غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    ترامب يبحث ترحيل المهاجرين إلى ليبيا ورواندا    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وليد صفر (الناطق الرسمي «آفاق تونس») في حديث مع «التّونسيّة»:قانون المالية «أخمد حرائق».. والصّين وإفريقيا أهمّ المفاتيح
نشر في التونسية يوم 11 - 10 - 2015


لسنا حزبا نخبويّا.. والمؤتمر في بداية 2016
أخطاء «الترويكا» جعلتنا طرفا في ليبيا وسوريا.. والغرب صنع «عقدة» عليه أن يحُلّها
الإرهاب.. المطلبيّة.. وحسابات المؤتمرات أربكت الأوضاع
أجرى الحديث: فؤاد العجرودي
أكد وليد صفر المتحدّث باسم حزب (آفاق تونس) أنه لا يمكن الحديث عن مستقبل أفضل دون إصلاح المرفق التعليمي وإعادة الاعتبار للمدرسة بوصفها مركز إشعاع في المجتمع.
كما لاحظ في هذا الحديث مع «التونسية» أنّ تأزم الأوضاع الاقتصادية كان نتاجا لثلاثة عوامل أساسية هي ارتفاع منسوب المطلبية وضربتا باردو وسوسة و«الضوضاء» على الساحة السياسية الناتجة أساسا عن حسابات المؤتمرات لعدد من الأحزاب والمنظمات.
وليد صفر أكّد في المقابل أنّ تونس قادرة على الإقلاع متى توفّقت في تجسيم عدد من الإصلاحات الكبرى هي اليوم قيد الإعداد وتوظيف الورقات الرابحة التي تؤهلها الآن تكون قاعدة لوجستية ومالية وجسر عبور بين الشمال والجنوب داعيا في هذا الإطار إلى انفتاح أكبر على الصّين وأمريكا وإفريقيا بالتوازي مع المحافظة على ثقل تونس في الفضاء الأوروبي.
كما لاحظ في هذا الإطار أن تونس بصدد ترميم ثوابت سياستها الخارجية التي خرقت إبّان حكم «الترويكا» من خلال تفويت فرصة جعل تونس أرض الحوار الليبي وكذلك التموقع كطرف في المعادلة السّورية مشيرا بالخصوص إلى ملابسات احتضان تونس آنذاك لما يُسمّى مؤتمر أصدقاء سوريا.
ودعا في الجانب ذات المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤوليته في إيجاد مخرج لكلّ من الأزمتين الليبية والسورية بعد أن كان سببا لتعقُّدها.
وليد صفر أكد من جهة أخرى أن حكومة الحبيب الصّيد توفّقت رغم دقة الظرف في تحقيق نجاحات هامة أول هامة أولها السيطرة على الأسعار وتحسّن الأوضاع الأمنية عامة وإخراج مشاريع البنية الأساسية من الجمود إلى جانب التقدّم الحاصل في صياغة الإصلاحات الكبرى.
أما بخصوص المطبخ الداخلي فقد أكّد وليد صفر أنّ «آفاق تونس» ليس «نخبويّا» وأنه بصدد مزيد فتح نوافذه على مختلف فئات المجتمع.
الحديث مع وليد صفر الذي قد يكون أكّد وجاهة اضطلاعه وهو في الثّلاثين بمهمّة الناطق الرسمي لحزب آفاق تونس.. بدأ من أحوال الحكومة.
