«نداء تونس ما تبناش على قاعدة» هل نلغي حقوق الإنسان بإسم مكافحة الإرهاب ؟ أتمنّى ألاّ تعود حليمة إلى عادتها القديمة العدالة ليست قصاصا ولا ثأرا حوار: أسماء وهاجر بعد حادثة متحف باردو طفا موضوع قانون الارهاب من جديد على السطح خاصة بالنسبة للمعادلة التي تتعلق بتحقيق توازن بين القانون المذكور ومنظومة حقوق الانسان حتى لا تتحول العدالة إلى قصاص وثأر. كما طرحت مسألة المعالجة الاعلامية للمسألة ومبدإ الحياد في التفاعل مع الاحداث الإرهابية نفسها. وفي هذا الإطار اعتبرت الدكتورة نورة البورصالي الباحثة الحقوقية والناشطة السياسية انه من الضروري ضمان حرية الاعلام وأنه يفترض ألاّ يكون هناك مصدر واحد للاعلام حول العمليات الإرهابية وان الجهة المكلفة به هي التي تخوض المعركة باعتبار أن تقييد حرية الاعلام في هذا المجال هي مكافحة إرهاب بارهاب آخر على حدّ تعبيرها. واكدت في حوار «التونسية» معها أن جلسة مجلس نواب الشعب حول احداث باردو لم تكن في المستوى المنتظر وأن المداخلات اقتصرت في أغلبها على ادانة الإرهاب ملاحظة ان العقبات التي تعيشها تونس اليوم هي معطيات ناجمة عن التحول والتغييرات العميقة وأنها مسائل ليست هينة في مجتمعات عاشت خلال عقود طويلة تحت وطأة نظم استبدادية وأن هناك «قوى ردّة تعمل على إجهاض أي مشروع تغيير يمس بمصالحها الذاتية في ظل حزب حاكم ليست لديه أفكار وبدائل في كل هذه المعارك التي تحوم حول السلطة والمواقع والمراكز داخل وخارج الحزب» على حد تعبيرها. البعض يتحدث عن «دكاكين حقوق الانسان وحقوقيون يبيضون الإرهاب». ما رأيك في ذلك؟ شخصيا لن أستعمل مثل هذه العبارات «دكاكين حقوق الانسان وحقوقيون يبيّضون الارهاب». لا اعتقد ان هناك من الحقوقيين من يبرر الارهاب. المسألة تتمثل في كيفية مجابهة الارهاب. والسؤال المطروح: هل باسم مكافحة الارهاب نلغي منظومة حقوق الانسان؟ لا اعتقد ذلك واعتبر أنه حتى في الحالات الإرهابية يجب احترام حقوق الانسان وتمكين المتهمين من محاكمة عادلة في حالة إيقافهم والاحتفاظ بهم. انا شخصيا أدين بشدة العمليات الإرهابية ككل التونسيين وفي نفس الوقت أدين استعمال القوة المفرطة وانتهاكات حقوق الانسان في التعامل مع المتهمين الذين مهما كانت خطورة أفعالهم لهم الحق - ان بقوا على قيد الحياة - في محاكمات عادلة. فهم لن يفلتوا من العقاب الشديد ولكن بدون الالتجاء الى الطرق العنيفة. فالعدالة ليست قصاصا وأخذا بالثأر. فمهمة الحقوقيين هامة لرصد الانتهاكات التي تشمل المتهمين مهما كانت بشاعة جرائمهم وهناك مسألة أخرى أود أن ألمّح اليها وهي حرية الاعلام وتمكين الصحفي من القيام بمهامه عن طريق ريبورتاجات ميدانية بدون -طبعا- ان تؤثر هذه الاخيرة على سير القضايا. لا يجب بتعلة الارهاب تحديد المهمة الصحفية ومنع الإعلاميين من اداء مهامهم بكل حرية (ولكن بمسؤولية كذلك). فان كان الامر كذلك - وهو كذلك- فهو تراجع عن ما اكتسبه المجتمع التونسي في ميدان