قبلي.. الاطاحة بشاب انتحل صفة عون أمن    تداول صور تعرض سجين الى التعذيب.. وزارة العدل تنفي وتوضح    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    بن عروس: حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    عمل أمني موجه بمنطقة الحرس الوطني بسوسة    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تنبيه للمواطنين بخصوص آخر أجل لخلاص معلوم الجولان..#خبر_عاجل    القصرين: حجز تجهيزات تستعمل للغشّ في الإمتحانات    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تركيا.. مجهول يهاجم زعيم أكبر حزب معارض    إحباط 3 عمليات تهريب لبضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120ألف دينار بغار الدماء وطبرقة (الحرس الوطني)    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    مع محمود"... الصحراء الغربية ، الخلاف التاريخي بين المغرب و الجزائر "    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    الأحداث السياسية في تونس في أسبوع (من 28 أفريل إلى 3 ماي 2025)    الاطاحة بتلميذين بصدد سرقة الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية..!    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    عاجل/ سقوط صاروخ أطلق من اليمن قرب المطار الرئيسي في إسرائيل..    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    باكستان تغلق موانئها أمام السفن الهندية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    برشلونة يقلب الطاولة على بلد الوليد ويبتعد بصدارة "الليغا"    صفاقس : المسرح البلدي يحتضن حفل الصالون العائلي للكتاب تحت شعار "بيتنا يقرأ"    الدوري الفرنسي.. باريس سان جيرمان يتلقى خسارته الثانية تواليًا    الرابطة الأولى: الاتحاد المنستيري يتعادل مع البقلاوة واتحاد بن قردان ينتصر    منوبة: 400 تلميذ وتلميذة يشاركون في الدور النهائي للبطولة الاقليمية لألعاب الرياضيات والمنطق    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: المنتخب التونسي يضيف ثلاث ميداليات في منافسات الاواسط والوسطيات    سامي بنواس رئيس مدير عام جديد على رأس بي هاش للتأمين    نادي ساقية الزيت يتأهل لنهائي الكأس على حساب النجم    الكلاسيكو: الترجي يحذر جماهيره    الحج والعمرة السعودية تحذّر من التعرُّض المباشر للشمس    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    عاجل/ الجيش الاسرائيلي يعلن إنتشاره في جنوب سوريا    دراسة جديدة: الشباب يفتقر للسعادة ويفضلون الاتصال بالواقع الافتراضي    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    جندوبة: استعدادات لانجاح الموسم السياحي    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة    الاستعداد لعيد الاضحى: بلاغ هام من وزارة الفلاحة.. #خبر_عاجل    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضا الملّولي ل«التونسية»:زواج المتعة بين يسراويين ستالينيين وأحزاب دينيّة... مهزلة
نشر في التونسية يوم 23 - 07 - 2015

من المفارقات أن اليساريين القدامى تحوّلوا إلى ديمقراطيين

سماسرة الحقوق فقدوا ورقة التوت

«التجمّع» «مكينة» فارغة غدرت برئيسها
لا يشرفني أن يُكتب الدستور من طرف «القصّاص» و«تومية»
حوار: أسماء وهاجر
التونسية (تونس)
مع بروز ظاهرة حنين البعض إلى عهد بن علي على ضوء مطبات المشهد السياسي الحالي وما يعرفه من تحديات لم يتعود عليها التونسي لعقود من الزمن بات التساؤل إن كان من الممكن تقييم مرحلة حكم بن علي بعيدا عن شعارات بعض الثورجيين التي ظهرت بعد 14 جانفي 2011 وعن فحيح ردود الفعل العاطفية التي سيطرت على خطابات المحسوبين على قسم التاريخ وعلم الاجتماع؟ هل نجح سياسيو فترة ما بعد بن علي في التعامل مع الإرهاب؟ كيف بدت الحريات بعد أن أطلقتها الثورة من عقالها؟ وماذا عن العدالة الانتقالية وأين وصلت على ضوء تناسل ظاهرة أشباه الحقوقيين؟ هذه وغيرها من الاشكالات كانت موضوع حوار «التونسية» مع رضا الملولي – مدير جريدة «التنوير» والنائب بمجلس المستشارين سابقا وصاحب العديد من المؤلفات – والذي كشف عن بعض تفاصيل كواليس 13و14جانفي.