بعد نحو تسعة أشهر من تشكل الحكومة كيف يقيم «آفاق تونس» حصيلة أعمالها خصوصا وهو طرف في معادلة الحكم؟
- أعتقد أنّ كلّ التقييمات تظلّ نسبية لكن أيّة قراءة موضوعية تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع التي ورثتها الحكومة ستخلص إلى أنه رغم بعض النقائص فإنّ حكومة الحبيب الصيد حقّقت نجاحات هامّة إذ أنه لأوّل مرّة تتمّ السيطرة على انزلاق الأسعار وهو ما أدّى إلى تراجع مستوى التضخم بنحو نقطتين.. على الصعيد الأمني أيضا ورغم الضربتين الموجعتين فإنّ الوضع العام تحسّن ليس فقط على مستوى التعاطي مع الظاهرة الإرهابية وإنّما أيضا في الشأن اليومي أي مكافحة شتّى أشكال الجريمة والتعدّي على القانون.. والواضح أيضا أنّ الدولة تمكّنت من استعادة زمام المبادرة حتى في المناطق التي كانت فيها شبه غائبة.. هناك مكاسب هامة رغم أنّ الفترة المنقضية شهدت عدة صعوبات جسيمة أهمّها الفوضى الحاصلة في المطلبية بكلّ تمظهراتها.. على سبيل المثال فإنّ قطاع الفسفاط لم يشهد ارتباكا مثل الذي عرفه منذ جانفي الفارط.. ومع ذلك فقد توفّقت الحكومة في الحّد من تداعيات الملف الاجتماعي عبر عديد القرارات.. لا تنسى أيضا أنّه وبعد عدة سنوات من الجمود هناك ارتفاع واضح لنسق تنفيذ المشاريع الكبرى وسائر البرامج الهادفة إلى تعصير البنية الأساسية.
تلك المكاسب تُحسب فعلا لفائدة الحكومة لكن ألا تعتبر أنّ المواطن لم يلمس بعد ملامح تغيير شامل للأوضاع؟
- لا تنسى أنّ تلك النتائج قد تحقّقت في إطار الرفع من وتيرة الجهد اليومي الذي يبدو جليّا أنّه تحسّن كثيرا لكنّ استشعار أثر أعمق لعمل الحكومة لن يظهر جليا إلاّ عند خوض مرحلة الإصلاحات العميقة بل إنّنا في «آفاق تونس» نعتبر أنّ عنوان المرحلة القادمة سيكون «تعميق الإصلاح» على صعيد خمسة محاور أساسية هي أوّلا استكمال بناء المؤسّسات في القضاء والأمن وتكريس اللامركزية ثمّ الإصلاحات الاجتماعية وأهمّها المنظومة الصحيّة خاصة عبر تأهيل القطاع العمومي وكذلك إرساء تغطية اجتماعية شاملة. أما المحور الثالث فيتعلق بالإصلاحات الاقتصادية على غرار استكمال المجلة الجديدة للاستثمار وإصلاح الجباية والديوانة والقطاع المالي والبنكي وهي إصلاحات ضرورية لتحسين جاذبية مناخ الأعمال ومن ثمّة تسريع عجلة الاقتصاد ونسق إحداث مواطن الشغل وارتقاء مستوى العيش لدى سائر الشرائح وفي مختلف الجهات.
المحور الرابع يهم إصلاح الإدارة بهدف تعصير أدواتها وإضفاء مرونة أكبر على الإجراءات قصد تقليص القيود أمام المبادرة الخاصة والحدّ من تأثير الاجتهاد البشري أما المحور الخامس فيتعلّق بإصلاح التعليم في إطار منظومة شاملة لا تتجزّأ من التعليم ما قبل المدرسي إلى الجامعة مرورا بالتكوين المهني واستنادا إلى رؤية تعيد موقع المدرسة كمركز إشعاع في المجتمع.
إذا وضعت تلك الإصلاحات على السكّة وبشكل متناغم ستؤدّي إلى آليا تغيير جوهري في المشهد العام وخلق الانسجام بين حجم المتاح من جهة والممكن من جهة أخرى.
