"كان" المغرب 2025.. الجزائر تفوز على بوركينافاسو وتمرّ الى ثمن النهائي    بعد فضيحة الفيديوهات.. هيفاء وهبي تعود إلى مصر    مع الشروق .. التاريخ يبدأ من هنا    المنزه السابع: إيقاف مشتبه به في جريمة قتل فتاة خنقًا    عاجل/ جريمة مروعة: شاب يقتل صديقته داخل منزل بالمنزه 7..    بني مطير: وفاة طفلة ال11 سنة في حادثة انزلاق حافلة واصطدامها بعدد من السيارات    تونس تعلن رفضها القاطع لاعتراف "الكيان الص.هيوني بإقليم "أرض الصومال"    طقس مغيم جزئيا وظهور ضباب محلي خلال الليل    اعتقالات جماعية قرب برج إيفل علاش؟    عاجل/ "حنظلة" تخترق هاتف "كاتم أسرار" نتنياهو وتعد بنشر محتواه قريبا..    السجل الوطني للمؤسسات يطالب بإيداع أصول العقود والمحاضر فوراً    "كان" المغرب 2025.. موزمبيق تحقق فوزا تاريخيا    مدرب منتخب مصر: "سنلعب للفوز على أنغولا رغم التأهل لدور الستة عشر    التوقيع على 5 وثائق بين اتفاقيات ومذكرات تفاهم خلال اللجنة المشتركة التونسية السعودية    حافلة تصدم عددا من السيارات الراسية وتودي بحياة طفلة بالقرب من شلالات بني مطير    البنك الوطني للجينات يقوم بتركيز ثلاث مدارس حقلية بولايات سوسة وصفاقس وبنزرت    وزارة النقل تدرس فرضيات توسعة محطة الحاويات بميناء رادس    مدنين: انطلاق المخيم البيئي الثالث للكشافة التونسية بجزيرة جربة    مصر.. تحرك أمني عاجل بعد فيديو الهروب الجماعي المروع    البعد السياسي في رواية "مدينة النساء" للأمين السعيدي    تحذير عربي من إعادة رسم خريطة خليج عدن    بعد فضيحة فنية على الهواء.. السجن لإعلامية مصرية مشهورة    الWeek-end : فرصة لإنقاذ قلبك من الجلطات    ''مقرونة باللحمة'' تُدخل 17 عاملاً مصرياً المستشفى    سوسة: ايقاف صاحب مطعم بعد حجز كميات من الأسماك الفاسدة    » أصداء» تفتح ملفات التنمية والحوكمة في عدد استثنائي يواكب رهانات المرحلة    النيابة تأذن بإيقاف صاحب مطعم بسوسة يخزّن أسماكا غير صالحة للاستهلاك    نابل: "العلوم الإنسانية والاجتماعية بين تحديات التحول الرقمي وفرص تحقيق التنمية المستدامة "محور أعمال منتدى تونس الثاني للعلوم الإنسانية والاجتماعية    توزر: إشكاليات تراث جهة الجريد وسبل تثمينه في ندوة فكرية بعنوان "تراث الجريد بين ضرورة المحافظة ورهانات التثمين المستدام"    فيلم "فلسطين 36" في القاعات التونسية بداية من الأربعاء 7 جانفي 2026    الركراكي: وعد التتويج ما زال قائمًا وتصدّر المجموعة يمنح الأفضلية للمنتخب المغربي    سيناريوهات تأهل منتخب تونس إلى ثمن نهائي كان 2025    علاج للسرطان.. من أمعاء الضفادع...شنيا الحكاية؟    