لو طلب منك الآن تقييم سياسة بن علي بطريقة موضوعية خاصة مع ظاهرة حنين البعض إلى أيامه، ماذا تقول؟
لا بدّ أن يؤمن الجميع أن مرحلة الرئيس بن علي صفحة طويت في تاريخ تونس المعاصر، وهذا لا يعني طمس ما تحقق فيها من مكاسب أو نكران ما شابها من سلبيات ومظالم كذلك تسبب فيها البعض من المتنفذين . وكلما ابتعدنا عن هذه المرحلة زمنيا إلا وكان تقييمنا لها موضوعيا، وربما يتكفل بهذا التقييم يوما ما بعض المؤرخين النزهاء الذين لم يتجردوا من حسهم التاريخي لحساب «ثورجيتهم» أو تصفية حسابات مصاهرة لم تثمر أو التدثر بمنطق الاستقلالية المزيفة، وهذا ما قام به بعض المحسوبين على قسمي التاريخ وعلم الاجتماع في جامعتنا فأصدروا «سموما» وردود أفعال عوضا عن وثائق يستفيد منها الناس ويفهموا ماذا حصل بالضبط؟ ولمصلحة من؟ وتكشف البيادق الداخلية المكلفة بالتنفيذ والأهم من ذلك الاتعاظ من تجارب الماضي حتى لا تتكرر المأساة التي نرى معالمها قائمة في أسلوب الحكم والأخطر من كل ذلك الابتعاد المقصود عن تشبيب الهياكل الحزبية التي اندسّ فيها القديم وطمس فيها الجديد وكأن البلاد لم تشهد انتفاضة اجتماعية ولم يسقط شهداء ولم ترفع في الاثناء مطالب اجتماعية بالأساس، جوهرها الحدّ من البطالة وتكريس التنمية الجهوية...المؤشرات التنموية في عهد الرئيس السابق لا تقارن بالسائد ، ولن أفصّل القول فيها حتى لا أنعت بمن يحنّ إلى الماضي، قد نختلف في التقييم ولكن البلاد كانت آمنة ، ونسب النمو في تصاعد وفي المقابل كان المشهد السياسي باهتا مع سيادة الزبونية السياسية وغياب المعارضة الوطنية فعليا: جزء منها يتحصل على نصيب محدد سلفا من المقاعد البرلمانية والهيئات القائمة وجزء آخر يتعامل مع الخارج ويتحصل على الأموال تحت غطاء حقوقي والمهزلة الكبرى هي زواج المتعة بين مجموعات يسراوية ستالينية وبين أحزاب دينية غير مقيمة تحت مسمى «تحالف 18 أكتوبر» وعلينا ألاّ ننسى الدور السلبي للحزب الحاكم في عهد بن علي، «التجمع» الذي لم يكن ديمقراطيا بل كان ديمغرافيا وهذه «المكينة» الفارغة هي التي غدرت برئيسها مع آخرين وكانت مطية للمناصب قبل أن تكون حزبا عقائديا مناضلا...و على الذين يحنون إلى الماضي أن يدركوا أنّ البلاد واقعة اليوم بين براثن الطاعون والكوليرا:الطاعون ممثلا في الحركات القروسطية التي لا تؤمن بمدنية الدولة والمجتمع وتريد نسف كل المكتسبات التحديثية لدولة الاستقلال..أما الكوليرا المعدية فقد انتشرت في صفوف الشبيبة وتمثلها مكونات الطابور الخامس من أشباه «حقوقيين» وقوادة ومرتزقة وبيوعة سفارات وهم الذين لا تعنيهم سيادة البلاد وهمهم منصب على تلمس الدولار والأورو.
ما الفرق بين سياسة الدولة التونسية في الرد على الإرهاب على ضوء الإجراءات المتخذة وسياسة الجزائر؟
كتبنا ذلك منذ مدة طويلة، سواء على أعمدة جريدتنا «التنوير» أو في المواقع الاجتماعية من أن الإرهاب قبل أن يكون تمظهرات مادية عنيفة، هو سلوك وعقلية إزاء الذات والآخرين، هو تصور كامل للإقامة في هذا العالم ، وهو تصور قائم على إلغاء الآخر ومحوه تماما عبر التكفير والتهجير والتقتيل..الجزائر قاومت الارهاب مجتمعة( جيش، جامعيون، مواطنون، درك، حراس غابات، أمن) حيث وجد تناغم وعلوية مصلحة الجزائر...عندنا الامر مختلف مع بروز ظاهرة الاغتيالات السياسية وسعي مكونات رجعية إلى اختراق اجهزة الدولة بل نسف الدولة من الداخل.