الحريات ومنها حرية الاعلام. فليس من المقبول في نظري ان يكون هناك مصدر واحد للاعلام حول العمليات الإرهابية خاصة أن الجهة المكلفة به هي التي تخوض المعركة. فمسألة الحياد تبقى مطروحة. وأتمنى أن يتعرض القانون الجديد لمكافحة الارهاب الذي سيعرض عن قريب أمام مجلس الشعب لهذه القضايا أي ضمان حقوق المتهمين وعدم تقييد حرية الاعلام في هذا المجال لكي لا نكافح إرهابا بإرهاب آخر. شخصيا أعارض من يعتبر أنه لا سبيل للحديث عن حقوق الانسان عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي حتى وإن كنا نخوض اليوم حربا على الإرهاب. ان اردنا ان تكون بلادنا دولة قانون ومؤسسات، وجب علينا احداث توازن بين متطلبات الأمن وحقوق الانسان لانه من الضروري مراقبة المصدر الوحيد. والعملية الارهابية التي استهدفت متحف باردو والتي ندينها بشدة تطرح عدة تساؤلات مثل انعدام وجود مراقبة أمنية أمام متحف باردو وهو من اهم الاماكن السياحية في بلادنا ومتواجد قرب مقر سيادة وهو البرلمان. وكذلك كيف تم اعلام الارهابيين بقدوم حافلات الزوار في ذلك الوقت؟ وكيف تم قتل الارهابيين وهما متواجدين مع الرهائن؟ هل العشرين ضحية وعشرات الجرحى أصيبوا برصاص الارهابيين؟ يجب تحديد المسؤوليات والقيام بتغييرات على مستوى المسؤولين. وكفى ترحما فقط على الأمنيين وتناسي السوّاح الذي ذهبوا ضحية ما اعتبره تهاونا... ألا يشمل الترحم الضحية مهما كانت ديانتها؟ إن، المنظمات الحقوقية ووسائل الاعلام تُمثل السلطة المضادة التي تراقب وتلفت النظر في ما يخصٍ كل التجاوزات لاننا نخشى ان يتم استغلال مكافحة الارهاب للتضييق على الحريات والتراجع عن بناء نظام ديمقراطي مهما كانت الصعوبات لتحقيقه. اعتقد ان الارهاب لا يقاوم الا باحترام المبادئ الديمقراطية والإنسانية وليس بالرجوع الى الماضي البائس. ما هو تعليقك على الجلسة المسائية لمجلس الشعب التي خصصت لحدث متحف باردو؟ لم تكن الجلسة في المستوى المنتظر. اقتصرت على مداخلات عامة تدين الارهاب وهذا شيء اعتدناه. لم تكن لدى النواب كل المعلومات حول العملية والضحايا. لا ادري لماذا سكت النواب عن مسائل هامة مثل غياب الأمن أمام وداخل متحف باردو والحال ان المجلس مجاوره. وقد سمعنا في اخبار «الوطنية 1» شهادة الدليل السياحي الذي رافق السواح حول تواجد الشاب الارهابي داخل بهو المتحف وهو يستخدم سلاحه في راحة عقله امام كل الانظار قبل ان يطلق الرصاص ويقتل السواح والتونسيين. قال الشاهد انه كان يعتقد ان الشاب في زيه المدني كان يستعمل لعبة!! ما هذا؟ في أي بلد نحن؟ كان من الممكن ان تحدث مجزرة لا قدّر اللّه في عقر دار النواب وقد اربكهم الأمر وهم داخل المجلس وأخرجوهم بصفة آمنة ولم يتحدثوا عن كل هذه المسائل. هناك مراقبة ذاتية غريبة ومزعجة. لقد أربكهم الخوف. كان من الضروري مساءلة وزير الداخلية في الموضوع وكذلك وزير الدفاع والعدل والثقافة والصحة ليعطوا معلومات حول ما جرى ويقدّموا مقترحات لمكافحة هذا التسيب ولضبط الأمور. ولقد كشفت وزيرة الثقافة الأستاذة لطيفة الاخضر في تعليقها يوم الحادثة على الهجوم الارهابي أنها قد طالبت تأمين المتاحف والمؤسسات الثقافية مشيرة إلى انها من أول النقاط التي بدأت العمل عليها. وأضافت «كنا قد اعلمنا الملحق الأمني بالمعهد الوطني للتراث بضرورة التقدم بطلب لوضع شبكة من الحراس والأمنيين امام المؤسسات الثقافية» مشددة على انها طالبت بالحماية قبل وقوع العملية. لم تطرح الجلسة المشاكل المتعلقة بالحادثة الخطيرة وانتهت كما هو معهود ببيان اعتدنا به فيٍ كل حادثة يدين الارهاب وتقرر فيه مسيرة (أي معنى لها؟) الخ... وما راعني هو غياب بعض النواب عن الجلسة واختيار البعض منهم الحضور في الوقت نفسه في الحوارات التلفزية. ما هذا؟ هل هذا السلوك معقول؟ وما يلفت الانتباه هو التركيز بصفة عامة على استشهاد عون الأمن (رحمه اللّه) والحال ان عشرات من المدنيين الأجانب قتلوا شخصيا اطالب بتحديد المسؤوليات في هذه الحادثة الخطيرة واتخاذ التدابير اللازمة وشخصيا لا أعتبر موقف المساندة المطلقة لكل الوزراء المعنيين بالامرالتي عبر عنها رئيس الدولة في كلمته صائبا. كيف تقيمين الازمة التي يمرّ بها «نداء تونس»؟ هو وضع خطير ومقلق للغاية لأسباب عديدة سأتعرض للبعض منها فقط. هي أزمة حزب متقلد زمام الحكم. فهل يعقل ان تكون اختلافاتهم وتناقضاتهم مطروحة على الساحة الوطنية وفي وسائل الاعلام بهذه الصورة والحال أن البلاد في أزمة عميقة؟ السبب الثاني هو غياب برنامج وأفكار وبدائل في كل هذه المعارك التي تحوم حول السلطة والمواقع والمراكز داخل وخارج الحزب. لم نَرَ جدالا ثريا حول حلول من شأنها ان تخرج البلاد من الوضع المتردي الذي توجد فيه وفي الحقيقة، هذه الأزمة ليست مفاجئة أو غريبة بالنسبة لي لأن «نداء تونس» لم يؤسس على قاعدة: فهو حزب لم يعقد مؤتمرا تأسيسيا مبنيا على برنامج واضح واستراتيجية معمقة وانتخاب هياكله المحلية والجهوية والوطنية بكل شفافية وديمقراطية. طغت على الحزب التعيينات والاعتماد من جديد على سلوك سياسي كنا ننتظر القطع نهائيا معه وهو الالتفاف - كما كان عليه الحال في الحزب الدستوري والتجمع- على قائد ورجل منقذ للبلاد والعباد. ولم تنجح الحركة في خلق هيكل ديمقراطي . هناك إشكال آخر يتمثل في تركيبة الحركة وتنوع اتجاهاتها. اعتقد شخصيا ان التحاق بعض من يسمون بالديمقراطيين والنقابيين ومناضلي اليسار خاصة من حزب المسار - وان إعتبروا انفسهم من مؤسسي الحركة - هو من باب التحالف غير الطبيعي خاصة مع من كانوا في حزب التجمع وهم كثيرون في «نداء تونس». تحالف مع من لم يجرؤوا يوما على تقديم نقدهم الذاتي لسياسات أوصلت البلاد الى أزمات عميقة انتفض عليها الشعب في ديسمبر 2010 وجانفي 2011 ونعاني منها إلى اليوم. كنت انتظر ان تبعثْ حركة جديدة تقطع مع الماضي واذا بنا نعيش عودة التجمعيين الى الحكم بعد ثلاث سنوات بمعية من كانوا معارضيهم في الماضي بدون استخلاص