59 سنة من التشريعات، ومسيرة نضالية طويلة من أجل الحرية والمساواة خاضتها المرأة مع الرجل، كان العدو الأكبر فيها هو التخلف والجهل والأمية، والنظرة الدونية والرجعية لدور المرأة في المجتمع العربي، لكن المراة التونسية تحدت نظرة هذا المجتمع الشرقي، لتثبت، ولتدافع عن حقها في المساواة بعملها ونضالها وكفاحها. المرأة التونسية التي ساهمت في رقي مجتمعها، وارتقت الى مستوى الشراكة، وبشكل واضح ومؤثر في الابداع والابتكار والانتاج ، هي امرأة تحملت مسؤولية اسرتها وقادتها إلى بر الأمان، محققة لهذه الأسرة كل أنواع النجاح والإزدهار. هي التونسية التي وقفت جنبا الى جنب مع الرجل إبّان الحركة الوطنية حامية له، وسندا له، ومساعدة لتحرير أرض تونس من براثن الاستعمار.. هي التي خاضت معركة الاستقلال وساهمت في ارساء دعائم الدولة الحديثة. هي الأم الريفية التي رعت أبناءها و زرعت فيهم حب الوطن والتشبّث بالأرض، هي التي حرمت من التعليم لتسهر الليالي الطوال تحنو على أبنائها وتحلم معهم بمستقبل أفضل من حاضرها التعيس. هي الحرفية التي تصنع بيديها من أديم الأرض، ما سيكون شاهدا على مهارتها وأصالتها، هي التي تعمل في المصنع، تشقى و تتحمل عبء الساعات الطوال والأجر الزهيد والاستغلال لتعول أسرتها و تحقق ذاتها... هي التلميذة والطالبة في الجامعة تقدم كل يوم درسا لشعوب الأرض، بأن المرأة ليست اقل فطنة او ذكاء، درس في المساواة و صفعة لقوى الردة الحضارية... هي المدرسة التي تزرع بذور حب الوطن وإعمال العقل، تخط في الصفحات البيضاء لقاحا ضد الجذب للوراء والعدمية والظلامية، والرجعية، تنشر النور في أركان مخيلة الناشئة... هي القاضية والمحامية والروائية والمهندسة والطبيبة والمعلمة والوزيرة والعضوة في الحزب ، هي تلك الصحفية اللامعة المناضلة التي لا تنحني للظلم والقهر والدكتاتورية، ترسم مع كل كلمة وفكرة وابداع مستقبلا اجمل لوطنها. هي المرأة التونسية التي تأبى أن تكون في مرتبة دونية تفخر بأن يكون لها تشريع بحجم مجلة الأحوال الشخصية التي كانت فاتحة نضال نسوي لتكريس القيم الانسانية في المساواة والحرية و الكرامة، هي اليوم برصيد تشريعي حداثي تكرّس تدريجيا رغم ممارسات التضييق على المرأة والرجل على حد سواء.. المرأة التونسية اليوم لم تعد مجرد أداة منزلية للإنجاب، وأمة من إماء الرجل، ومجرد جسد، وعاء وعورة للتنفيس عن لذات مكبوتة، وتلبية الرغبات الجامحة، لم تعد تلك المغتربة عن هويتها وارثها، أو سلعة رخيصة لا ترى في نفسها سوى أنها جسد جميل يحقق أرباحا. المرأة التونسية هي تلك المتصالحة مع ذاتها ومع هويتها، أصيلة في تشبثها بالقيم الحضارية لمجتمعها، منفتحة على محيطها دون عقد أو قيود، لا ترى تناقضا بين حريتها و التزامها، تعمل باستمرار من أجل مساواة كاملة مع الرجل، ورفع كل أشكال التمييز في الحقوق السياسية والإقتصادية والثقافية، وتكريس مواطنتها كامرأة فاعلة، مشاركة، منتجة، مبدعة، مسؤولة وحرة. اليوم تحتفل المرأة بعيدها، فكل عام وكل نساء بلادي بألف خير، وعاشت المرأة التونسية، مناضلة، مبدعة، وحرة.