الأسبقية الواضحة للترجي الرياضي على مستوى الانتصارات والأهداف المقبولة والمدفوعة في لقاءات الأجوار ( فارق 19 فوز في البطولة فقط ) ليست وليدة الصدفة ولا تعدّ بالمرة ضربة حظ بل هي نتاج لحسن إعداد مثل هذه المواجهات سواء من الناحية الفنية والتكتيكية أو من جانب الرعاية الخاصة التي يوليها المسؤولون للاعبين طوال الأسبوع الذي يسبق الدربي وبالتالي الأجواء الممهدة للنجاح التي تحوم حول المجموعة وتسمح لها بدخول الدربي في أفضل الظروف وبأريحية كاملة وروح انتصارية. هذه المعطيات التي صنعت الفارق لفائدة فريق الدم والذهب في مواجهاته المباشرة مع الجار توفرت مجددا يوم أول أمس وجنى الفريق ثمارها بفوز مستحق بالنظر إلى السيطرة المطلقة التي فرضها على منافسه في الفترة الثانية من اللقاء وثمين جدا بحكم حاجة الفريق الجديد إلى انتصار من هذا النوع لمزيد كسب الثقة في النفس وتثبيت نفسه أكثر فأكثر في البطولة المحلية. ميلاد الفريق «الجديد العتيد» صحيح أن الانتصار في كل مباريات البطولة مهمّ للغاية وهو الذي يصنع الفارق في النهاية على مستوى التتويج باللقب وقد كسب الترجي الرياضي قبل الدربي ثلاث نتائج إيجابية متتالية تدارك بفضلها عثرة الجولة الافتتاحية في المرسى وأهلته إلى احتلال المراتب الأولى لكن هناك مواجهات تتعدى قيمتها الثلاث نقاط وفي مقدمتها الدربيات واللقاءات مع المنافسين المباشرين ، وفي هذا الإطار تدخل مباراة أول أمس التي شكلت المنعرج الحقيقي لميلاد الترجي الرياضي «الجديد والعتيد» الذي أكد أنه يملك كل المواصفات التي تسمح له بالعودة إلى تتويجاته بالبطولة ثم إلى صولاته وجولاته في القارة السمراء. بدون شك لا يزال الفريق يشكو من بعض السلبيات لكن الإيجابيات موجودة وهي التي سيبني عليها الإطار الفني عمله لمزيد تطوير المستوى والأداء والارتقاء بهذه المجموعة إلى أعلى الدرجات. الفوز في هذا الدربي يمنح الثقة والأريحية للترجي «نيو لوك» وهذا ما كان يحتاجه الفريق لوضع قدميه بثبات في الساحة. نجاح جماعي لقد شكل هذا الدربي الاختبار الحقيقي لكل الأطراف الترجية دون استثناء، للمسؤولين أولا لتقييم الانتدابات التي قاموا بها ومدى جدواها وقيمتها وقدرتها على إضافة شيء ما للفريق، وللإطار الفني ثانيا للحكم على طريقة تعامله مع اللقاء وصحة اختياراته، ثم للاعبين لاكتشاف حقيقة إمكانياتهم وما يمكن أن يقدموه ويضيفوه لفريق كبير. بالنسبة للانتدابات التي أقدم عليها رئيس الأحمر والأصفر حمدي المدب فقد نجحت في أول امتحان صعب وهام وساهمت بقسط كبير في الفوز الثمين الذي خرج به الفريق سواء بالأداء الممتاز كالذي قدمه سعد بغير وعلي المشاني وفوسيني كوليبالي وحسين الربيع وياسين الخنيسي أو بالتواجد في الأوقات الحرجة والأماكن المناسبة كفخر الدين بن يوسف في الهدف الأول الذي جسم السيطرة في الشوط الثاني وأعطى التقدم وفتح أبواب الفوز أمام أبناء باب سويقة. المدرب عمار السويّح اجتاز هو الآخر اختبار الحقيقة كأحسن ما يكون سواء بالعمل الذي قام به خلال الفترة الفاصلة بين هذا الدربي والمباراة الرسمية الأخيرة وخاصة على مستوى تأثيث البرنامج بمباراة ودية أعطت أكثر نسق لبعض اللاعبين أو بالتحضير النفسي لكامل المجموعة ما أهلها إلى دخول المواجهة بالتركيز المطلوب والروح الانتصارية اللازمة أو كذلك بحسن قراءة اللقاء في فترته الأولى والقيام بالتغيير المناسب الذي جعل الترجي الرياضي يصول بالطول والعرض طوال الفترة الثانية التي كانت حاسمة في هذا