هل تحوّلت الرّقابة الفنيّة إلى عائق للاستثمار والتّصدير؟ التونسية (تونس) عادت أوضاع الميناء التجاري برادس مؤخرا الى سطح الأحداث بقوة بفضل الاختناق الحاصل في حركة الشّحن والتفريغ نتيجة تضخم طوابير الحاويات الرابضة على مسطّحات الميناء. تلك المستجدات المربكة لحركة التّبادل التّجاري مع الخارج والمرفق الاقتصادي برمته كانت محور اجتماع التأم مؤخرا وجمع لفيفا من الوزراء وممثلي سائر الهياكل المتدخلة سعيا لزحزحة هذا الملف الذي لا يكاد يهدأ حتى يعود إلى الواجهة مجددا. 8 حاويات في الساعة بل إن المستجدات الأخيرة والتي قد تكون دفعت الى التعجيل بعقد الاجتماع المذكور تكاد تصيب الميناء بالشلل بعد أن ضاق ذرعا بالحاويات وتضاءلت مساحات التحرك أمام معدات وأعوان الشحن والتفريغ إلى أدنى مستوياتها. عدد الحاويات الرابضة في ميناء رادس اليوم يناهز 11 ألف حاوية فيما لا يتحمل الميناء أكثر من 8 الاف حاوية وهو ما أدى الى تباطؤ حركة الشحن والتفريغ التي نزلت إلى معدل 8 حاويات فحسب في الساعة بفعل محدودية المساحة المتاحة للأعوان والمعدات التي باتت تتحرك بصعوبة كبيرة. حلول عاجلة محمود بن رمضان وزير النّقل أكد في تصريح ل «التونسية» أن الحكومة ماضية قد ما في استصلاح أوضاع ميناء رادس الذي يعد قاطرة الموانئ التجارية التونسية وذلك عبر ايجاد حلول عاجلة تؤمن على الأقل ألا يتجاوز عدد الحاويات الرابضة في الميناء 8 الاف حاوية والارتقاء بوتيرة الشحن والتفريغ الى ما لايقل عن 13 حاوية في الساعة. وبالتّوازي مع الحلول العاجلة تسعى الوزارة بالتعاون مع سائرا المتدخلين الى تسريع الاصلاحات بهدف تأمين سُيولة أسرع للمبادلات التجارية والارتقاء بمساهمة منظومة الموانئ التجارية التونسية في تنافسية جهاز التصدير والاقتصاد الوطني برمته خاصة من خلال بلوغ المعدلات العالمية في الشحن والتفريغ ومكوث السفن في الموانئ. كما لاحظ وزير النقل أن جملة من الاجراءات العاجلة سيتم تجسيمها في الآونة القريبة القادمة لدعم حركة انسياب السلع في ميناء رادس مبرزا أن هذه الاجراءات استندت الى تشخيص دقيق للوضع ومشاورات مكثفة مع سائر الهياكل المتدخلة بما في ذلك قطاع الأعمال أفضت الى تحديد مختلف الصعوبات القائمة. تنافسيّة الاقتصاد رغم عزم الحكومة على ايجاد حلول عاجلة للاختناق الحاصل في ميناء رادس يبدو أن تواتر ذات السيناريو من فترة الى أخرى يدفع الى انتهاج مقاربة أعمق تلج إلى الأسباب الجوهرية التي صنعت هذا الوضع الذي يجعل أداء ميناء رادس وسائر الموانئ التجارية محدودا مقارنة بمثيله في البلدان المنافسة بما في ذلك في المنطقة المغاربية وهو ما يمثل «عقابا» للمجهود الاستثماري وجهود دفع التصدير لجهة دوره في تقليص تنافسية الصادرات التونسية وجاذبيّة مناخ الأعمال. وتجدر الاإشارة في هذا الصدد إلى أن نحو ثلاثة أرباع واردات تونس هي إما تجهيزات موجهة للاستثمار أو مواد أولية أو نصف مصنعة توجه الى التحويل في شكل منتوجات نهائية يوجه أغلبها الى التصدير وبالتالي فإن أي تباطؤ في حركة التصدير والتوريد على حدّ سواء يزيد في كلفة الاستثمار والصادرات، مراقبة لاحقة ويبدو جليا في هذا الإطار أن طول اجراءات الرقابة الفنية على الواردات يمثل اليوم واحدا من أهم أسباب الاختناق الحاصل في حركة الموانئ التجارية وهو ما يقتضي التعجيل بارساء معادلة جديدة تبقي على فاعلية الرقابة الفنية في ضمان سلامة المستهلك وحماية النسيج الاقتصادي ولاسيما الصناعي من المنافسة غير الشرعية دون أن تتحوّل الى عائق أمام الاستثمار والتصدير. بمعنى آخر إن عمليات الرقابة الفنيّة الموكولة لعدة هياكل أبرزها وزرات التجارة والصحة والفلاحة والصناعة تحتاج اليوم إلى إعادة نظر تؤول الى التوجه أكثر إلى الرقابة اللاحقة في مخازن المورّدين بدل أن تتراكم السلع في الموانئ الى جانب تدعيم منظومة الاختبارات عبر تعزيز المخابر التونسية بالمعدات والموارد البشرية بما يؤمن سرعة أكبر في إنجاز الاختبارات.