بقلم: فؤاد العجرودي يبدو أنّ الحوار المرتجل الذي دار مؤخرا بين وزير البيئة نجيب الدرويش والمدير الجهوي للتطهير بالعاصمة قد اختزل أكبر تحدّ تواجهه حكومة الصيد وهو إخراج «الدولة» من صورة الاهتزاز والوهن واستعادة ذاك الكيان القوي والحاسم والمقنع. وزير البيئة الذي عاين على الهواء «كارثة بيئية وإنسانيّة» في أحد أحياء مدينة الحرايرية الواقعة على بعد 3 كلم من قلب العاصمة تتمثل في «أودية» و«بحيرات» من المياه المستعملة التي هجرت الأنابيب وتربّعت على الأسفلت.. يبدو أنّه ذهل مثلي عندما طلب من مدير التطهير أن يوجد حلولا سريعة لإيقاف معاناة الآلاف من متساكني تلك المنطقة أو على الأقل للحدّ من آلامهم. حضرة المدير، بدل أن يعلن حالة استنفار داخل الجهاز الذي يشرف عليه لشفط تلك المياه الآسنة المتراكمة اكتفى بتفسير الأشياء على طريقته ليؤكد أنّ الحل الجذري لتلك الكارثة مرتبط بانتهاء أشغال إنجاز محطة التطهير الكبرى بمنطقة العطار غرب العاصمة. بمعنى آخر إنه على الدولة أن تظل مكتوفة الأيدي مكتفية بالفرجة وتفرض على الناس أن ينتظروا «أوسو» حتى تجف تلك المياه بفعل التبخّر تحت لهيب الشمس وهو ذات الاستنتاج الذي يبدو أنّه توصّل إليه وزير البيئة وجعله يردّ بنبرة المستاء والمصدوم والحازم ليؤكد أن تلك الوضعية لا تحتاج إلى تفسيرات بقدر ما تفرض حلولا سريعة ولو ظرفية في انتظار «الحلّ الجذري» ويسدي تعليمات واضحة على هذا الأساس. وفيما أتضرّع للعلي القدير أن يكون حضرة المدير قد تفاعل كما ينبغي مع تلك الرسالة فإنّي لست أدري إن كان قد فهم أن تلك التفسيرات التي قدمها هي بمثابة سحب بساط «الشرعية» من تحت أقدام الدولة باعتباره يضرب أهم مرتكزاتها وهي القدرة على التفاعل السريع وإيجاد حلول ملموسة مهما كانت الظروف خصوصا وأن ديوان التطهير المحترم يملك جحافل من الشاحنات والمضخات بإمكانها شفط تلك المياه ولو عدة مرات لحين تشغيل المحطة الجديدة. عصا موسى إنّ الناس أو أغلبهم على الأقل يعرفون أنّ الدولة لا تملك «عصا موسى» لتطرح حلولا جذرية لكل المعضلات والإشكاليات لكنهم يحتاجون إلى بوادر تغيير أي خطوات ملموسة لها وقع على مفاصل حياتهم.. أو بمعنى آخر مؤشّرات تدل على أنّ «دواليب الدولة» تشتغل وتنتج الحلول وحينها فقط سيصبرون وسيكونون أول حصن ضدّ الانفلات ودق المسامير في «العجلة». بمعنى آخر أنّ رتق حفرة في هذا النهج وثانية في نهج آخر.. وانخفاض الأسعار ب50 مليما هنا.. و100 مليم هناك.. وتسارع وتيرة تجوال شاحنات التطهير لشفط المياه المتراكمة.. وعودة «الهندام المحترم» إلى الإدارات.. هي رسائل طمأنة يحتاجها التونسي اليوم ليستشعر وجود تغيير يذكي واعز المواطنة ويؤسّس لاستعادة «سطوة» الدولة التي تستند أساسا إلى مدى توفق مكوناتها في إعطاء «المثال الجيّد» في الفعل والحسم والنجاعة بما يؤول إلى توسع دائرة المقتنعين والمتفائلين على حساب رقعة المتربّصين والمشوّشين ممّن استثمروا وهم كثر اهتزاز صورة الدولة على مدى الرباعية الأخيرة. وفي خضمّ تلك القراءة تعود مجدّدا صورة تلك المياه الآسنة التي باتت تتدفّق على الاسفلت في كلّ مكان.. بما في ذلك مناطق راقية مثل «العوينة» و«مونبليزير» مثيرة المخاوف من عودة «زمن ماركيز» عفوا.. زمن الكوليرا.. وغيرها من أمراض التخلف التي يفترض أن تكون طلقتها بالثلاث منذ عقود. أما في تلك المدينة الحالمة.. الحرارية فحدث ولا حرج.. حيث بات مشهد المياه المستعملة المتراكمة بمثابة القاعدة وسيلانها تحت الأرض استثناء فيما ينام ديوان التطهير في العسل.. ولا تملك تلك السيدة «المعتمد» التي ليتها جاءت منذ زمن بعيد.. سوى العزم والإرادة ونفس الحياة عزاء نظرا لشح الإمكانيات والموارد والسند بما يرسخ الاعتقاد أن الدولة لم تتخلص بعد من مؤثرات اختلاف الأنساق و«اللغات الحيّة» المعتمدة في عقر بيتها وبين مفاصلها.