اختارت أيام قرطاج المسرحية أن تفتتح دورتها السابعة عشرة بعمل عربي إفريقي من إنتاجها يشرف عليه «عز الدين قنون»... لكن الموت قام بخلط جميع الأوراق ورحل «قنون» قبل أن يشهد ميلاد هذا الإنتاج المسرحي الجديد... رحل «عز الدين قنون»، ولم تتراجع أيام قرطاج المسرحية عن اختياره لافتتاح الدورة السابعة عشرة بآخر أعماله «غيلان» نص «ليلى طوبال»، وتمثيل «بحري رحالي» و«ريم الحمروني» و«سيرين قنون» و«أسامة كشكار» عنوان المسرحية «غيلان» يحيلنا إلى بطل «محمود المسعدي» في نصه المدهش «السد» ملحمة الاحتفاء بالإنسان، ولكن «غيلان» هو أيضا في اللغة العربية جمع «غول»، تلك الكائنات الليلية المخيفة التي لا يعرف أحد شكلها ولكن اتفق من خلال الأساطير وحكايات الجدات أنها كائنات غريبة، ومرعبة! لكل زمان غيلانه، وهم «عز الدين قنون» و«ليلى طوبال» هذه المرة كان غيلان تونس اليوم... تونس ما بعد 14 جانفي: صنف من البشر لا يقل وحشية عن غيلان الأساطير ظهر فجأة بعد الثورة، ليحلّ محلّ السلطة القديمة، معيدا إنتاج سلطانها وجبروتها وكأن لا شيء قد تغير. اختار المخرج لأحداث مسرحيته خشبة عارية، لا شيء فيها غير الكراسي المتحركة يجلس عليها الممثلون ليعترفوا، ويبوحوا، ويفصحوا عن مشاعرهم، عن كل ما مر في حياتهم. فراغ الركح هو الذي جعل الممثل سيد الخشبة دون منازع... يملأ فراغها بجسده وحركاته وصوته... بل يبث الحياة في الخشبة، وينفث من روحه فيها. تبدو المسرحية في البداية أشبه بالمونودراما التي يقدمها الممثلون الخمسة على الركح، لكن يكتشف المشاهد تدريجيا أنه أمام مسرحية متينة، متماسكة، و«المونودرامات» ليست في الحقيقة سوى فصولا من مسرحية محيرة، مقلقة، تتداخل هذه الفصول –المونودرامات-، تحاكم بشراسة نتاج الثورة: «البلاد قعدت عاقر 23 سنة وفي الآخر جابت غول»!، وتغذي الإحساس العام بالتمرد على القيود، بتحطيم هذه القيود، وتستعيد في الوقت نفسه لحظات استثنائية من فصول أحداث 14 جانفي عندما أحس التونسي أنه تحرّر من أغلاله وأنه صار قادرا على الحب وعلى الابتسام قبل أن تثب الغيلان لتغتال هذه الابتسامة. «غيلان» عمل مسرحي سياسي بامتياز، شديد الواقعية لكن مفردات هذا الواقع لم تورطه في المباشراتية والشعاراتية، وهو حتى الآن أفضل عمل قارب الثورة التونسية. «محمد علي بن جمعة» (مخرج العرض): تكريم لذاكرة المسرح التونسي التونسية (تونس) مهندس افتتاح الدورة السابعة عشرة لأيام قرطاج المسرحية هو الممثل «محمد علي بن جمعة» الذي قال بعد نهاية العرض: «في نصف ساعة قدمت ثلاثة عشر فنانا ينتمون إلى عالم الفرجة من الممثل إلى العازف إلى الراقص والبهلواني، اقترحوا فقرات منفصلة، متصلة باللغة العربية وباللهجتين التونسية والسورية... أردت تكريم المسرح من خلال «شكسبير» (عطيل) و»محمود المسعدي» (حدث أبو هريرة قال)، وأحببت توجيه تحية لفن السيرك ومدرسة «محمد إدريس» التي نأمل أن يعيد لها «فاضل الجعايبي» الاعتبار ويمنحها ما تستحق من الاهتمام. كرمنا المسرح التونسي بثمانين عنوان لأعمال متفاوتة المستوى استهللناها ب «هنا تونس» وأقفلناها ب «حيىّ المعلم» (محمد إدريس) تحية لجميع المعلمين في المسرح التونسي ولأساتذته الكبار. حرصنا في عرض الافتتاح أيضا على توجيه التحية إلى المعهد العالي للفن المسرحي من خلال الممثلة «فاطمة الفالحي» التي مزجت تجربتها الشخصية في المعهد بإشارة تكريمية لعز الدين قنون.. «عرض افتتاح أيام قرطاج المسرحية أردته تكريما لذاكرة المسرح التونسي». «فاطمة الفالحي»: تكريم المعهد وقنون كانت الممثلة «فاطمة الفالحي» متوهجة في عرض افتتاح الدورة السابعة عشرة لأيام قرطاج المسرحية، واعترفت أنها عانت من ارتفاع في حرارة جسمها بعد العرض بسبب خوفها الشديد و«التراك» قبل العرض الذي قرأت فيه نصا هو مزيج بين مقتطفات من تجربتها الشخصية في المعهد العالي للفن المسرحي التي حولتها إلى نص بعنوان «طابة طابة»... كان هاجسها تكريم أبناء المعهد وتكريم «عز الدين قنون» فقيد المسرح التونسي... وجدت في النهاية الخلطة السحرية في خطاب وصفته «بالمواطني» بدأ بالمعهد وحملها إلى عز الدين قنون . «زياد التواتي»: أعتز بالمشاركة في تكريم المسرح التونسي شارك الممثل التونسي المقيم في كندا «زياد التواتي» في العرض الفرجوي الخاص بافتتاح الدورة السابعة عشرة لأيام قرطاج المسرحية وقدم مقتطفات من مسرحية «عطيل» و«corps à corps» مع الممثلة السورية «زينة حلاق» وقال «زياد التواتي» إن تجربته مع «محمد علي بن جمعة» وبقية الفريق ممتعة وأكّد اعتزازه بالمشاركة في تكريم المسرح التونسي. نعمان حمدة: «غسالة النوادر» من مراجع المسرح التونسي قدم المسرحي «نعمان حمدة» في عرض افتتاح الدورة السابعة عشرة لأيام قرطاج المسرحية مقتطفات من «غسالة النوادر» التي وصفها بأحد مراجع المسرح التونسي التي لا يمكن الاستغناء، ووصفها بالتجربة المجددة مع المسرح الجديد. وقال «نعمان حمدة»: «أحببت كثيرا تصور عرض افتتاح أيام قرطاج المسرحية القائم على الفرجة، لأننا في حضرة المسرح وكان ضروريا تفادي القوالب التقليدية في افتتاحات تظاهرات كهذه».