الدربي. في خصوص اللاعبين فإن العديد منهم خاضوا أول لقاء أجوار في مشوارهم وهم علي المشاني وحسين الربيع وسعد بغير وفخر الدين بن يوسف وياسين الخنيسي وسيسوكو وآدم الرجايبي وكانوا باستثناء المالي في الموعد وقاموا بالدور الكامل الذي يسمح بالتألق والنجاح في مناسبة كهذه. هدفان جميلان : الأول بمهرجان من التمريرات والثاني بأروع التسديدات حسم الترجيون الدربي بهدفين جميلين بطريقتين مختلفتين تؤكدان على امتلاك كل الأسلحة التي تؤهله إلى إحداث الفارق وصنع انتصاراته، الهدف الأول نادرا ما نراه في ملاعبنا وحتى في الملاعب العالمية فقد جاء بعد مهرجان كبير من التمريرات ( 37 تمريرة ) مرت خلالها الكرة على كل اللاعبين دون أن يلمسها أي عنصر من الإفريقي قبل أن ترتد من الحارس أمام فخر الدين بن يوسف الذي توّج هذا العمل بكرة داخل الشباك بعد عمل جماعي تحكم فيه الترجيون في الكرة وأظهروا من الفنيات ما سمح لهم بالتدرج بالكرة والتخطيط لعملية جماعية ناجعة حسمت مصير اللقاء. أما الهدف الثاني فقد جاء بطريقة فردية في غاية من الجمال والروعة كذلك من تسديدة صاروخية من على خط منطقة الجزاء بإمضاء المحيرصي الذي لا يعرف غيره سر تلك التصويبة الرائعة التي لم يجد لها بن مصطفى أي حل للتصدي لها. هدفان هما أحلى ما في الدربي لكن لا ننسى مخالفة سعد بغير التي رفضت العارضة ولوجها إلى الشباك لتحرم الترجي الرياضي من هدف ثالث لا يقل روعة. «المايسترو» «سعد بقير» رجل الدربي العديد من لاعبي الترجي الرياضي قدموا أمس الأول مردودا طيبا للغاية وساهموا بقسط كبير في انتصار الفريق غير أن ملاحظة «ممتاز» وشهادة بطل الدربي يستحقهما صانع الألعاب سعد بغير بلا منازع بالنظر إلى المردود الذي قدمه في وسط الميدان وخاصة في مشاركته في العمل الدفاعي ومساندة الراقد وكوليبالي في عملية افتكاك الكرة وقطع هجومات الإفريقي. هجوميا كان ابن قابس وراء كل المحاولات الخطيرة التي هدّد بها الترجيون مرمى بن مصطفى حيث غالط بفضل تمريراته الساحرة دفاع الإفريقي وكاد أن يحسم بمفرده مصير الدربي بمخالفة مباشرة لم تجد سوى العارضة لإرجاعها حين كانت النتيجة متعادلة ، كما كان في صلب مهرجان التمريرات التي صنعت الهدف الأول بإمداد رائع للمباركي فتح الشوارع في الخط الخلفي لفريق باب الجديد ومهد لزيارة شباك بن مصطفى. بغير هو الفنان والمايسترو وصانع الألعاب الجديد في فريق باب سويقة وثبت نفسه كأروع ما يكون صلب هذا الفريق الكبير بفضل ما قدمه وأضافه في دربي يشكل المنعرج الحقيقي لميلاد نجم وكذلك فريق عتيد. حنكة استغلال التفوق العددي في كم من مناسبة ومباراة شاهدنا وسجلنا فشل الفرق في استغلال عامل التفوق العددي وتحققت الانتصارات للأندية التي كانت منقوصة عدديا لأن هذا السلاح ذو حدين وكان السؤال الذي تبادر إلى الأذهان عند إشهار الحكم سعيد الكردي الورقة الحمراء في وجه الميكاري هو هل يستغل الترجيون هذا التفوق العددي أم أن الأفارقة سيضاعفون من مجهوداتهم ويصنعون من هذا النقص قوة تؤهلهم إلى حسم مصير اللقاء؟ لكن استغلال التفوق العددي ليس مضمونا ولنا من الأمثلة العديدة ما يؤكد ذلك غير أن الترجيين عرفوا أمس الأول كيف يوظفون هذا العامل لصالحهم وكيف يتعاملون معه بالشكل الذي سمح لهم بإحداث الثغرات في دفاع الإفريقي وصنع انتصارهم الذي كان مستحقا بكل المعطيات التي ذكرناها على الرغم من أن الدربيات تحسم على جزئيات صغيرة ولم تؤل نتيجتها في بعض المناسبات السابقة للفريق الأفضل.