من غذى الإرهاب في تونس يعيش آمنا ويتجول ويشارك في برامج التلفزة وهذا موثق...و أمام استفحال المظاهر الرجعية ، لم ندرك حجم المخاطر التي تتهدّدنا وتتهدد مستقبل أطفالنا ، لا على صعيد المحيط العام فقط، بل في البيوت والمدارس وفي الشارع وداخل كل معمار له علاقة بالعيش المشترك بين التونسيين.و لم نطرح الأسئلة الحيوية: ما الذي يدفع نسبة غير هينة من التونسيين إلى تبني نمط من العيش، بعيد عن تراث هذه البلاد وعن أبجديات العصر برمته..؟ لماذا تسعى الفئة التي نتحدث عنها إلى فرض نمط سلوكها وطقوسها، ولم لا لباسها على بقية المواطنين؟ كيف السبيل إلى الحد من عنف الجماعات السلفية ، الخارقة للقوانين ولأسس العيش المتمدن داخل فضاء مدني هو الآخر؟ لقد تعمد البعض نسف القيم التي تربت عليها أجيال من التونسيين والتفكيك التدريجي لقيم الجمهورية ذاتها والعبث بهيبة الدولة من قبل المؤتمنين على ترسيخها في الأذهان والسلوكات، وإلاّ بم نفسر غياب الدولة الفظيع في فترة «الترويكا» عندما تستهدف المقرات السيادية وتنتهك المحلات الخاصة؟
لقد عمّ الفزع ولم يعد المواطنون يثقون في قدرة الحاكم على حمايتهم، بل هناك من تحدث عن تواطؤ مع المجموعات السلفية واعتبارها «فزاعة» متجددة لتلجيم الأفواه ، وقد بلغ الاستهتار بأصحابه إلى تعريض حياة الناس للخطر وتكرر «الغزوات»: غزوة المنقالة وتلتها غزوة سجنان فغزوة جندوبة وبروز ميليشيات حقيقية تستهدف أرزاق الناس وأرواحهم ، في المقابل الأمن ينتظر التعليمات ويبحث عمن يحميه..هذا ما عشناه؟. الايمان المروّج له كان ينصب على قشور ظاهرها الجلابيب الأفغانية التي اكتسحت واجهة مساجدنا ،و باطنها تمثل سطحي لقيم الدين وقيم المواطنة وعلوية القوانين الوضعية.
ما رأيك في «تناسل» ل«الحقوقيين» في تونس بعد الثورة؟ وكيف كان تعاملهم مع ملف الإرهاب؟
هذا السؤال هو موضوع كتابي القادم حول تجار حقوق الانسان والتناسل المرضي لهؤلاء خصوصا بعد 14 جانفي 2011، حيث استبيحت البلاد واصبحت مرتعا للعملاء والجواسيس من كل الأصناف..هذا التناسل مفهوم إذا ادركنا طبيعة تعامل بن علي مع هذه الزمرة، حيث منع عنها التمويلات الأجنبية وحدد حركتها بشكل تعسفي مرارا، وكانت هذه المجموعات تشتغل لسنوات طويلة لحساب الغير، عبر العلاقات الشبكية والجهات الممولة تحت غطاء دورات تدريبية، وهناك من قضى سنوات خارج البلاد وله كل اساسيات الحياة... ولا أصدمكما لو نشرت قائمة في من يذمون أداء المدرسة العمومية، ويطيلون ألسنتهم والحال ان بناتهم وابناءهم يدرسون خارج البلاد وبإقامات مريحة ومنح من جهات رسمية اجنبية غير خافية.. ما نعيشه من سمسرة حقوقية مزرية لا يمكننا أن نرجعه إلى أسباب خارجية أو إلى مؤامرة محبوكة من أطراف بعيدة عنا جغرافيا فقط، هو من صميم شخصية التونسي الذي عادة ما يمجده السياسيون لاعتبارات انتخابية معروفة .أما عن علاقة هؤلاء بالارهاب، فأعتبر أن فهم الإنسان مرتبط بالنظر إلى فعله في لحظة اختيار حرّ، في تلك اللحظة سنُصاب بالذهول.