لكنّ الحكومة تواجه أزمة خانقة قد تحدّ من تركيزها على تلك الإصلاحات وتجعلها تنغمس في معالجة الشأن اليومي.. كيف ينظر «آفاق تونس» إلى الأزمة الراهنة وحظوظ تجاوزها؟
- على العكس.. أعتقد أنّ عمق الأزمة يعطي أهمية بالغة للإصلاحات التي ذكرتها منذ حين والتي ينبغي أن يتم تفعيلها في إطار حزمة من الإصلاحات Pacage على خلفية وأنّ كل المسائل سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية هي في الأصل مترابطة.. على سبيل المثال إذا لم ترس المؤسسات الدائمة في القضاء فلن يثق أيّ مستثمر في مناخ الأعمال في تونس.. كما أنّ تحقيق تطلّعات الأجيال الجديدة في التشغيل لن تكون ممكنة دون إصلاح جوهري للتعليم يؤول أساسا إلى إرساء منظومة تكوين مهني متطوّرة وتستقطب القسط الأكبر من التلاميذ.. نحن نعاني فعلا من مفارقة في هذا الإطار مفادها أنّ 100 ألف تلميذ ينقطعون عن التعليم سنويا فيما بعض مراكز التكوين تشتغل ب20 أو ٪30 من طاقتها الحقيقيّة.. ومن هذا المنطلق أكدت منذ حين على أنّ إصلاح التعليم ينبغي أن يتموقع في صدارة الأولويات لأنّه بالشكل الحالي يشكّل في مساحات واسعة منه بؤرة للإرهاب والإحباط الذين يوفّران مناخا خصبا لما أعتبره «النّخاسة الجديدة» التي تستثمر في الإحباط لإنشاء خزّان بشري للإرهاب وسائر أشكال الجريمة إنّنا إزاء «تجارة عبيد» هذا العصر. وغلق المنافذ أمامها يقتضي أساسا إنعاش الأمل في صفوف الأجيال الجديدة وتمكينها من كل الأدوات التي تدمجها فعلا في عصرها.
وكيف تقيم الوضع الاقتصادي اليوم.. ألا تعتبر أنّ تواصل الانكماش الحالي قد يؤول إلى أزمة مماثلة للّتي عرفها اليونان؟
- لسنا إزاء ذات الظّروف ومن ثمّة أستبعد أن تتدرّج أوضاع البلاد إلى سيناريو «اليونان 2».. هذا لا يمنع من الإشارة إلى أنّ قانون المالية التكميلي تضمّن إجراءات مُصاحِبة للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية سواء على المؤسسات أو على الشغّالين لا سيما في القطاع السياحي أي أنّ مضمونه جاء في إطار «إطفاء حرائق» أما المعالجة الهيكلية للأزمة فهي موكولة للإصلاحات الكبرى التي ذكرتها من حين والتي ينبغي أن تتعمق في الفترة القادمة للوصول إلى نسق أرفع لخلق الثروات الذي يمثل الرهان الأكبر أمام تونس.
ألا تعتقد في السياق ذاته أنّ الانفجار الحاصل في المطلبيّة بكلّ أشكالها كان من العوامل التي أربكت جهود الحكومة لتحسين الوضع الاقتصادي كمدخل للسّيطرة على سائر الأوضاع؟
- الأمر يتعلّق بالمطلبية في مفهومها الواسع أي الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات بما في ذلك التي لم تكن شرعيّة.. وبقدر ما أتفهم تطلعات مختلف الشرائح أعتقد أنّ الارتفاع الحاصل في منسوب المطلبيّة كانت له تداعياته السلبية على الوضع الاقتصادي الذي تأثّر أيضا بعوامل أخرى منها الضربتان الإرهابيتان اللتان أثّرتا بعمق على وضع السياحة ومن ورائها عدّة قطاعات أخرى مرتبطة بها على غرار القطاع الفلاحي.. المعطى السياسي ساهم بدوره في إرباك الاستقرار لجهة الضوضاء الحاصلة على الساحة السياسية والتي تعود في جزء منها إلى حسابات تموقع رافقت انطلاق العدّ التنازلي للمؤتمرات بالنسبة إلى عدد من الأحزاب السياسية وكذلك المنظمات الوطنيّة.
