حمل الأسبوع الأخير مستجدات من الوزن الثقيل على صعيد العلاقات التونسيةالأمريكية سيحتاج نقلها من الخطاب إلى الفعل مزيد تبادل حسن النوايا وتقاسم الخطوات للالتقاء في مكان ما وسط طريق يخدم المصلحة المشتركة للطّرفين. زيارة وزيرة التجارة الأمريكية قد تؤشّر لمنعرج جديد في العلاقات الثنائية لن يترسّخ دون زحزحة الملف الاقتصادي وهو ما يلقي على عاتق تونسوواشنطن تشخيص الآليات الملائمة للتوصّل إلى شراكة حقيقيّة تنسجم مع حجم النسيج الاقتصادي في كلّ من تونسوالولاياتالمتحدة بمعنى أوضح أنّ علاقات الصداقة العريقة التي تربط البلدين وتموقع تونس كأوّل بلد اعترف باستقلال الولاياتالمتحدة وتخلصها من وصاية سيدة البحار في أعقاب القرن الثامن عشر قد يطرح الإطار الملائم للتوصّل إلى فهم مشترك يجعل الطريق سالكة نحو بناء علاقات جديدة نموذجية على قاعدة تبادل المنافع وتكرس التزاما أمريكيا حقيقيا يدفع مسار الإنعاش الاقتصادي والرقي الاجتماعي الذي تعيشه تونس. كلمة أوباما لقد أبرقت الأجواء التي لفّت زيارة المسؤولة الأمريكية برسائل إيجابية في أكثر من اتجاه تخدم تطلع تونس إلى استعادة صورتها كبلد معتدل وبوابة كبرى للاستثمار ومنها الكلمات التي توجه بها الرئيس أوباما إلى المشاركين في ملتقى الأعمال الذي التأم بمناسبة هذه الزيارة. كما طرحت وزيرة التجارة الأمريكية بشكل واضح وجهة نظر واشنطن بشأن شروط زحزحة الملف الاقتصادي داعية بالخصوص إلى تسريع نسق الإصلاح الاقتصادي في تونس ولا سيما على صعيد الجباية وآليات حماية المؤسّسات من الإفلاس إلى جانب إجراءات أخرى تهم المجال المالي. كما ألمح الجانب الأمريكي وهنا بيت القصيد إلى ترابط بين مُضي تونس قدما على درب الإصلاح الاقتصادي وإحياء المفاوضات حول إرساء منطقة تبادل حر بين البلدين لا يمكن الحديث في غيابها عن إمكانية الارتقاء بحجم التبادل التجاري والاستثمار إلى مستوى الفرص المتاحة في كلّ من تونسوالولاياتالمتحدة. وهنا يمكن القول إنّ حجم التعاون الاقتصادي القائم بين البلدين يظل «مخجلا» ولا يكاد يمثل شيئا في الميزان التجاري لكليهما لدرجة أنه لا يتجاوز نصف مليار من الدنانير سنويا فيما لا يتجاوز حجم المؤسّسات ذات المساهمات الأمريكية في تونس 50 مؤسسة مقابل نحو 2700 مؤسسة أوروبية والواضح أن تلك الأرقام الهزيلة تحتاج اليوم إلى تقاسم الخطوات أو الالتزامات والفهم المشترك لوجاهة منطلقات وهواجس كل طرف لإرساء صفحة جديدة في مسار العلاقات الثنائية. منطقة تبادل حرّ وبالتوازي مع أهمية الجوانب السيادية فإنّ تونس تبدو في حاجة إلى وعي جديد بأن حيزا هاما من الآليات والسياسات المنتهجة في المجال الاقتصادي لم يعد من الممكن تواصلها إنها صارت بمثابة الطوق الذي يخنق الكثير من مكامن النمو وأهمها التضييقات العديدة على الاستثمار بما في ذلك احتكار الدولة للعديد من الميادين ذات الصبغة التجارية والحاجة إلى إصلاح جبائي يؤدي إلى توسيع قاعدة المطالبين بالأداء وتخفيف الضغط الجبائي على الذين يدفعون حاليا إلى جانب ضرورة تدعيم آليات الشفافية خاصة عبر إقرار قانون صريح بمنع الإفلاس وذلك إما بتغيير المستثمر أو النشاط. نقطة التقاء إن تلك الإصلاحات التي تحتاجها تونس لخلق طفرة في التنمية تكون قادرة على امتصاص طوابير العاطلين عن العمل