وفاة الممثلة الفرنسية بريجيت باردو عن عمر يناهز 91 عاما    المهدية :انطلاق عملية التصويت على سحب الوكالة من أحد أعضاء المجلس المحلي بشربان عن عمادة الشرف    احذر.. إشعاع غير مرئي في غرفة النوم!    اختتام البطولة الوطنية للرياضات الإلكترونية لمؤسسات التكوين المهني    تونس تودّع سنة 2025 بمؤشّرات تعافٍ ملموسة وتستشرف 2026 برهان النمو الهيكلي    القناة الجزائرية تفتح البث المجاني لبعض مباريات كأس أمم إفريقيا 2025.. تعرّف على التردد    هام/كميات الأمطار المسجلة خلال 24 ساعة الماضية..#خبر_عاجل    غزة: خيام غارقة في الأمطار وعائلات كاملة في العراء    ماسك: «الاستبدال العظيم» حدث في بروكسل    مرض الأبطن في تونس: كلفة الحمية الغذائية تثقل كاهل المرضى والعائلات محدودة الدخل    زيلينسكي يصل إلى الولايات المتحدة استعدادا لمحادثات مع ترامب    علي الزيتوني: بالعناصر الحالية .. المنتخب الوطني قادر على الذهاب بعيدا في الكان    تونس تُشارك في الصالون الدولي للفلاحة بباريس    الرصد الجوي: درجات حرارة أعلى من المعدلات الموسمية متوقعة خلال الثلاثي الأوّل من سنة 2026..    سفيان الداهش للتونسيين: تُشاهدون ''صاحبك راجل 2" في رمضان    الليلة: الحرارة في انخفاض مع أمطار غزيرة بهذه الجهات    الميناء التجاري برادس محل متابعة من قبل سلطة الإشراف    رئيس الجمعية التونسية لمرض الابطن: لا علاج دوائي للمرض والحمية الغذائية ضرورة مدى الحياة    عاجل/ بشرى سارة لمستعملي وسائل النقل..    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    استراحة الويكاند    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجاء بن سلامة ل «التونسية»:الاستثمار في الحقد يضرّ بالبلاد
نشر في التونسية يوم 10 - 07 - 2015


كفانا حرصا على توزيع الفقر بدل خلق الثروة

بطل المسار الانتقالي هو المجتمع المدني

ل «النهضة» يد في الحكومة وأخرى في المعارضة
ارهابي سوسة قتل باسم «يوتوبيا الجهاد»
حوار: أسماء وهاجر
كيف كان استيعاب تونس لعملية الانتقال الديمقراطي ؟وكيف بدت الشخصية السياسية لحزب «النداء»؟ هل كانت في مستوى الدفاع عن المشروع الحداثي والدولة الوطنية؟ هل نجح الدستور في ضمان الحريات الفردية وقيم الديمقراطية؟وماذا عن الاجراءات الاخيرة في مكافحة الارهاب؟ هل هي في مستوى التحدّي الذي تواجهه البلاد؟ كيف بدت الأحزاب الاسلامية بتونس على مستوى الممارسة السياسية مقارنة ببقية الاحزاب الاسلامية و«الفوبيا» التي تحيط بها بعد استقواء «الدواعش» وفشل اغلب تجارب الربيع العربي؟ هذه الاشكاليات وغيرها كانت محور حوار «التونسية» مع الدكتورة رجاء بن سلامة التي اكدت ان تونس اليوم ليست بحاجة للاستثمار في الحقد الذي لا يمكن الاّ ان يشل البلاد ويدميها بل هي في حاجة لإبداع أشكال العمل المشترك والتّضامن بين كلّ أجزاء البلاد وفئاتها.