ألا ترى أنّ هذه الضوضاء التي أنتجتها الساحة السياسية والمدنيّة صنعت حاجزا نفسيا بين الحكومة والإصلاحات أي أصابت الحكومة بنوع من «الخجل» جعلتها لا تعجل بوضع الإصلاحات الكبرى على السكة؟
- أعتقد أنه لا يوجد «خجل» أو خوف من الإصلاحات وإنّما تريث فرضه البحث عن انسجام الإصلاحات التي أصبح العديد منها جاهزا لكنها تنتظر استكمال إعداد إصلاحات أخرى.. هذه المقاربة يعكسها بوضوح مسار إعداد الوثيقة التوجيهية للمخطط التنموي القادم الذي لم يستكمل إلا بعد مشاورات مطولة ومعمّقة مع مختلف الحساسيات السياسية والمدنيّة.
في ذات الإطار تعيش البلاد على وقع مخاض من الوزن الثقيل هو بلورة إصلاح التعليم عقب المشاورات المطولة حول هذا الملف وفي خضم عدم استقرار الساحة التربوية.. أي وصفة تراها الأنجح لإخراج التعليم من الأزمة التي تردّى إليها؟
- أرى أنه لا توجد حلول سحريّة.. خصوصا وأنّ الخلل يتجاوز حلقة المربّين ليشمل كلّ مكوّنات منظومة التعليم أي التلاميذ والأولياء والإدارة.. ومن ثمّة ينبغي أن يتجه الإصلاح إلى الحلقات الأربعة وفي إطار رؤيا شاملة تدمج كما ذكرت منذ حين كلّ فروع التعليم من مرحلة ما قبل المدرسي إلى الجامعة وتهدف أيضا إلى إعادة الاعتبار للمدرسة كمركز إشعاع في المجتمع.. لا يمكن الحديث عن مستقبل أفضل دون تحقيق هذا الهدف واستكمال هذه الحضيرة التي تشكل في اعتقادي أهمّ إصلاح.
إصلاح أوضاع التعليم سيصطدم بمشكل محدودية الموارد العمومية.. ألا ترى أنّه من الملائم أكثر إعادة فتح ملف تمويل التعليم باتجاه تمكين المؤسسات التعليمية من موارد ذاتية دنيا تسمح لها بمساحة تحرك أوسع في تطوير البنية الأساسية لتوفير متطلبات العصر الرقمي والتجهيزات الرياضية وأدوات ممارسة الفنون والمهارات وغيرها؟
- مشكل التمويل مطروح فعلا حيث تتشكل هوّة بين مستوى الموارد العمومية ومستوى التطلعات.. وأعتقد في المقابل أنه لا ينبغي المساس بكل من مجانية وإجبارية التعليم.. على الأقل في الابتدائي والثانوي.. ستسألني في هذا الإطار عن الحل وهنا أرى أنه يوجد هامش هام لتحسين أوضاع المدرسة عبر تفعيل المجهود الشعبي ودور المجتمع المدني.. أي خلق تعبئة مماثلة لتلك التي ساهمت في إطلاق مسار نشر التعليم بعيد الاستقلال.. ينبغي في هذا الصدد تفعيل دور لجان الأولياء والمجتمع المدني برمّته.. خصوصا وأنّ عديد الثغرات القائمة والتي تؤول إلى فاتورة مجحفة تتطلّب في الأصل حلولا بسيطة.. هناك جمعيات أنقذت آلاف التلاميذ من الانقطاع المدرسي بمجرّد تمكينهم من نظارات.. هذا الأمر يبدو بسيطا لكنه يمثل مشكلا حقيقيّا وأهمّ أسباب الانقطاع المدرسي خاصة في المناطق النائية لجهة أن المربّي قد لا يتفطن إلى أنّ التلميذ يعاني من ضعف البصر كما أن العائلة قد تعوزها الإمكانيات للمبادرة بعرض ابنها على طبيب مختصّ واقتناء نظارة.. هناك جمعيات أخرى تؤمّن يوميا نقل التلاميذ إلى المدارس وهي خدمة تساهم بدورها في التوقّي من تدهور النتائج والانقطاع عن التعليم.. من هنا يبدو جليّا أنه توجد إمكانيات هامة لتحسين وضع المدرسة من خلال تفعيل دور المجتمع وجعله يستثمر فعلا في المستقبل.. خصوصا وأنه يوجد معطي إيجابي ينبغي توظيفه وهو تعلق التونسي بالتعليم «التونسي يجوع ويدرّس ابنه».
