طالب عدد من الحقوقيين بضرورة سحب مشروع قانون زجر الإعتداءات على الأمنيين والقوات الحاملة للسلاح واصفين إياه ب «الكارثة» التي ستقيّد الحريات و الأداة التي ستعود بنا إلى دولة البوليس منتقدين أن يسمح المشرّع لنفسه بسنّ قوانين ظرفيّة تتعارض ومصلحة المواطنين مؤكّدين انّ الأمني بحكم تكوينه و تفكيره لم يكتسب بعد عقلية الأمن الجمهوري التي ستقيه من الوقوع في الخطإ مشدّدين على أنّ هذا القانون قمعي و ستكون عواقبه وخيمة على المواطن. وفي هذا الصّدد عبرت الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين عن جملة من التحفظات حول بعض فصول مشروع هذا القانون حيث قال محمّد الفاضل محفوظ عميد المحامين ل«التونسيّة» إنّ هذا القانون يذكّر بالنزعة القانونيّة للمشرّع الذي يسعى إلى تنصيص قوانين تعتمد على ظرفيّة معيّنة و لا يشرّعها على أساس أنّها دائمة. قانون لادستوري و أشار محفوظ إلى أنّ هذا القانون لادستوري بإعتبار أنّ الأحكام التي تضمّنها أحكام تمسّ بالحريات العامة و تعطي الحصانة لعون الأمن و عائلته و تقرّ بعقوبات قاسية و بعيدة كلّ البعد على الجانب الإصلاحي والردعي مضيفا أنّ الأفعال التي تمّ تجريمها في بعض النصوص جعلت من عون الأمن موظّفا ممتازا و فوق العادة مقارنة ببقيّة الموظّفين إضافة إلى كونه يتمتّع بحمل السلاح. وأكّد محفوظ أنّ هذا القانون سيمكّن عون الامن من الإفلات من الخطإ خاصّة أنّ الجميع يعلم أنه يفتقد في تكوينه وتفكيره لعقلية رجل الأمن الجمهوري وقد يجعل من هذا القانون وسيلة لضرب الحريات مشيرا إلى أنّ مشروع هذا القانون إن تمّ تمريره سيكون كارثة على الحريات مطالبا بسحبه مؤكّدا أنّه توجد نصوص في المجلّة الجنائيّة كافية لحماية الجميع. إستبداد مقنّن من جهتها قالت الأستاذة ليلى حدّاد ل«التونسيّة» إنّ مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين والقوات الحاملة للسلاح هو مشروع اختلقه الأمنيون لحماية أنفسهم من الشعب عوض حمايتهم له مضيفة أنّ غاية الأمنيين الذين يرغبون في المصادقة على هذا المشروع و تمريره هو الرجوع إلى الإستبداد بطريقة مقنّنة وبسط اليد دون حاجز قانوني في ممارساتهم من اعتداءات وتعذيب وخرق الإجراءات المتعلّقة خاصّة بالإيقاف مبيّنة أنهم في ظلّ هذا القانون سيفلتون من العقاب و سيشكّلون خطرا على المواطنين عامّة وعلى المحامين خاصّة الذين دافعوا عن شهداء الثورة و جرحاها و الذين تصدّوا للأمنيين خلال مرافعاتهم. و أضافت حدّاد أنّ هذا القانون سيكرّس لعودة الاستبداد البوليسي و المنظومة البوليسيّة و سيمحي عقليّة الأمن الجمهوري الذي قامت من أجله ثورة 14 جانفي و الذي يحافظ على أمن المواطنين و إستقرارهم ليصبح محلّ خوف و ترويع لهم. و أكّدت حدّاد أنّ مشروع هذا القانون يتنافى مع كافة الإتفاقيات الدولية و مبادئ حقوق الإنسان جازمة أنّ تمريره بهذا الشكل يعدّ كارثة. مشروع معاد للحريات أمّا الأستاذ محمّد الهادي العبيدي فقد اعتبر انّ هذا المشروع معاد للحريات و يؤسّس لتجريم الإحتجاجات الإجتماعية المشروعة و إدراجها تحت خانة القانون لتصبح بذلك القيود على الحريات أكثر ممّا كانت عليه قبل 14 جانفي . و فسّر العبيدي إصرار بعض الأمنيين على المصادقة