ما رايك في تعليق أحد السياسيين بأننا لا نملك في تونس نخبة بالمعنى الصحيح للمفهوم وأنه لدينا بعض الأكاديميين وبعض المثقفين يعدُّون على أصابع اليد وكل منهم معزول في محيطه؟
هناك في تونس نخبة عريضة هي التي كانت جزءا فاعلا من المجتمع المدنيّ، وهي التي قادت الدّفاع عن القيم الدّيمقراطيّة وعن الجمهوريّة أثناء حكم «التّرويكا»، وأثناء محاولة حركة «النهضة» طمس تاريخ البلاد وتطبيق مشروع الشريعة. النّساء الجامعيّات لعبن دورا في الدّفاع عن المساواة، بانخراطهنّ في المجتمع المدنيّ وبكتاباتهنّ. المختصّون في الحقوق كانوا يعقدون موائد مستديرة حول القضايا التي تهمّ صياغة الدّستور، وبصفة منتظمة، وقد حضرت بعضها. كما أنّ المبدعين خاضوا معارك كثيرة للدّفاع عن حرّيّة الإبداع، منها معركة اليوم العالميّ للمسرح التي اعتدى فيها السّلفيّون عليهم ومعركة العبدلّيّة. وهذه الحركيّة الفكريّة والإبداعيّة ساهمت في خلق قوّة ضغط لتغيير مواقف الأغلبيّة في المجلس التّأسيسيّ وتغيير مواقف «الترويكا» من الحرّيّات.
ماذا تسمّون هؤلاء؟ أليسوا نخبة حقيقيّة؟ السّياسيّ الذي سخر من النّخبة التّونسيّة وسمّاها «نكبة» يحتاج إلى الجهل والوعي المزيّف ليحكم كما يريد، ولا يتعرّض إلى النّقد عندما يعبّر عن حلمه بالخلافة السّادسة. كانوا يتمنّون أن يحكموا شعبا جديدا بلا تاريخ ولا نخب «صفحة بيضاء» فطريّة يفعلون بها ما يريدون. لكنهم اصطدموا بالواقع.
وأنا أستطيع، بحكم تجربتي، وبدون أيّة شوفينيّة، أن أقارن بين تونس وبلدان عربيّة أخرى، لأقول أنّ لتونس حاليّا أهمّ النّخب في المنطقة بسبب استثمار الدّولة في التعليم في العهد البورقيبيّ. أرجو ألاّ تتآكل هذه النّخب بعد أن وصلنا إلى تعليم كارثيّ. ولذلك فإنّ إصلاح التّعليم الآن أصبح ضرورة قصوى حتّى تتحقّق الاستمراريّة بين النّخب التي دافعت عن الدّولة والجمهوريّة والدّيمقراطيّة والأجيال النّاشئة التي نرى جزءا منها منجذبا إلى إيديولوجيا الإرهاب العدميّة.
هل تواصلين الدفاع عن مشروع «النداء» رغم ظهور ما يسمّى بعورات ما بعد الحكم بمعنى حزب حداثي لكنه عاجز على اقتلاع جذور التكلّس والعودة إلى الوراء؟
خرجت من «نداء تونس» بعد الانتخابات لأمارس بحرّيّة وظيفة النقد التي هي وظيفة المثقّف الأساسيّة حسب رأيي، ولأواصل الدّفاع عن الدّيمقراطيّة من حيث هي قيمة لا يمكن اختزالها في الإجراءات، ولأواصل الدّفاع عن حقوق الإنسان في كونيّتها. أعلم أنّ حقوق الإنسان، وفي كونيّتها تمثل مرجعيّة أساسيّة لحركة «نداء تونس»، إضافة إلى الحركة الإصلاحيّة التّونسيّة. وفي «نداء تونس» حقوقيّون وحقوقيات يجتهدون في الالتزام بهذه المرجعيّة، ويقومون بدور إيجابيّ في هذا الاتّجاه. ولكننا لم نجد هذا الحزب يتّخذ مواقف علنيّة صريحة عندما طرحت قضايا الدّفاع عن الحرّيات الفرديّة ضدّ الاعتداء عليها، وخاصّة حرّيّة الإفطار في رمضان. بحيث وجدنا حزب «التيّار الدّيمقراطيّ» يصدر بيانا في الموضوع، ووجدنا بقيّة الأحزاب المحسوبة على الدّيمقراطيّة تلتزم الصّمت. نحن