الذهول الكبير يتمّ في اللحظة التي ترى فيها القديس يزنى، وترى أثنائها العاهرة تصلي والطبيب يسمم مرضاه، والصديق يطعن صديقه والعدو يندفع لنجدتك ..هل بمثل هذا الهرم المقلوب ستداوى أمراض البلاد المستعصية، من بطالة وميزانية لا تفي بالحاجة؟ هل بإمكان المريض أن يداوي عليلا مثله؟ إنه الجوع والنهم عندما نرى بعض الحقوقيين يدعون الى التعامل برأفة مع الارهابيين، بل هناك من دعا إلى محاورتهم، والكل تحول إلى «ثوري» باحث عن ميقات معلوم يبعد عنه شبهة الانتماء إلى ما قبل التاريخ المقدس، تاريخ 14 وما بعده. نظرة بسيطة إلى طبيعة النقاشات التي تحتضنها بعض التلفزات، ستغنيك عن البحث في التاريخ الشخصي لبعضهم ،ألم تريان أن تاريخ البلاد يبدأ مع رقم 14 عند عديد المشاركين وأن الاقتصاد كان منكمشا قبل 14 وأن الفساد قلّ حجمه يوم 15، دون أن ننسى الإبداعات التي عمت الفضاءات بفعل إلهام يوم 16؟
البعض يعتبر أن المستهدف الحقيقي مما يقع في تونس من إرهاب هي الجزائر من أجل إحداث ربيع عربي بها، ما تعليقك على ذلك؟
فعلا، الجزائر مستهدفة وثرواتها محلّ أطماع دولية.. تونس ممرّ عبور والكذبة البوعزيزية فرضتها الأوضاع الجيو- ستراتيجية لكامل المنطقة، ولو لم يكن هناك تواطؤ داخلي وخيانات ستنكشف يوما ما لجنّبنا بلادنا الخراب الذي تعيشه...و حيثما وليت وجهك في بؤر التوتر ستجد أن مصادر الطاقة هي السبب، ونضيف إليها الحروب الحيوية القادمة التي ستكون حروب مياه..هناك شعوب ستموت عطشا بفعل نضوب الموائد المائية وتونس مهددة بهذا الخطر القادم...
بعد أن أصبح ملف رجال الأعمال في عهدة الدولة ما هي خفايا هذا الخيار في اعتقادكم ؟
خيار سليم، وناديت به لأنه تم احتجاز رجال الأعمال ومنعوا من السفر وأتصور أن الرئيس الباجي أراد اصلاح خطأ سابق فقد كان الممضي على قرار المنع ،و عندما تتكفل الدولة برجال الاعمال يتقلص الابتزاز الذي تعرضوا له من فئات عديدة، سياسية وحقوقية تدعي الدفاع عنهم بينما هي تبتزهم وتحّول بعضهم بفعل ذلك الى مليارديرات في ظرف وجيز..لكن ما لم يفهم هو هل أن المصالحة تعني الجميع بمن فيهم من اتهموا بالفساد وصدرت في شأنهم قائمة أمضاها فؤاد المبزع... صوت العقل يدعو الى عدم استثناء أي كان خصوصا إذا كانت الجرائم مالية، أما الاستثناء فقد يولد أقاويل من قبيل أن المصالحة وضعت على مقاس بعضهم، ليحرم منها البعض الآخر؟؟؟ وعلينا ألاّ ننسى ان الهيئة المعنية بالعدالة الانتقالية ولدت ميتة لعاهات عديدة ملتصقة بها.
