في سياق مصادقة مجلس نواب الشعب على مشروع القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، وبعد الإطلاع على مشروع القانون المذكور وعلى تقرير لجنة التشريع العام بخصوصه، أكدت جمعية القضاة التونسيين على أهمية صدور هذا القانون بعد طول ترقب في صيغة تمكن من التصدّي للآفة الإرهابية التي ازدادت خطورتها على المجتمع، منبهة إلى أهمية تجاوز الثغرات التي شابت القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 / 12 / 2003 الذي لاقى معارضة وانتقادا من كل الحقوقيين والمنظمات الوطنية والدولية المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الانسان والذي استغله النظام السابق، لقمع الحريات وانتهاك الحقوق طبق ما نص عليه تقرير لجنة التشريع العام ذاته. واستغربت جمعية القضاة التونسيين، اقتصار الاستماع بخصوص هذا القانون الهام على الجهات الرسمية والحكومية دون مكونات المجتمع المدني ذات الصلة ومنها الهياكل الممثلة للقضاة بما أعاق القيام بالنقاشات المعمّقة حول هذا القانون طبق شهادة لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية الواردة صلب تقرير لجنة التشريع العام. كما سجلت سلبيا طلب الرأي الاستشاري لهيئة القضاء العدلي بخصوص هذا القانون بصفة متأخرة جدا، وبعد انطلاق مناقشته بالجلسة العامة، بالرغم من تعلق جانب هام منه بتنظيم القضاء العدلي من خلال إحداث قطب قضائي، مؤكدة على أن إحداث مثل هذا القطب يتطلب تحديد شروط استجابة هذا القطب لأساليب إصلاح منظومة القضاء العدلي في اتجاه تطوير العمل القضائي لضمان شروط المحاكمة العادلة وحماية الحقوق والحريات، وأنّ ذلك يؤكد ضرورة، طلب الاستشارة لاستيفاء الإجراءات الشكلية، وليس للاستفادة من مضمون الرأي الاستشاري للهيئة في تطوير هذا القانون طبق الدستور والمعايير الدولية لاستقلال القضاء والتجارب المقارنة وشروط المحاكمة العادلة. ولاحظت جمعية القضاة، أن هناك العديد من الإشكاليات الأساسية التي ظلت قائمة في هذا القانون رغم التطور الحاصل فيه، من خلال تقنين وسائل التحري الخاصة، وإقرار مساعدة ضحايا الارهاب وإحداث لجنة وطنية لمكافحة الارهاب، لعل أهمها، (حسب ما أوردته جمعية القضاة)، التعريف الفضفاض للجريمة الإرهابية والتراجع الذي حصل في مضمون هذا التعريف على الصيغة الواردة بمشروع القانون التي طرحت على المجلس الوطني التأسيسي سنة 2014 التي كانت أكثر دقة، وافتقار بعض مفاهيم مثل «الإشادة بالإرهاب» و«تمجيد للإرهاب» إلى الدقة مما يخشى منه التوسع في دائرة التجريم بما يمس من جوهر الحقوق والحريات. كما نبهت جمعية القضاة التونسيين إلى وجود ضعف في الضمانات المتعلقة باستعمال وسائل التحري الخاصة، ووجود إمكانية المساس بمبدإ المواجهة في تلقي شهادة الشهود، إضافة إلى وجود التباس في صيغة الفصل المتعلق بالاحتفاظ، بما يوحي بأنه يمكن الاحتفاظ بالمظنون فيهم دون إذن قضائي، ملاحظة وجود تداخل بين صلاحيات الجهات القضائية واللجان الإدارية بخصوص الأذون بتجميد الأموال المنصوص عليها بهذا القانون . واستغربت الجمعية من عدم الأخذ بتوصية لجنة التشريع العام، في اعتبار هذا القانون قانونا عاديا، وليس قانونا أساسيا طبق الفصل 65 من الدستور، ونبهت إلى أن المصادقة على هذا القانون باعتباره قانونا أساسيا سيجعل إجراءات تنقيحه لتلافي الثغرات التي شابته أمرا صعب التحقيق، مبدية عميق انشغالها من حملات التشويه الإعلامية التي طالت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان العاملة بتونس، لقيامها بقراءة نقدية وتحليلية لمشروع القانون في نطاق المساعدة في العمل التشريعي والتأسيسي طبق مقتضيات الدستور والمعايير الدولية لحقوق الانسان، مطالبة بالكف عن ممارسة مثل هذه الأفعال، وبالقطع مع الأساليب التي ارتبطت بالعهد السابق في قمع دور المجتمع المدني من خلال عمله النقدي و التشاركي في تركيز مقومات دولة القانون والمؤسسات.