ننتقل الآن إلى المعطى الإقليمي كيف تراه اليوم في خضم تراتر بؤر التوتّر وتأثيراتها على الملفّين الأمني والاقتصادي في تونس؟
- بالطبع هناك تأثيرات مباشرة للوضع الإقليمي على الصعيدين الاقتصادي والأمني.. هناك مثلا عناصر ممّا يُسمّى «داعش» العراق والشّام نفّذوا عمليات إرهابية في تونس.. وأعتقد أنّ الحل يتطلّب أساسا اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته خصوصا وأنه كان له دور في تشكل عديد البؤر ولا سيما في ليبيا وسوريا.. من يعتبر نفسه بمنأى عن المخاطر التي ولدتها تلك الأوضاع مخطئ وبالتالي فإنّ المجتمع الدولي مطالب بإيجاد حلّ للوضعين الليبي والسوري بأيّّة طريقة.. العقدة صنعها الغرب وعليه أن يحلّها.
في نفس الاتجاه يجب أن تمضي تونس قدما في فسخ معالم الأخطاء التي ارتكبت إبّان حكم «الترويكا» ولم تعرف تونس ممارسات مماثلة لها طيلة تاريخ الديبلوماسية التونسية.. حكومة «الترويكا» كان لها موقف واضح من الأوضاع في سوريا جعل تونس تتموقع كطرف.. حتى ما يُسمّى «مؤتمر أصدقاء سوريا» عقد في تونس وانطلق من كواليسه مسار تسليح المعارضة السورية.. ذات المشكل حصل مع ليبيا حيث كنا أكثر من سلبيين فيما كان من المنطقي أن تكون تونس أرض الحوار الليبي الليبي بوصفها مؤهلة أكثر من غيرها للتأثير بشكل إيجابي في منحى الأوضاع نظرا لتشابك المصالح وثوابت تونس وأهمّها الحياد وعدم التدخّل في الشأن الداخلي للدّول.. تلك الثّوابت التي خرقت إبّان «الترويكا» وهي الآن بصدد العودة.
في ذات الإطار تطرح مسألة تقوقع تونس في محيطها الأورو-متوسطي وعدم فتح نوافذ على المواقع الكبرى للثروة في العالم على غرار الولايات المتحدة والصّين وروسيا وإفريقيا.. ألا تعتبر أنّ هذا التقوقع يحدّ من فرص تحقيق نسق نمو يتلاءم فعلا مع الإمكانيات المتاحة؟
- التعاون مع أوروبا يظلّ مسألة استراتيجية لجهة أنها تمثل أكبر سوق في العالم وبالتالي يتعيّن المحافظة على مكاسبنا والسعي إلى مزيد تدعيمها خاصة من خلال مزيد استغلال الفرص المتاحة في قطاعي الخدمات والفلاحة بما يتطلّبه ذلك من إصلاحات داخلية.. وبالتوازي مع ذلك أعتقد أنّ تنويع الشركاء هو أمر حتمي واستراتيجي.. هناك إمكانيات ضخمة لتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري مع الولايات المتحدة لكن هذه الأخيرة ليست متحمّسة حاليا مثل تونس لتوقيع اتفاق للتبادل التجاري لجهة أنّ الديمقراطيين تسكنهم عموما هواجس تجاه هذا الشكل من الاتفاقيات تخوّفا على مصالح النسيج الصناعي الأمريكي.. لكن المعطى الإيجابي في هذه المسألة هو أن الموقف الأمريكي غير متصلّب إزاء تونس وبالتالي يتعيّن مواصلة تكثيف المشاورات في هذا المجال.. في المقابل ينبغي أن تنْفتح تونس أكثر على البلدان الآسيوية واستثمار جملة من التحوّلات وأساسا توجه الصّين اليوم نحو تدعيم حضورها في شمال إفريقيا في إطار ما يُعرف ب«مبادرة الطّريق THE ROAD ININTIATIVE» التي قامت على قناعة صينيّة بأنّ توجهها رأسا إلى إفريقيا خاصة منذ بداية العقد الأخير لم يحقّق نتائج هامّة بسبب الحضور القويّ لمنافسيها الأوروبيين.