بعد نقد لاذع للديبلوماسية التونسية أيام «الترويكا» نتساءل اليوم هل أصابت ديبلوماسيتنا في التعامل مع الملف الليبي؟
تعامل الديبلوماسية التونسية مع الملف الليبي تعامل فاشل، بل أقول إن تعامل بعض الافراد مع نفس الملف أنجع، ومنذ فضيحة تسليم البغدادي المحمودي ودخول الارهابيين الليبيين إلى تونس واستهداف مقر سيادي تونسي واختطاف تونسيين وعبث بعض الليبيين بشروط حسن الجوار والاقامة في تونس، لم يقابله أي رد فعل رسمي يحفظ هيبة الدولة، والكل يعلم أن مصدر السلاح وتبييض الأموال والارهاب والتجارة بالممنوعات هو ليبيا تحديدا، ومع ذلك الحدود مفتوحة والدمار شامل إذا أضفنا إليه حجم الليبيين الذين يتقاسمون معك الرغيف المدعم والطاقة المدعمة والطرقات المختنقة، ويصرح مسؤول اعلامي ليبي: الليبيون يعيشون بدارهم ولا مزية لأحد؟؟؟ هل هناك صلف أفظع من هذا؟؟
في اعتقادك، هل كانت الطبقة السياسية في مستوى مطالب 2011؟
طبقة مترهلة ومنافقة..طبقة سياسية دون الانتظارات بكثير، بعضها موجود منذ الستينات وفاشل طيلة حياته..فرصته الوحيدة في التمعش كانت بمناسبة الكذبة البوعزيزية... بعض المكونات كانت تتعامل مع بن علي وأعضاء من المجلس النيابي الحالي كانوا اعضاء شُعب واللجنة المركزية ل«التجمع» وكم يضحكني استعمالهم الأبخر للفظة ثورة تماما كضحكي من فؤاد المبزع الذي خطب قائلا «النظام الفاسد السابق...» وهو المشرع الرئيسي لعهدي بورقيبة وبن علي... شخصيا لا يشرفني أن يكتب المؤرخون أن دستور البلاد كتب من قبل «القصّاص» و«تومية» لجهلهما فقط... أمّا المجلس التأسيسي ففضيحة الفضائح حيث جمع أعضاؤه بين البلاهة السياسية والجوع... وتذكروا كيف حاول الحبيب خضر تمرير زيادات بعد منتصف الليل.
يرى البعض أن اليسار التونسي لم يستوعب دروس التاريخ؟
فعلا لم تستوعب مكونات يسارية عديدة ما حصل في تونس بل كانت المروج الرئيسي لفكر الاقصاء ولكل المشاريع الفاشلة والبائسة كالمجلس التأسيسي ولجان حماية الثورة قبل أن يفتكها المتأسلمون وتتحول إلى روابط شبيهة بالميليشيات..
هل أخفقنا في تشكيل نخبة سياسيّة يسارية قادرة على الإضافة وتحمّل أعباء التنمية الشاملة؟ لماذا غابت خيوط التباين بين اليسار التقدّمي بطبعه وبين اليمين الدّيني الرجعي بطبعه؟!!
سؤالان شكّلا هاجسا حقيقيّا لنا ولكلّ من يروم فهم ما يحدث داخل بعض الأحزاب والجمعيّات التي أصبحت معزولة عن حركة المجتمع التونسي، خصوصا أنّ خطوط التباين بين اليمين واليسار أصبحت مفقودة، بل تحوّلت نفس هذه الخطوط إلى مصالح آنيّة ظرفيّة.
و في هذا الإطار، أستحضر قيمة ما كتبه المفكّر والاستراتيجي الفرنسي «ريمون آرون» عن أسطورة وحدة اليسار في فرنسا التي تخفي الخلافات غير المفهومة التي أنهضت منذ الثورة الفرنسيّة اليعاقبة ضدّ الجيرونديين والليبراليين ضدّ الاشتراكيين والاشتراكيين ضدّ الشيوعيين.
إيديولوجيّا لم يكن اليسار متجانسا كلّيا، فهو ضدّ الدولة حينا ويكتفي بمقولة التنظيم والإدارة حينا آخر أو ينادي بالمساواة أحيانا وهناك مَن يريد من اليسار أن يكون ليبيراليّا وتنظيميّا في آن واحد ويعتقد بسذاجة أنّه يمكن تحقيق هذه الأهداف بسهولة. لكن تاريخ اليسار الغربي مختلف كلّيا عن اليسار عندنا الذي ظلّ تابعا إيديولوجيّا وسياسيّا، بل إنّ بعض مكوّناته رفضت استقلال البلاد التونسيّة واتّخذت من النموذج السوفياتي القديم وضفاف نهر الفولغا نموذجا للاحتذاء.و لا تختلف نظرة بعض المجموعات اليساريّة لتاريخ وثقافة البلاد التونسيّة عن مثيلاتها المتعالية على تناقضات المجتمع التونسي وحقيقة الأوضاع داخله ... بل إنّ نظرة بعض هذه المجموعات التي اتّخذت من رفض نظام الحكم البورقيبي مبدأ كحركة «آفاق» للمسألة الثقافيّة كانت مغتربة وفاقدة للحسّ والمعنى حسب عبارة ابن أبي الضياف وحصرت مناهضتها لعروبة البلاد في التلويح باللهجة الدارجة المحكيّة.
