بقلم: محمد حمزة (ناشط سياسي) عاش الاتجاه الإسلامي منذ نشأته حراكا داخليا يشتد أحيانا ليغيب أخرى ... ولكن غالبا ما نجح «الإخوان» في تجاوزه بأقلّ الأضرار بتغليب مقولات الأخوة والاحتساب ثم بواقع الانضباط الحزبي الذي ميّز التنظيمات الإسلامية عموما و«النهضة» خصوصا طيلة العقود الماضية. ومثّل الأستاذ راشد الغنوشي سقفا تنتهي عنده كل الخلافات , يديرها بمهارة تحفظ موقعه من المساس وذلك عبر تضخيم دوره السياسي والداخلي وتقزيم القيادات من حوله بضربات خفيفة تضعفهم ولكنها لا تستبعدهم . و انتصرت الثورة التونسية .. لتمنح «النهضة» هديّة «الحرية» ولتنال بعدها مسؤولية السلطة بعد انتخابات 23 أكتوبر2011 ... فتغيرت الخريطة السياسية داخل هذا الحزب بتحوله من حزب طريد الى حزب حاكم فتراجع كثير من المناضلين عن مقاعدهم الأمامية إلى ثلّة من الطّامحين وبعض ممن يحسنون تغيير الفريق في كل «ميركاتو» سياسي لفائدة الحزب الأقرب للكرسي. و كنتُ في سبتمبر 2012 فاتحة الاستقالات والتي فسّرتُها في مكالمة هاتفية للشيخ الحبيب اللوز دقائق بعد إعلانها بأنها إيذان أن حالة الانضباط التي تعوّل عليها الحركة لحماية وحدتها ليست قدرا وقابلة للانكسار. لم يكن لهذه الاستقالة أثر كبير في الواقع الداخلي للحركة حيث اعتبرت نشازا وتنطّعا غير قابل للعدوى في زمن يتكاثر الوافدون لهذا الحزب الزّاهي بسلطانه الذي ناله قبل أشهر ولكن هذا الحدث «المفاجئ» مسّ من تلك الصّورة التي تميزت بها «النهضة» عن بقية الاحزاب كونها عتيّة على ظواهر الانشقاقات. وفي بداية 2014 تأسّس حزب «البناء الوطني» وضمّ جماعة غير قليلة من المستقيلين حديثا من «النهضة» يرأسهم رياض الشعيبي ومثّل هذا الانشقاق حراكا غير مسبوق ومثل تشكيله بداية للحديث عن امكانية أن تخرح من تحت جناح «النهضة» بدائل سياسية تعمل ضمن سياق «الهوية» وخار اطار «الحزب» الذي هيمن على المشهد الاسلامي الوسطي لعقود. ولكن استعجال الشعيبي وجماعته في دخول المعركة الانتخابية نهاية 2014 مثل انتكاسة لهذا الحزب يتحتّم عليه بذل كثير من الجهد في اتجاه تجاوزها. لم تكن ولادة هذا الحزب بمعزل عن حالة من «الغضب» الداخلي الذي بدأت آثاره تبرز للعيان ببعض التصريحات أحيانا أو بتحويرات متكررة بالهياكل وطنيا وجهويّا أحيانا أخرى. ولكنّ أهمّ ما طبع المشهد كان الخلاف مع المهندس الجبالي الذي استقال من الأمانة العامة للحركة بعدما كبُرت الفجوة بينه وبين «الشيخ» اثر تجاوزه لحدوده «حزبيّا» بإعلانه مبادرة حكومة التكنوقراط خارج الأطر التنظيمية ورغم ان الأمور آلت في ما بعد الى مثل رأيه بحكومة «المهدي جمعة» الا ان ما لم يُغفر للامين العام ليس الفكرة ولكن الجرأة على اتّخاذها . وتواصل الخلاف الى أن أثمر استقالة فعليّة من الحركة لعلّها الأبرز في تاريخها. كان في كواليس كل هذا رجل هو «اليد الحديدية» التي يمسك بها الغنوشي مفاصل التنظيم ويعاقب المتنطّعين ويقرّب المنضبطين. انه أحدث المستقيلين «من المهام» عبد الحميد الجلاصي الذي فاجأت استقالته الكثيرين وأطلقت العنان لتحاليل تتراوح بين «بداية الصراع الانتخابي للمؤتمر القادم» وبين الاحتجاج على النهج السياسي الذي يسلكه الشيخ بتوجيه من «زيتون» أحد مهندسي التقارب مع النداء. استقالة الجلاصي أنهت فعليا الحديث عن وحدة الحركة المبنية على الانضباط لتدفع القيادة من الآن الى البحث عن وحدة «الموازنة» بين الخطوط وادارة الخلاف بينها... لا شيء الآن يوحي أن الانضباط قدر الحركة الذي يحميها من أن تكون عرضة للانقسام والتآكل وما كان إشارة بسيطة من «صفاقس» صار واقعا يصعب ادارته والتعايش معه.