تصدّينا لهذا الدّفاع، ونلنا ما نلنا من شتائم وتكفير، ولكن تلك هي الضّريبة التي يدفعها المثقّف عندما يدافع عن قضايا غير شعبيّة. ولا يمكن أن نتقدّم في طريق إرساء الدّيمقراطيّة دون الدّفاع عن التّعايش المشترك بين المختلفين، رغم أنّهم مختلفون. كما أنّ المفطرين لسبب من الأسباب يغيّرون نمط عيشهم ويشاركون الصّائمين الاحتفاء بهذا الشّهر، فعلى الدّولة وعلى الصّائمين أن يحترموا حاجة المفطرين إلى أن يجدوا مقاهي ومطاعم تسدّ رمقهم وتحفظ كرامتهم. ولو زرتم تركيا في رمضان، لوجدتم الحياة عاديّة والمقاهي والمطاعم مفتوحة لمن يريد دخولها. ثمّ كيف يمكن لبلد سياحيّ أن يستقبل الزّوّار بمدن شبه مغلقة طيلة النّهار في هذا الشّهر؟ أرجو أن يتمّ التّوفيق بين دستور البلاد وقيمه الدّيمقراطيّة التي تضمن الحرّيّات الفرديّة والمنظومة القانونيّة التي لا بدّ من تطويرها لتستوعب الانتقال الدّيمقراطيّ. فلم يعد من مبرّر للقوانين والمنشورات المهترئة التي يعود بعضها إلى عهد الاستعمار، والتي تضع قيودا على الحريات غير لائقة.
لو طلب منك الآن تقييم خيار «النداء» في التحالف مع «النهضة» الآن ماذا تقولين ؟
أنا لا أرى الأمور خيرا أو شرّا. تمنّيت لو تحالف «النّداء» مع «الجبهة الشّعبيّة»، ولكن لم يكن ذلك ممكنا لأسباب ستتّضح في الإبّان. كان يمكن للتّحالف مع «النّهضة» أن ينجح لو أخذ «نداء» تونس بزمام المبادرة ولم يغرق في الخلافات الدّاخليّة، ولو فضّت «النّهضة» مسألة تناقضها الجوهريّ بين قيادات يريد أغلبها ممارسة السّياسة وقواعد سلفيّة عقديّة تربطها وشائج عميقة بالسّلفيّة. بل إنّ قيادات النهضة نفسها أبدت معارضة للحكومة في حربها على الإرهاب. بحيث أنّ حركة النّهضة كانت لها يد في الحكومة ويد في المعارضة. وهذه وضعيّة غير سليمة ولا تخدم الحكومة. وربّما تساهم «النّهضة» في تكبيل تطوير الإدارة، وفي عدم القضاء على ما سمّي بالأمن الموازي.
ما رأيك في الإجراءات المتخذة في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب ؟
هناك تحسّن تدريجيّ في هذه السياسة، فقد بدأت تمسّ نواة الإرهاب/الترهيب. لكنّ القضاء على الأمن المتواطئ مع الإرهاب يجب أن يسير بخطى أسرع. أمن الدّولة وكيانها مهدّدان بهذه الخيانات، وثقة المواطنين فيها كذلك. لا بدّ من تطهير المنظومة الأمنيّة من العناصر المؤدلجة المتواطئة أو القابلة للتّواطؤ مع الإرهابيّين. ولا بدّ من تدريب الأمنيّين على حقوق الإنسان، حتّى يدركوا الفارق بين سجلّ المواطن وسجلّ المؤمن، فلا يلاحقوا المفطرين في رمضان بدل ملاحقة الإرهابيّين.
ينتظر المربّين والمثّقفين برنامج كامل لمواجهة ثقافة الإرهاب. فالمنظومة الأمنيّة تواجه الإرهاب، وعلينا نحن أن نساهم في مواجهة فكره ومقدّماته. وفي هذا الغرض نعتزم عقد ندوة وطنيّة بدأنا الاستعداد لها وسنقدّم فيها مقترحاتنا وبدائلنا من أجل مواجهة الإرهاب والدّفاع عن مؤسّسات الدّولة المدنيّة والدّيمقراطيّة. ستنعقد هذه النّدوة يوم 12 أوت 2015، وستكون في الوقت نفسه احتفالا بعيد المرأة.