وغير بعيد عن هذا المشروع نجد مجموعات «العامل التونسي» وغيرها من المجموعات التي عشّشت داخل الجامعة التونسيّة واستثمرت أزمة المؤتمر 18 لاتّحاد الطلبة الذي لم ينه أشغاله إلاّ في عهد بن علي ، وهناك عناصر من هذه المجموعات لم تتحصّل على الإجازة إلاّ بعد عشر سنوات من الإقامة داخل أسوار الجامعة. وما أريد التأكيد عليه في هذا الإطار أنّه لا وجود ليسار أبدي ، يظلّ وفيّا لذاته عبر تنوّع الآفاق والاحتمالات التاريخيّة وتحرّكه نفس القيم وتوحّده نفس المطامح، وهذا ما عشناه في زواج المتعة بين اليسار واليمين الدّيني. وإذا تفحّصنا التراكمات التي خلّفها اليسار التونسي عبر تاريخه، سنجد انّه خضع لتأثيرات عدّة وأنه كان للنخبة السياسيّة التي درست بفرنسا (دساترة ومعارضين) الدّور الكبير في صبغ التّوجّهات السياسيّة بشعارات تبدو للوهلة الأولى مذهبيّة لكنّها متّصلة بالمحيط السياسي الذي أفرزها أكثر من ارتباطها بالواقع السياسي التونسي ،و هذا ما يفسّر في رأينا الفشل التاريخي للماركسيّة وكلّ الحفريات البشريّة المؤمنة بدكتاتوريّة البروليتاريا داخل البلاد التونسيّة.
ومن المفارقات أنّ اليساريين القدامى تحوّلوا بجرّة قلم إلى ديمقراطيين وتسلّلوا إلى منظّمات حقوقيّة وهيئات مهنيّة وحتّى جمعيات رياضيّة، هكذا أصبح قدماء الماركسيين في تحالف عضوي مع دعاة الدولة الدينيّة من اجل دعم الحرّيات وإقامة مجتمع الحرّية التي لم ندرك كنهها إلى اليوم . ويمكننا أن نسأل ما الذي يجمع بين النقائض على المستوى الرمزي والسياسي؟
بعض المكوّنات اليساريّة لم تفهم المكوّنات الثقافيّة والتاريخيّة للشخصيّة التونسيّة، تماما كدعاة الدولة الدينيّة: كثيرا ما ينظرون إلى الواقع التونسي من الخارج، من زاوية إيديولوجيّة تحديدا... هم لا يؤمنون بأنّ المكوّنات الثقافيّة تساهم في تحديد شكل إقامتنا في هذا العالم... هم يجهلون التاريخ الوطني ولا يدركون أنّ الجمعيات الثقافيّة والجرائد منذ ثلاثينات القرن العشرين كانت سندا للوطنيين ولا فرق بين المثقّفين والوطنيين، كلّ منهم يستمدّ وجوده من الآخر.
بعض اليساريين تنكّروا لمن صنع النهضة الثقافيّة في هذه البلاد، وأتحدى بعض عناصر هذا اليسار إن قرأ نصّا واحدا لحسن حسني عبد الوهاب يتحدّث من خلاله عن أبعاد الشخصيّة الوطنيّة التونسيّة، ويلتقون في ذلك مع المتزمّتين الذين يرفضون الطاهر الحدّاد المتمرّد والشابي المبدع ويستنجدون بمحمّد إقبال الباكستاني وأبي الأعلى المودودي الباكستاني وسيّد قطب المصري لفهم تناقضات الواقع التونسي،إضافة إلى رفضهم التاريخ القديم لبلادنا، حيث يبدأ التاريخ الفعلي لديهم مع الفتح الإسلامي.