وتدعيم أركان السلم الاجتماعية يمكن أن تشكل نقطة التقاء بين مصالح تونس ونظرة واشنطن لشروط تحقيق تغيير ملموس في واقع التعاون الاقتصادي بين البلدين. لكن واشنطن تبدو بدورها في حاجة إلى فهم أكبر للواقع التونسي يؤول إلى الاقتناع بأن تونس تخوض اليوم معركة على واجهتين تتعلّق أولاهما بترميم أسس الدولة وتحسين معطى الاستقرار بكل أبعاده فيما تخصّ الثانية الشروع في صياغة إصلاحات جوهرية في ميادين كثيرة لن تكتسب الحكومة الشجاعة لطرحها قبل استعادة الاستقرار وهو الكلمة المفتاح في هذه المرحلة. تدفق السياح بمعنى آخر إنّ تونس تحتاج إلى فهم أمريكي بأن تونس تحتاج اليوم إلى دعم آني من أصدقائها لن تعجز عن توفيره واشنطن على غرار دعم تدفق السياح والمستثمرين الأمريكيين نحو تونس إلى جانب مساندة المجهود التنموي عبر العبات والقروض الميسّرة. كما أن الولاياتالمتحدة مدعوة إلى فهم المنطلقات التونسية في ملف التبادل الحر يمكن أن يؤول إلى الالتقاء في مكان وسيط بين مطالب تونس التي تختزل في ضرورة الاكتفاء بالقطاع الصناعي في مرحلة أولى والرفع في حجم الاستثمارات الأمريكية قبيل إرساد منطقة التبادل الحر إلى جانب التدرج الزمني في تفكيك المعاليم الجمركية ونظرة الولاياتالمتحدة التي تطرح إعفاء تاما من المعاليم الجمركية منذ اليوم الأول يشمل القطاعات الثلاثة وهي الصناعة والفلاحة والخدمات. بمعنى آخر يمكن الإسراع بإرساء منطقة تبادل حر تشمل القطاع الصناعي الذي اكتسب ي تونس مناعة هامة تجعله جاهزا للمنافسة الأمريكية حتى بدون الاستفادة من فترة إمهال... وتأجيل ملفي الفلاحة والخدمات انسجاما مع سياسة تونس مع سائر المناطق والدول التي تجمعها بها اتفاقيات تبادل حر وكذلك عدم الحسم في تحرير الملفين المذكورين على صعيد منظمة التجارة العالمية. ولا شك أن هذه الصيغة الموضوعية ستحتاج إلى التزام أكبر من واشنطن يرتقي إلى مستوى الخطاب المعلن في الفترة الأخيرة والذي تزامن مع اعتراف أمريكي بارتكاب أخطاء فادحة عبر التدخل العسكري في ليبيا شتاء 2011 وهو تدخل تسبّبت تداعياته في إرباك التنمية والاستقرار في تونس إلى جانب فتح أبواب الجحيم على الشعب الليبي الشقيق. صفحة جديدة ويبدو جليا من خلال هذا التزامن أن واشنطن قد تكون تبحث عن فتح صفحة جديدة في علاقاتها بتونس وبعض بلادن المنطقة توجه أمريكي يقرن الإشعاع الخارجي بمدى التوفق في دفع مسار الازدهار لدى الأصدقاء بدل الحروب وفتح بؤر التوتر خصوصا وأن واشنطن تعي جيدا وجود اقتناع راسخ لدى تونس بأن بعض خياراتها أسهمت في الأزمة الخطيرة التي مرت بها البلاد بعد 14 جانفي إلى جانب وجود حالة توجس لدى الجزائريين من حقيقة النوايا الأمريكية.. وهو ما يحتاج من واشنطن إلى تأكيد العكس. زيارة دولة والواضح أن التحضير لزيارة الدولة التي سيؤديها الرئيس الباجي قائد السبسي إلى واشنطن بدعوة رسمية من أوباما ستتيح الفرصة للحكومتين قصد الإعداد الجيّد للملفات عبر حوار صريح يجسم الإرادة المشتركة في دفع التعاون الاقتصادي.. والتزام أمريكي أكبر بدعم شروط الاستقرار في تونس كمدخل للنهوض بالأوضاع الاقتصادية وخدمة مسار عودة ليبيا إلى الاستقرار ومراكمة المكاسب على خلفية أن استقرار الأوضاع في تونس سيسمح لها بالاضطلاع بدور أكثر فاعلية في حلحلة الأزمة الليبية.