وماذا عن صمت «النداء» أمام فرض «النهضة» بعض الأيمة؟
«النّداء» ظلّ كما قلت منغمسا في خلافاته الدّاخليّة ولم تتضّح شخصيّته السّياسيّة بعد الحكم. كانت سياسته أوضح قبل الانتخابات. أرجو أن يتغيّر الوضع بعد مؤتمر الحركة، لكن أرجو كذلك أن لا تساهم ممارسات البعض في إفراغ المؤتمر من محتواه، بالتّعيينات التي يفرضها على الهياكل، ودون استشارة المكتب السّياسيّ. هذا المشهد لا يسرّ ولا يساعد على دمقرطة الحزب، وعلى اعتباره حزبا حداثيّا.
وماذا عن صمت «النداء» ازاء خطب بعض الاحزاب المخالفة للدستور ؟-المقصود حزب التحرير-؟
نفس الإشكال. لكن الأولى طرح هذه الأسئلة على قياديّي الحزب نفسه. الحكومة اتّخذت إجراءات ضدّ هذا الحزب وفرضت عليه شروطا لكي يحترم نظام البلاد الجمهوريّ ودستورها. سيكون هذا صعبا على حزب يؤمن بالخلافة ويعتبر دستور البلاد كفريّا. سنرى النّتائج.
قال الصحبي عتيق انه يجب الكف عن ربط الإرهاب بالتديّن ما تعليقك ؟
هذا تعويم لمسألة الإرهاب عوّدنا عليه الإسلاميّون والشّعبويّون. فقد أنكروا الإرهاب، فقالوا إنّه فزّاعة وقالوا إنّهم أبناؤنا، وقالوا إنّهم يمارسون الرّياضة في الجبال، كما هو معلوم. هذه التّصريحات تواصل سياسة الإنكار. الإرهابيّ الذي تسبّب في مجزرة سوسة حتّى وإن مارس الرّقص وتعاطى المخدّرات فإنّه فعل ما فعل باسم نوع من التّديّن الرّاديكاليّ الجهاديّ. درس في معهد الإمام مالك بالمنار، وكتب على صفحته «بالتويتر» يدافع عن الشّريعة والخلافة. لم يقتل السّوّاح لأنّه مخدّر بالزّطلة، بل قتلهم بالأساس لأنّه مخدّر «بيوتوبيا الجهاد»، بعد اجتيازه ما يسمّى بمسارات الانغماس أو التّشدّد les procéssus de radicalisation
على الإسلاميّين إن أرادوا أن يكونوا فاعلين ديمقراطيّين أن يكفّوا عن ممارسات حجب الشّمس بالغربال، وأن يقوموا بالمراجعات التي تخلّص الإسلام من القراءات الحربية ومن الأحكام الفقهيّة الجامدة، وأن يتخلّوا كلّيّا عن المنطلقات الإخوانيّة لحركتهم.
هل تصلح الاحزاب الإسلامية في تونس لتكون مثالا في ادارة الاعتدال مقارنة مع ادارة التوحش ؟
الحزب الوحيد القادر على اتّخاذ مواقف سياسيّة معتدلة هو حركة «النّهضة». لكنّ هذا الحزب كما أسلفت يعيش مخاضا وتناقضات بين من يشدّه إلى القاع الإخوانيّ العقائديّ القريب من الأطروحات السّلفيّة ومن يفرض عليه القبول بإكراهات اللّعبة الدّيمقراطيّة. تناقضات زعيم الحزب تعكس هذا الانفصام الهيكليّ أكثر ممّا تعكس التّكتيك السّياسيّ.