مرّة استمعت إلى مختصّة في جمع المال تتحدّث عن صديقها جوزي بوفيه الذي لا أخاله يعرف حفّوز والعلا وسباسب القصرين وتالة، هي تريد تقديمه كنموذج للنضال...
و مع اعتراضنا على مناضلي التخمة والترف فإنّنا نرفض كلّ ممارسة غير مدنيّة للسياسة ونرفض تلك (الساديّة) القائمة على لذّة الإيذاء، إيذاء الوطن والمخالفين التي يكون ضحيّتها أقرب الكائنات إليك.
إنّ ما يرمي إليه تحالف اليمين واليسار، المضمر أو العلني هو الاحتكار، احتكار الحقيقة ورفض الآخر والاستهتار بالقوانين والتلاعب بالثوابت مع بعض التوابل الخارجيّة التي لا يمكنها أن تخفي جهل عديد المكوّنات اليساريّة تحديدا تاريخ هذه البلاد وثقافتها.
هل صحيح انك كنت منبوذا من التجمعيين؟
فعلا نسبة غير هيّنة منهم، وحتى داخل مجلس المستشارين الذي تشرفت بالانتساب إليه يعتبرونني نشازا لأني لست سليل «المكينة» الحزبية وعصيّ على الانضباط الحزبي الذي لم يكن في حقيقته سوى التبعية لفلان أو علان من أعضاء الديوان السياسي أو دوائر النفوذ المالي أو العائلي...
إلى أي مدى يمكن أن ينجح التوافق بين «النهضة» و«النداء» أمام التحديات؟
التوافق الشائع في تونس هو ببساطة نزعة المجهود الأدنى ، هو طمس للتناقضات وللبرامج المتباينة وتغليفها بالمصلحة الوطنية، في سبيل اقتسام الكعكة...و لا يمكن لزواج المتعة هذا أن ينجح لأن شروط النجاح مفقودة وأولها الايمان بقيم الجمهورية وبمدنية الدولة والايمان بتونس قبل كل شيء، قبل ما يسمى الأمة الإسلامية؟؟
هل لكم ان تطلعنا عن الحقائق الخفية للحظات الأخيرة لحكم بن علي؟
الحقائق الخفية يدركها الفاعلون والمتآمرون، أما بوصفي عضوا بمجلس المستشارين فبإمكاني أن أؤكد لك قيامي بواجبي على أكمل وجه، وكانت لي حرية الحركة والتعبير التي لم تتوفر لغيري لأسباب تعنيهم، ولم تكن وسائل الاعلام تبث ما يقال حقيقة صلب المجلس..كان هناك حس نقدي رفيع لم يصل إلى الناس... يوم 13 جانفي 2011 كانت لنا جلسة قبل أخيرة وعندما غادرت مقر المجلس بمعية الأخ الكبير حمادي بن سدرين عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعة والتجارة في سيارته ليوصلني إلى بيتي، شاهدنا بداية الخراب، على اليمين استهداف السيارات وغياب كلي للأمن وفراغ رهيب على الساعة الخامسة مساء وكانت تصلنا أخبار عن استهداف مقرات سيادية وحرق ونهب..وصلت إلى منزلي وتلقيت معلومات عديدة من الجهات عن خراب قائم ..قررت الاتصال بالرئاسة وكان ذلك في السادسة والربع وطلبت مخاطبة الرئيس، فردّ العون المكلف بأنه سيبلغ الأمر ويتصل بي...و لم تقع اعادة الاتصال إلا في العاشرة ليلا بعد خطابه الأخير، وأعلمني العون أن الرئيس على الخط،فحدثته باقتضاب شديد عن بعض الاوضاع الداخلية الخطيرة وعما رأيته من استهداف للمواطنين لحظة خروجي من المجلس،،، كانت ردوده هادئة، وسألني عن المجلة التي أديرها فأضفت أن تونس مستهدفة ولا بد من حلول للتهدئة... تفطنت أنه لا يريد الحديث في ما يؤرقني لكن حالة الهدوء والطمأنينة التي كان عليها كانت غريبة؟؟؟ وانتهت المكالمة واندثر الشريط المسجل ليوم 13 جانفي2011، تماما كاندثار الحاسوب الشخصي لبن علي...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.