الدروس والبحث في مستقبل يقطع مع الماضي. والحال وان مناضلي «المسار» خاصة هم من جهتهم اصبحوا ليبيراليين وقطعوا مع - ان صح التعبير- هويتهم اليسارية معللين ذلك بنهاية وجود يمين ويسار بدون توضيح وتقييم لمسيرتهم النضالية في اليسار. من ناحية اخرى اعتمدت حركة «نداء تونس» على الرجوع الى المرجعية البورقيبية. واكبر دليل على ذلك طريقة استلهام قائد السبسي لشخصية بورقيبة وهو لَعَمْرِي دليل على عجز الحركة عن خلق بديل يتماشى مع متطلبات المرحلة ومع ما كنا ننتظر من ثورة شباب يطمح الى مشروع سياسي ومجتمع جديد وخلاق. سرقت ما سمي بالثورة منه ومنا لكي نتشبث من جديد بالماضي بسلبياته كما هو الشأن اليوم من خلال أزمة «نداء تونس» وعدم قدرته على تعامل ديمقراطي صلبه وبناء حركة تحترم الاختلاف والتنوع وتتعايش فيها الاتجاهات المختلفة. هناك سبب آخر أريد أن أؤكد عليه واعتبره خطيرا هو عدم احترام الوعود الانتخابية للحركة تجاه مناضليها ومن صوتوا لها. وكأن الحركة استغلت غليان مناضليها ومسانديها ضد المشروع النهضوي للوصول الى الحكم. فالاحباط الذي يعيشه مناضلوها ومن صوتوا لها عميق والحال أننا على أبواب انتخابات محلية (بلدية) والمستفيد من أزمة الحركة وما انجر عنها من إحباط هي حركة «النهضة» بالذات. فالخطأ في نظري يكمن في تأسيس الحركة على مشروع مناهضة «النهضة» بدون الدفاع عن برنامج معمق وبديل شامل. وكلنا نعلم ان «النهضة» بعد لقاء باريس الشهير حتى وأن سلمت في الحكم بسبب الاحتجاجات ستحتفظ بمكانة سياسية هامة في المشهد السياسي وأن التحالف معها وارد خاصة أن قوى خارجية تعمل على تحقيق ذلك في التجربة التونسية. شكاية ضد هيئة الحقيقة والكرامة لدى المحكمة الإدارية من اجل حل هذه الهيئة على أساس ان اختيار الأعضاء كان نتيجة محاصصة حزبية ومقايضة سياسية. ما رأيك في ذلك؟ قبل كل شيء وجب التأكيد على اهمية مسار العدالة الانتقالية في بلادنا لأن من مهامه القطع مع ممارسات الماضي والانتهاكات التي عانى منها كثير من التونسيين خلال عقود عديدة. فلا انتقال ديمقراطي دون عدالة انتقالية تبرز الحقائق وتحدد المسؤوليات وتنصف الضحايا وتصالح التونسي والتونسية مع الذاكرة والمؤسسات لكي لا يعيد التاريخ نفسه وحتى لا يعذب مواطن من اجل ممارسة مواطنته وحقوقه. اعتبر شخصيا ان تركيبة هيئة الحقيقة والكرامة لا تحترم المبادئ المنصوص عليها في قانون العدالة الانتقالية مثل الاستقلالية السياسية والكفاءة بالنسبة لبعض الأعضاء من بينها الرئيسة الحالية للهيئة التي وجهت اليها انتقادات في ما يخص مواقفها السياسية. لست مع حل الهيئة ولكن مع تصحيح المسار وادخال تغييرات في التركيبة بالنسبة لبعض الاعضاء ورئاسة الهيئة. كما أضم صوتي الى بعض المنظمات المهتمة بالعدالة الانتقالية التي طالبت بإعادة التركيبة وتنقيح بعض فصول القانون الذي يعطي نفوذا كبيرا وغير معقول للهيئة ومهاما واسعة لها ولرئيستها. فهو هيكل خارج عن كل مراقبة مواطنة