مقارنة بمصير الإخوان في مصر هل انقذت حنكة الغنوشي «النهضة» وبالتالي انقذت الاسلام السياسي والمشروع الإخواني؟
نعم، كان يمكن للنّهضويّين أن يتصلّبوا كما فعل إخوان مصر وأن يكونوا أقلّ مرونة، فتتوقّف العمليّة السّياسيّة بتونس. هم كانوا أكثر حنكة، ونحن كنّا أكثر إصرار في فرض النّموذج الدّيمقراطيّ. قضّينا سنتين ونحن من مظاهرة إلى مظاهرة ومن وقفة احتجاجيّة إلى وقفة أخرى، ومن مائدة مستديرة إلى أخرى، إلخ. بطل المسار الانتقالي هو المجتمع المدني .
أمّا المشروع الإخوانيّ في حدّ ذاته فقد انتهت صلوحيّته، وتفكّك تنظيمه، ودخل في معركة دمويّة مع النّظام المصريّ الذي أوقف بدوره مسار الانتقال الدّيمقراطيّ. من الأفضل أن تفكّ «النهضة» نهائيّا الارتباط به، وأن تقوم بمراجعاتها في هذا الاتّجاه. إنها عمليّة قيصرية مؤلمة لكنّها ضروريّة، ويحتّمها السّياق الإقليميّ والمحلّي، ويحتّمها كره أغلب التّونسيّين، ونخبهم خاصّة للتنظيم . فكلمة «اخوانجي» ومنذ عشرات السّنين لها شحنة سلبيّة عند التّونسيّين. لم يعد بالإمكان القبول بأطروحات سيّد قطب مكفّر المجتمع، أو بأطروحة «الشّريعة صالحة لكلّ زمان ومكان». والأخطر من كلّ شيء هو أنّ هذا المشروع فرّخ حركات جهادية أوصلتنا إلى قمّة الكارثة، أي المسرحيّة المرعبة المسمّاة «داعش». قضي الأمر. لا يمكن المضيّ قدما في نفس الوهم : وهو الرّغبة في تعويض المصير والمستقبل بالماضي.
ما تعليقك على ما وصل إليه الحق في الإضراب لدى النقابات ؟
بقدرما أتفهّم تدهور الطّاقة الشرائيّة للتّونسيّين، وخاصّة الأجراء، وأنا منهم، فإنّني استغربت الأساليب القصوى التي اعتمدت في هذه الإضرابات، من ذلك حرمان التّلاميذ من اجتياز الامتحانات. قمنا بإضراب إداريّ في الجامعة في عهد بن علي، سنة 2005، ولكنّ الأفق السّياسيّ كان آنذاك منغلقا، وقد اضطررنا إلى ذلك الإضراب لأنّ الوزير كان لا يستقبل حتى الوفد المفاوض، وكنّا ندافع عن استقلاليّة الجامعة وهياكلها لأنّها كانت عرضة للخطر. الآن الوضع تغيّر، والدّولة اصبحت تسيّر بطريقة ديمقراطيّة، كما أن الاقتصاد منهار وميزانيّة الدّولة في وضعيّة عجز غير مسبوق، لذلك لا بدّ من التّضحيات. لكنّ هذه التّضحيات لن تكون مقبولة إلاّ إذا تزامنت مع عمليّات إصلاح منها الإصلاح الجبائيّ، بحيث لا يشعر الأجراء، بأنّهم أكباش فداء المنظومة. في انتظار هذه الإصلاحات، أرجو أن تقوم قيادة الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل بالدّور التّعديليّ المطلوب منها نظرا إلى دقّة الوضع بالبلاد.
البعض يعتبر أن هناك خطة لشيطنة الاتحاد لتسهيل دخول مفتوح ولا مشروط للشركات المتعددة الجنسيات بما يحمله ذلك من امتهان للعمال التونسيين ؟
هل نريد جلب المستثمرين أم نريد تنفيرهم من المجيء؟ ألا يكفي ما خسرنا من الأسواق؟ كفانا حرصا على توزيع الفقر بدل خلق الثروة. هناك ربّما خطّة لضرب الاتّحاد من الدّاخل، وعزله عن القوى الدّيمقراطيّة بالمزايدات والمطلبيّة المجحفة، حتّى لا يكون قوّة فاعلة في البلاد ولا يلعب الدّور الذي لعبه أثناء الحوار الوطنيّ. أمّا الشّركات المتعدّدة الجنسيّات فيمكن أن تستغني عن تونس، لأنّها تجد أرضيّات أفضل للاستقرار. والخاسر هو تونس، والعاطلون عن العمل فيها.