من هنا تسعى الصّين اليوم إلى تحقيق استثمارات في شمال إفريقيا الذي تعتبره بوابة على بقية بلدان القارة وكذلك منطقة الأورو بنحو 60 مليار دولار خلال العشرية القادمة.. وأعتقد أنّ تونس بإمكانها أن تكون أوّل وجهة لتلك الاستثمارات.. كما أنّ السّوق الصينيّة أصبحت جد مغرية بسبب الارتفاع السريع للقدرة الشرائية للصينيين على مدى العقدين الأخيرين.. وهنا أيضا توجد رغبة من الصّين لتدعيم وارداتها من شمال إفريقيا.
أعتقد بالمحصلة أنّ المستقبل الواعد لتونس يمرّ وجوبا عبر مراكمة العوامل التي تجعل منها قاعدة لوجستية ومالية وهو ما يقتضي أساسا تثمين البعد الجغرافي أي اكتساب موطأ قدم قوي في إفريقيا وهذا لن يتحقّق إلاّ عبر خطوات أساسية هي أوّلا تطوير الإطار القانوني للتعاون الاقتصادي والتجاري وفتح بعثة ديبلوماسية في كلّ بلد إفريقي ومجازفة أكبر من قطاع الأعمال بما في ذلك انتصاب المؤسّسات التونسية في هذه الرقعة الجغرافية وكذلك خلق روابط ثقافية واجتماعية وثيقة مع البلدان الإفريقية خاصة عبر تحويل تونس إلى قطب للتعليم العالي يكون أوّل وجهة للطلبة الأفارقة وكذلك فتح سوق اليد العاملة وخاصة الموسمية أمام الأفارقة.
نأتي الآن إلى الوضع الداخلي لحزب «آفاق تونس» الذي يبدو للبعض حزبا «نخبويا» كما يعيش على وقع الإعداد للمؤتمر.. كيف تقيم الثقل الشعبي للحزب وهل سيكون مسار المؤتمر فرصة لدعم انفتاحه؟
- لسنا حزبا نخبويا بالمعنى المتداول للكلمة.. لنا نخبة نعتز بها.. ولكنّنا في الأصل حزب منفتح على كلّ فئات المجتمع وأعتقد أنّ نتائج الانتخابات الأخيرة التي جعلتنا ضمن دائرة الحكم تبيّن أن لنا قاعدة شعبية محترمة نسعى إلى تدعيمها عبر مزيد الانفتاح على محيطنا وهو توجه عكسته بوضوح قرارات المجلس الوطني الأخير وأهمّها فتح كلّ هياكل الحزب أمام الكفاءات التي تشترك معنا في ثوابتنا وقادرة على خدمة تونس.. وهو ما جعل الحزب يلغي السقف الذي كان يخضع له عدد أعضاء كلّ من المجلس الوطني والمكتب السياسي.. أما بالنسبة إلى المؤتمر الوطني فينتظر أن يعقد في السداسي الأوّل من السنة القادمة ونحن نتقدّم بثبات في الإعداد لهذا الموعد الوطني الهام حتى يكون محطة تاريخية في تعزيز إشعاع الحزب ومساهمته في خدمة قضايا البلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.