ولا يخضع الا لمراقبة دائرة المحاسبات. اقترح ان يضاف في القانون مراقبة مواطنة contrôle citoyen مثل «البوصلة» وعمل المراقبة الجبار الذي قامت به داخل المجلس التاسيسي والذي تواصل القيام به في درب مجلس الشعب الحالي. والجدير بالإشارة هو أن الهيئة الى حد الان تعمل ب13 عضوا فقط ولم يقع تعويض العضوين اللّذيْن استقالا منذ عدة اشهر. التقرير السنوي للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب يتحدث عن استمرار حالات تعذيب في تونس بعد الثورة .أين المشكل بالضبط في تقديراتك؟ يمكنني القول بأن «حليمة عادت الى عادتها القديمة». في اوئل 2014، أكد مقرر الأممالمتحدة لشؤون التعذيب أن التعذيب مازال قائماً في تونس، بالرغم من تعهدات السلطات بوضع حد لمثل هذه الممارسة التي كانت متفشية ومنهجية في العهدين السابقين لبورقيبة وبن علي حيث مورست خلالهما ولفترة طويلة كافة أشكال التعذيب مضيفا «إن هناك نتائج مخيبة للآمال حين يتعلق الأمر تحديداً بالتعذيب، لقد تم تقديم الكثير من الشكاوى لأن الناس لم تعد تخاف من التظلم، لكن للأسف هناك القليل جداً من المتابعة من جانب النيابة والقضاة». وقد عبّر التقرير عن قلقه من ندرة الأحكام بإدانة الجناة وعدم تسليط العقوبات الصارمة إزاء جرائم التعذيب. ولقد صدرت تقارير عديدة لمنظمات حقوقية تؤكد على استمرار هذه المعاملة في السجون التونسية ومراكز الاحتجاز رغم التنصيص في الدستور الجديد على حظر التعذيب وعدم خضوع جريمته لمبدإ التقادم . وفي اكتوبر 2014، نبهت 24 منظمة وجمعية حقوقية فى بيان مشترك الى تواصل ممارسات التعذيب وسوء المعاملة فى مراكز الاحتجاز والسجون فى تونس ما بعد الثورة وسط الافلات من العقاب, واعتبرت أن الاصلاحات القانونية والمؤسسية التى تم الشروع فيها خلال الفترة الانتقالية لم ترتق الى اكتساب الفاعلية والنجاعة اللازمتين, وحثت المنظمات والجمعيات المشار إليها السلطات التونسية على التقيد بالاحترام الصارم لالتزاماتها الدولية والوطنية واتخاذ إجراءات فعلية فاعلة وعلنية وفتح تحقيقات جدية وشفافة فى آجال معقولة من أجل محاسبة مرتكبي التعذيب وانصاف الضحايا, وعاودت فتح ملفي المُتوفيين محمد علي السنوسي وخميس اللواتي مؤكدة وجود شبهة قوية فى وفاتهما جراء التعذيب. هذا ما جاء في نص بيان هذه المنظمات والجمعيات الحقوقية. وإن نفى وزير الداخلية السابق بن جدو وجود تعذيب ممنهج في تونس ما بعد 2011،، فقد اعترفت السلطات بوجود قضايا تعذيب في السنوات الأخيرة معتبرة إياها «حالات معزولة». وهي في الحقيقة ليست معزولة لان الاعمال المحددة بشأن الوقاية والعقوبة لمرتكبي التعذيب لا تزال بعيدة. ورغم مصادقة تونس بعد 2011 على اتفاقيات دولية فإن التعذيب ظل متواصلا في تونس بعد الثورة نظرا لغياب إرادة جماعية للحد منه حسب ما يؤكده بعض المحامين. ولقد تم إصدار القانون الأساسي المتعلق بالهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في تونس