنصب المشانق بعدها مباشرة بل سعى إلى تحقيق عدالة انتقالية تعالج انتهاكات الماضي عبر مؤسسات وقوانين فكان القانون الأساسي عدد 53 المتعلق بالعدالة الانتقالية الصادر في 24 ديسمبر 2013 مكرسا لهذا التوجه رافضا لأي صورة من صور العدالة الانتقائية أو الانتقامية وكان قانونا لصالح كل الضحايا من مختلف الانتماءات والحساسيات الفكرية والسياسية خلال كل حقب دولة الاستقلال بمن فيهم ضحايا انتهاكات ما بعد 14 جانفي 2011 إلى حدود 31 ديسمبر 2013 بقطع النظر عن التحول في مراكزهم القانونية فهو ليس قانونا لفئة ضد فئة أخرى من المجتمع.
ونحن حاملو رسالة قيم ومبادئ نبيلة وأصحاب مشروع وطني جامع لكل التونسيين باختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية نتطلع إلى بناء مستقبل زاهر ومشرق في دولة لا تنتهك فيها مستقبلا حقوق الإنسان وتحترم فيها الحريات العامة والفردية للمواطن التونسي، نسعى لمصالحة الماضي مع الحاضر من أجل المستقبل وإذا فشل مسار العدالة الانتقالية في تونس لا قدر الله فإنه لن يفشل فقط مسار التحول الديمقراطي ونرتد الى الوراء، بل ستحدث ثورة أخرى أكثر عنفا ودموية لا تبقي ولا تذر وهذا لن يحصل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.