رغم كشف الحبيب الصيد رئيس الحكومة في خطابه اول أمس عن منهجيّة الحكومة لإعداد منوال تنمية جديد من خلال وضع خطة اقتصادية طارئة تتضمن إصلاحات في الدعم والصناديق الاجتماعية لإنعاش النمو ليصل إلى سبعة في المائة خلال خمس سنوات فإن بعض المراقبين يرون ان الظهور الاعلامي الاول لرئيس الحكومة الحبيب الصيد، بعد اربعين يوما من توليه منصبه، جاء باهتا وان خطاب المصارحة لم يحمل حلولا عملية لمسائل مؤرقة يعيشها التونسيون. «التونسية» رصدت آراء وانطباعات بعض السياسيين وخبراء الاقتصاد حول أول كلمة يتوجه بها رئيس الحكومة الى الشعب. أكد محمد عبّو الأمين العام لحزب «التيار الديمقراطي» ان ما صرح به الحبيب الصيد في خطابه اشياء معلومة وأنه كان يتحتم عليه القيام بجملة من الاجراءات لا يتطلب تحقيقها الكثير من المليارات او الامكانيات الضخمة إنّما الارادة السياسية . واضاف عبّو أن هذه الاجراءات تتمثل في الشروع في الإصلاحات الضرورية على مستوى الادارة وتبسيط الاجراءات الادارية ورفع العراقيل الى جانب تطوير اجهزة الرقابة وفتح الملفات ذات الاهمية القصوى التي تعرقل الاقتصاد وهي ملفات الفساد في الطاقة والديوانة والبنوك العمومية وغيرها على حدّ تعبيره بالاضافة الى محاسبة المتورطين في الفساد ومقاومة التهرب الضريبي الى جانب الحسم في ملف المديونية بالقطاع السياحي والعمل على استرجاع جزء من ديون الدولة والبنوك العمومية و تحسين مناخ الاعمال. واعتبر عبو ان مثل هذه الاجراءات، مقدور عليها وان نتيجتها ستكون ايجابية وانها ستقابل بردود فعل سلبية من طرف قلة تتضرر لكنها في المقابل ستلقى استحسان الاف التونسيين وكل من يريد ان يعمل في اطار من النزاهة بين الفاعلين وموظفي الدولة . واضاف عبو قائلا: «دون جرأة في فتح مثل هذه الملفات لن يكون هناك حل لمشاكل تونس. أما بالنسبة للزيادة في الاجور، وهو الاجراء الوحيد الذي التزم به رئيس الحكومة، فيجب دراسة هذا الاجراء جيدا وعدم المغامرة لان الزيادة في الاجور دون خلق الثروات سيؤدي الى ارتفاع التضخم وسيزيد من تعكير الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد»، داعيا الى ان يكون الاصلاح شاملا ولا يقتصر على مجال دون آخر. مقدمات لإجراءات قاسية اعتبر النائب عمار عمروسية القيادي في «الجبهة الشعبية» أنّ الخطاب الذي توجه به الحبيب الصيد رئيس الحكومة إلى الشعب التونسي جاء متأخرا حيث عرفت البلاد العديد من الاحتجاجات الاجتماعية والفيضانات مشيرا الى ان خطاب المصارحة لم يحمل الجديد وانه مجرد اعادة لما يعرفه التونسيين والتونسيات من صعوبات ومشاكل اقتصادية حتى قبل تولي الصيد منصبه. واكد عمروسية ان ما جاء من تلميحات في الخطاب ربما يكون بمثابة مقدمات لاتخاذ اجراءات قاسية و لا شعبية ضدّ الفئات الضعيفة والمتوسطة و تخصّ صندوق الدعم والصناديق الاجتماعية وغيرها. وقال عمروسية ان الارقام التي تحدث عنها رئيس الحكومة في خطابه تهيئ الى مس صندوق التعويض والاشارة الى امكانية التقشف مشيرا الى ان الوعد بمنوال تنمية جديد ورد غامضا ومبهما واقرب الى الوعود التي كلًها الناس داعيا الى تخصيص حوار وطني بين جميع الحساسيات لمناقشة منوال التنمية. وأضاف عمروسية أنّ حكومة الصيد بهذا التمشي هي بصدد المحافظة على نفس السلوك القديم لحكومات بن علي و الترويكا محذرا من بوادر أزمة اجتماعية قد تفضي إلى هبّة شعبية مناهضة لسياسة الحكومة منتقدا تفشي الفساد و تراجع مؤشرات مكافحة هذه الآفة في الترتيب داعيا الحكومة إلى مقاومة الفساد والمفسدين عوض غضّ البصر عنهم. هدنة اجتماعية في المقابل، اعتبر محمد جراية الخبير الاقتصادي ان خطاب الحبيب الصيد كان واضحا وصريحا ومباشرا وانه حاول تشخيص الازمة الاقتصادية والاجتماعية لكن بشكل مقتضب وسريع من خلال بعض الارقام والمؤشرات. واضاف جراية ان خطاب الصيد طرح العديد من الرهانات والتحديات مركزا على اهمية السلم الاجتماعي (الهدنة) دون ان يقدم اجراءات مفصلة للمرحلة المقبلة. واكد جراية ان خطاب رئيس الحكومة بعث برسالة واضحة للاتحاد العام التونسي للشغل بوجوب الدخول في هدنة اجتماعية والتضحية بالزيادات في الاجور باعتبار ان ميزانية الدولة لا تتحمل ذلك مشيرا الى انه استشف من دعوة الصيد اتفاقا مسبقا بن الاتحاد والحكومة على ضرورة تضحية كل الاطراف في هذه الفترة وهذا الامر يبدو واضحا في التصريحات الاخيرة لحسين العباسي في سوسة. لم يقطع مع المنهجية القديمة من جانبه، قال زياد لخضرالأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد والنائب بمجلس نواب الشعب ان خطاب رئيس الحكومة لم يحمل رسائل كبرى للتونسيين ولم يقطع مع المنهجية القديمة، مشيرا الى ان خطاب الصيد تحدث عن الأوضاع بشكل غير واضح دون أن يصارح التونسيين بحقيقة ما يحدث على الحدود وفي الشعانبي. واكد لخضر ان خطاب الصيد تعابير فضفاضة دون جديد يذكر واصفا بعض الزيارات الميدانية التي قام بها الوزراء ب«الشعبوية»، مشيرا إلى أن الصيد كان مطالبا بتقديم توجه واضح للخروج بتونس من الوضعية العادية. واشار لخضر الى ان التونسيين كانوا ينتظرون من حكومة الصيد ان تكون جريئة وقادرة على القطع مع الماضي واقناع التونسيين. الشعب ملً الخطابات الفضفاضة من جهتها، اكدت أحلام الكامرجي القيادية بالاتحاد الوطني الحر أن خطاب رئيس الحكومة لم يحمل حلولا عملية للشعب التونسي الذي قال انه ملً الخطابات الفضفاضة والعامة وينتظر من السياسيين افعالا تنتشله من ازمته الاقتصادية والاجتماعية داعية الطبقة السياسية الى ان تكون اكثر نضجا ووعيا بالاستحقاقات الحياتية للمواطن الذي مازال يعاني منذ 4 سنوات. ودعت الكامرجي الحكومة الى ضرورة التركيز على الحوكمة والشفافية لتقليص المطلبية الاجتماعية وخلق اليات عملية واستراتيجية تعيد الى الاقتصاد التونسي انتعاشه.