في اعتقادك هل مازال التونسيون يثقون في «نداء تونس» على ضوء ما يحدث بالمشهد السياسي؟
هناك خيبة أمل ناتجة عن تحالف «النّداء» مع «النّهضة». ولكنّ هذا لا يعني أنّ «نداء تونس» فقد قواعده، وخاصّة القواعد التّجمّعيّة. أعتقد أنّه سيبقى حزبا قادرا على منافسة «النّهضة».
لماذا أصبحت بعض البلدان في اعتقادك تعيش «فوبيا» الربيع العربي ؟
عندما نرى أنّ هذا الرّبيع العربيّ انتقل من حلم الدّيمقراطيّة وتغيير الأنظمة الاستبداديّة الفاسدة إلى برنامج تدمير للدّول الوطنيّة وتجزئتها، وتركها عرضة للجماعات الإرهابيّة والمليشيات، نتفهّم هذه «الفوبيا». لكن يجب ألاّ ننسى أنّ الاحتجاجات بدأت سلميّة، وأّنّ أفقها لم يكن إقامة الخلافة وقطع الرّؤوس. تدخّل الأطراف التي أرادت تحويل وجهة هذا الرّبيع واستغلاله لصالحها هو الذي أدّى إلى الكارثة.
لو نقيّم حالة الربيع العربي في تونس هل انتكست أم استفادت؟
طبعا تونس هي الاستثناء. لأنها حافظت، وإن بصعوبة، على العمليّة السّياسيّة، ووضعت دستورا مقبولا، وحقّقت انتخابات نزيهة. لكنّ هذه التّجربة الفريدة تظلّ هشّة لأنّها عرضة إلى مخاطر الشّعبويّة من ناحية والإرهاب من ناحية أخرى.
ما رأيك في دور المرزوقي في اسطول الحرية هل هو مجرّد محاولة لتلميع صورته أم خطوة حقيقية لرفع الحصار على غزة؟
أنا لا أحكم على النّوايا. ومن حقّ السّيد المرزوقي أن يستأنف نشاطه الحقوقيّ، ومن حقّه أيضا أن يستعدّ مبكّرا لحملة انتخابيّة. ما يهمّني هو ألاّ يواصل الفعل والقول باسم التّونسيّين، وكأنّه ما زال رئيسا للبلاد. مروره بالسّلطة لم يساهم في جعله رجل سياسة رصين، المهمّ هو ألاّ يتكلّم باسم كلّ التّونسيّين، والمهمّ أيضا هو ألاّ يعتمد «حراكه» أساليب غير ديمقراطيّة تقوم على تهييج الشّارع وإثارة النّعرات. فما وقع في الجنوب أثناء حملة «وينو البترول» من أعمال عنف وحرق لمقرّات السّيادة، يتحمّل هو وجماعته جزءا من مسؤؤليته.
أرجو له المزيد من النّضج، وأرجو لحركته المزيد من احترام آليّات العمل الدّيمقراطيّ المؤسّساتيّ، والابتعاد عن استثمار المصاعب الاقتصاديّة لتقسيم التّونسيّين وإثارة الأحقاد بين أهل الجنوب وأهل السّاحل، بعد أن فشلوا في بعث النّعرات القديمة بين البورقيبيّين واليوسفيّين.
الاستثمار في الحقد لا يمكن إلاّ أن يشلّ البلاد ويدميها. نحتاج اليوم إلى إبداع أشكال العمل المشترك والتّضامن بين كلّ أجزاء البلاد وفئاتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.