في أكتوبر 2013 بالمجلس الوطني التأسيسي. وبحسب قانون تأسيسها، تتمثل مهامها في النظر في الشكاوى والتحقيق في حالات التعذيب وسوء المعاملة والقيام ب «زيارات دورية منتظمة وأخرى مفاجئة لأماكن الاحتجاز التي يوجد فيها أشخاص محرومون أو يمكن أن يكونوا محرومين من حريتهم». للأسف لم تتكون هذه الالية لأسباب عديدة. كان بإمكان الهيئة ان تسمح لبلادنا عبر الإلتزامات المنصوص عليها في البروتوكول الإختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب الذي تحتل فيه تونس المرتبة 60 ان تكون أول آلية وقائية وطنية في الوطن العربي بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، والخامسة في إفريقيا المعنية ب «الوقاية من التعذيب»و لكن بعض الصعوبات واجهت تشكيل الهيئة. لا جدال في ان بلادنا بحاجة للاعتراف بأنّ مناهضة التعذيب تمثل أولوية مطلقة. ولذلك فهي مطالبة بإدخال الإصلاحات المؤسسية والقانونية والثقافية اللازمة لتعزيزالضمانات والوقاية واستعادة ثقة المواطنين في الجهازين القضائي والأمني.. أثارت حلقة المفكر محمد الطالبي مسألة التعاطي الإعلامي مع المثقفين. البعض وصل إلى اعتبار أن بعض الإعلاميين يهينون الرموز. ما رأيك في ذلك؟ انا مستاءة من تعامل بعض وسائل الاعلام مع الاستاذ محمد الطالبي الذي اتسم بعدم الاحترام لعلم من أعلام تونس. حتى الاخلاقيات لم تحترم . هو رجل مسن ويستوجب ان نتعامل معه باحترام. وهو عالم ومفكر وجب علينا اعطاءه القيمة التي يستحقها فيٍ مجتمعنا. المؤسف هو ان يواجه العلم بالجهل .انا قد لا أشاطر مواقف الطالبي ولكني اريد الاستماع الى تحاليله وأفكاره لأتعلم منه وهو أستاذنا الجليل. هل يُعقل ان يهان بتلك الطريقة وان تعارض أفكاره بذلك الأسلوب عن جهل لكتاباته لانه عبر عن شيء مخالف لما هو معتاد؟ فهو قدم ثمرة اجتهاداته في قراءة النص الديني وكمفكر له الحرية في ذلك. والنص الديني ليس ملك للبعض . احترام المثقف واجب والانفتاح على الاختلاف ضروري واحترام أسس الحوار ومبادئه لا جدال فيه خاصة أن المسالة تهم محاور خطيرة وهامة الا وهي تجديد الفكر الديني وتقديم قراءات مختلفة لما هو سائد لموروثنا الديني والثقافي. ويا ليتنا نبادر بثورة ثقافية تصحح المفاهيم لكي نبتعد عن التعصب والارهاب الذي اقتحم بلادنا ودمر شبابنا واقتصادنا وصورة تونس في العالم. الثقافة أساسية في كل عملية تغيير. وان انعدمت كما هو شأننا اليوم فلا بناء جدي يحقق تطلعات التونسيين الى ما هو أحسن. وهل الإعلام كان في مستوى حرية التعبير حسب تقديراتك ؟ طبعا هناك في ميدان الاعلام مكتسبات لا جدال فيها. ولكن نلاحظ ان هناك احيانا وحتى غالبا ضعفا في الأداء والتحاليل والعمل الصحفي الميداني. كما يستاء التونسيون ممّا يسمونه «إعلام العار» الذي يشوه المعلومة ويشجع على التجاذبات والاختلافات. هناك نوع من الاعلام وهو في الحقيقة ليس له أية علاقة بالأعلام ولكن بلوبيات تريد التأثير على الساحة السياسية والعامة- طغى خاصة في بعض التلفزات حيث اصبح الحوار الجدي والرصين منعدما ومختصرا على معارك لا تهم لا من قريب ولا من بعيد التونسيين. حرية الاعلام لها اخلاقياتها. ولكن المشكل يكمن في ان كثيرا من الفضاءات الإعلامية تنتسب لممثلي النظام السابق الذين يعملون جهرا وفي الخفاء بطرق غير أخلاقية لإجهاض تجربة الانتقال الديمقراطي في بلادنا. استقلالية وكفاءة الصحفي هما اساس مصداقيته. ما نلاحظه كذلك هو التعاطي الرسمي مع الاعلام في تقديم المعلومة للعامة بدون توضيح. كما ان الخطاب السياسي لم يتغير ونحن بصدد الرجوع الى العادات القديمة. اعطي مثالا: وزير يعلن في تصريح للوطنية الاولى اثر لقائه برئيس الدولة عن زيارته الى الجزائر بدون الاعلام عن جدوى اللقاء ومضمون المهمة،. هل الشفافية لا تعني التونسين؟ فما ينتظره التونسيون اليوم هو إخراج الإعلام من التجاذبات السياسية والحسابات الضيقة وفرض المهنية في طرح ملفات لها علاقة بحياتهم اليومية ومستقبل البلاد. كما ينتظر التونسيون حوارات معمقة ورصينه مع اهل الذكر والمختصين بدون ان تختصر فقط على مشاركة السياسيين والوجوه المعتادة التي مللنا منها. في الحوارات التي خصصت في سهرة يوم حادثة باردو لم نَرَ في جلها الا ممثلي الاحزاب السياسية التي وهذا في رايي لا يخدم حرية الاعلام لان الحوارات اصبحت مجرد دعاية لكل حزب ممثل وللشخصنة لان هناك من المشاركين من اصبحوا يتداولون يوميا على مختلف القنوات. وهذا في رأيي لا يثري أي حوار. عديد المحللين يعتبرون أن دخول رجال أعمال داخل الاحزاب الموجودة في السلطة والسيطرة على وسائل الإعلام سيخنق أكثر حرية الاعلام وأنّ من شأن ذلك إخماد أصوات الحقيقة؟ هذا صحيح. فضروري ان نضع آليات مراقبة مثل مرصد يعتني ويتابع المشاريع ويحد من التجاوزات. مسألة المال في حد ذاتها مسألة خطيرة ولكن بلا مال ليس هناك مشاريع. والحال ان الأزمات المالية طاغية على عدة مواقع اعلامية تعرقل سيرها وتهدّد استمراريتها. أؤكد على المراقبة والشفافية.. هناك من يرى أننا نعيش نكسة كبيرة وخطيرة. ما رأيك؟ صحيح ولكن التغييرات العميقة ليست سهلة في مجتمعات عاشت خلال عقود طويلة تحت وطأة نظم استبدادية كما ان هناك قوى ردّة تعمل على إجهاض أي مشروع تغيير يمس بمصالحها الذاتية. زد على ذلك التدخل الاجنبي الذي يفرض ويملي على بلادنا توجهات اقتصادية واجتماعية وإصلاحات صعبة مقابل إعانات مادية نحن في حاجة اليها. الوضع الاقتصادي والاجتماعي صعب جداً وليس هناك أي مؤشر من طرف كل الحكومات التي تتالت لإعادة النظر في التوجهات الاقتصادية والضغط على المصاريف واعادة النظر في الامتيازات وغيرها. زد على ذلك المسائل المتعلقة بالإرهاب وبحدودنا. اتمنى ان تكون مجرد عقبة. ولكن المهم يكمن في الحذر من أي محاولة تراجع عن المسار الديمقراطي الذي تريد بعض القوى إجهاضه بتعلة العمليات الإرهابية. فسنعمل على ألاّ تعود حليمة الى عادتها القديمة في تونسنا العزيزة علينا.