على هذا القانون و تمريره برغبتهم في عودة دولة البوليس و طعن مكاسب الحريات التي تمّ إدراجها في الدستور مضيفا أنّه بمقتضى هذا القانون ستصبح الصحافة ملحقة بالإدارة العامة للأمن لتتحصّل على ما تريد بثّه هذه الأخيرة من معلومات و في صورة تجاوزها يقع الزجّ بالصحافي في السجن. و انتقد العبيدي مسألة إستعمال السلاح و عدم تحمّل المسؤولية مشيرا الى أنه من شأن ذلك إلغاء كل التشريعات و التوافقات التي حصلت ليوضّح انّ هذا القانون خطر من شأنه تقييد مطالب الشعب التي طالما نادى بها و مصيدة لكلّ من خرج عن الصف و انتقد الوضع. تعميق الهوّة بين المواطن و الأمني الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان هي الأخرى أدانت بشدة مضامين مشروع هذا القانون الذي اعتبرته تهديدا لحرية التعبير والتظاهر والنقد والاحتجاج ودعا رئيسها عبد الستار بن موسى الحكومة إلى سحبه و رئيس مجلس النواب إلى عدم المصادقة عليه مطالبا كافة مكوّنات المجتمع المدني والسياسي ببذل جهودها للتصدي لهذا المشروع . ووصفت الرابطة في بيان لها مشروع القانون بالغير دستوري باعتبار ان جل فصوله تشكل خرقا صارخا للمواثيق الدولية وللدستور من ذلك الفصل 32 المتعلق بحرية الفكر والتعبير والإعلام والصحافة والنشر معبّرة عن إستغرابها من إعداد مشروع قانون يقتصر على زجر الاعتداءات على الأمنيين وتصل العقوبات فيه إلى حد الإعدام عوض ان يكون قانونا حمائيا يحرص على توفير الحماية الأساسية المهنية والاقتصادية والاجتماعية لهم. كما اعتبرت الرابطة ان تعريف السر الأمني على انه جميع المعلومات والمعطيات والوثائق يعتبر فضفاضا ويوسع من دائرة الأسرار المتعلقة بالأمن الوطني ولا يجعلها مقتصرة على الوثائق الرسمية بما من شأنه ان يشكل خطرا على الإعلاميين ونسفا لحرية الإعلام والصحافة ولحق المواطن في الوصول إلى المعلومة حسب تقديرها مؤكّدة في الآن نفسه ان هذا القانون يمثل مسا خطيرا بحرية التظاهر وذلك بتنصيصه صلب الفصل 14 على عقوبة بعشر سنوات لكل من شارك ضمن تجمع غير مسلح في الاعتداء على مقرات تابعة للقوات المسلحة إضافة إلى تقنين الإفلات من العقاب ضمن الفصل 18 من مشروع القانون الذي ينص على انه لا تترتب أية مسؤولية جزائية على عون القوات المسلحة الذي تسبب عند دفعه لأحد الاعتداءات في إصابة المعتدى أو في موته. و اعتبرت الرابطة أنّ الروح الزجرية لمشروع القانون تبلغ ذروتها في الباب الرابع المتعلق بالإعتداء على أعوان القوات المسلحة وذويهم ومحلات سكناهم ووسائل نقلهم وأن ذلك يعدّ خرقا لمبدأ المساواة أمام القانون بين المواطنين والمواطنات المضمون صلب الدستور مؤكّدة أنّ حماية أعوان القوات المسلحة منصوص عليها بالقانون الجزائي في عديد الفصول سواء المتعلقة بالإعتداء على موظف أثناء مباشرته لوظيفته أو الإعتداء على السلطة العامة أو الأمن العام وان ذلك يتطلب تعديل تلك الفصول بتشديد العقاب إن لزم الأمر وليس بإصدار نصّ جديد زجري واستثنائي مؤكدة أنّ مشروع هذا القانون سوف لن يؤدي إلى حماية الأمنيين بل سيكون له مفعول عكسيّ في توسيع الهوّة بين المواطن وعون الأمن والحال أنه يجب بناء علاقة ثقة متبادلة أساسها تطبيق القانون واحترام الذات البشرية.