خبير: 8000 مليار معدّل «روج» التونسيين لدى البنوك تحقيق: بسمة الواعر بركات لأغلب التونسيين حكاية مع «الرّوج» ما عدا أولئك الذين ولدوا في أفواههم ملاعق من ذهب... فهذا موظف يستعطف المسؤول بالبنك لمده بسلفة لأن الشهرية إلتهمها «الروج»، وهذا يمارس لعبة القط والفأر لينال جزء من راتبه قبل ان يسحب البنك مستحقاته، والبعض الآخر يتداين ليخرج من ورطة ربما حشر نفسه فيها منذ سنوات وسنوات. وتعتبر كلمة «الروج» من الكلمات المتداولة بكثرة لدى التونسيين، فبسبب غلاء المعيشة وارتفاع الإيجار وتعدد النفقات أصبح التونسي يعيش في صراع مرير مع «الشهرية» التي سرعان ما تتبخر حتى قبل وصولها، وبات البعض يحلم بمسك راتبهم كاملا، فيما ينفق آخرون رواتبهم قبل أن تصل، حتى أن كثيرين لا يعرفون معنى «الراتب» ليس لأنه زهيد، بل لأنه يصرف قبل ان يصل إلى البنك، أو يلتهمه البنك بعنوان «الروج» أو التداين على الراتب. نزيهة (مطلقة) قالت إنّها كانت تعمل كمنظفة ولكنها وبسبب تدهور صحتها أصبحت عاطلة عن العمل، نزيهة تعيش رفقة ابنها على منحة التربص للإعداد للحياة المهنية التي يتقاضاها هذا الأخير، (150 دينار تمنحها اياه المؤسسة التي يعمل بها)، تنهدت بمجرد أن طرحنا عليها الموضوع. وقالت: «آه على «الشهرية»، وعلى النفقات والإيجار ... ما يتقضاه ابني ينفق قبل ان يصل، فالمعيشة والإيجار لم يتركا لنا متنفسا لكي نعيش،، فثمن أقل «استيديو» ب250 دينارا وأقل شقة ب350 دينارا والشهر سرعان ما ينتهي ليحل آخر وبالتالي نحن في دوامة لم نجد لها مخرجا. وأضافت: ابني يبلغ من العمر 27 سنة، عملت كمنظفة لتربيته، وما أتقضاه انفقته على دراسته وعلى الإيجار، واليوم يمنحني «السي في بي» واجرته البسيطة لأسدد بهما الإيجار واترك له القليل من المصروف، فالحياة أتعبتنا كثيرا وافكر في الحقيقة في مخرج للأزمة التي نعيشها في كل شهر. وكشفت نزيهة أنها بصدد البحث مع الجهات المعنية لتمكينها من إقامة كشك ، مبينة انه في صورة تخلي المؤجر عن خدمات إبنها فإنهما سيجدان نفسيهما في الشارع وأنه لا حول ولا قوة لهما. ومحمد صالح (موظف) اعتبر أنّ التونسي لا يستطيع أن يعيش بلا «روج»مبينا أنه سيحال مباشرة على «التسوّل» لأنه ينفق أكثر من مدخوله . وقال إنّه إذا أضفنا «الكريدي» وقرض السيارة أو قرض السكن ومصاريف الهاتف الجوال والتغذية و«الصّوناد» و«الستاغ»... فإن المدخول سيتبخر سريعا ولن يجد الموظف ما ينفق لإكمال الشهر، وشدد على أنه في صورة تخلت البنوك عن «الرّوج » فإن أغلب الموظفين سيجدون أنفسهم في ورطة حقيقية وأنّ عددا كبيرا من التونسيين لا يمكنهم تأمين ابسط الحاجات، وبالتالي «الشهريتين» لابد منهما فواحدة تودع في البنك والأخرى بعنوان «روج». سلوى (موظّفة) أكدت أنّ غلاء المعيشة وارتفاع النفقات من مصاريف روضة الأطفال والمدرسة ومستلزمات الأبناء عوامل تساهم في تبخر الراتب منذ يوم 5 في الشهر فمابالنا ببقية الشهر. واعتبرت أن اغلب التونسيين ينفقون الراتب حتى قبل وصوله، مبينة أن من يتقاضى راتبا قدره 500 دينار يجزّئه على الكراء وروضة الأبناء ...متسائلة ماذا سيبقى له وكيف سيكمل الشهر؟. وشدّدت على انه حتى لو تحصل الموظف على راتب قدره ألف دينار فإن كثرة المصاريف تدفعه إلى الدخول في «الروج» معتبرة هذا الأخير «شرّا لا بدّ منه». وقالت إن «الروج» عوّض السلفة من الأصدقاء، أو من الجيران وأنّه أمام كثرة المصاريف يدخل البعض في «الروج» ويتداين ويضيف سلفات. من جهتها، اعتبرت ميساء ،أن التونسي ينفق أكثر من مداخيله، وأنه سواء كان مدخوله ألف دينار أو 700 دينار فإنّ كلفة الحياة في تونس أكبر من المداخيل. واعتبرت سارة أن شهوات التونسي كثيرة و«عيناه مفتوحتان» وأنه مهما ضبط نفسه فإنه يحب اقتناء ملابس جديدة والترفيه عن أبنائه وبالتالي «الرّوج لازم منو». وقالت أمينة، إن استهتار التونسي والرغبة في أن يعيش في مستوى أفضل بكثير من طاقته، وأحيانا تقليد جيرانه، هو الذي أوصل الكثيرين الى مأزق «الروج» وإلى مكابدة مصاعب التداين، ليجد نفسه أمام ابواب مغلقة ووضعية محرجة. ولاحظت أن من يتقاضى 500 دينار يعيش في مستوى اكبر من ميزانيته وقدراته، وبينت انه رغم حصول البعض على قرض منزل فهم يبحثون عن قرض سيارة ومع ذلك تجدهم في أماكن الترفيه وفي الفضاءات الكبرى يبحثون عن الكماليات قبل الضرورات... واعتبرت ان مشكلة التونسي الأساسية هي القروض وأنّ فوائضها جعلته في دوامة يصعب ان يخرج منها. من جانبها قالت سعيدة إن ضعف الراتب، هو الذي دفع بالكثيرين إلى «الروج» معتبرة ان بقاء بعض الامهات في البيت دفع الأزواج ممن يعانون من محدودية المداخيل إلى «الروج» خاصة اذا كان الشخص عاجزا عن تأمين طلبات أسرته، مشيرة إلى أنّ راتبا واحدا لا يكفي ولا يلبي جميع المصاريف، لذلك يلجأ كثيرون إلى التداين وإلى «الروج» في محاولة منهم لتأمين طلبات الأسرة ولكن هذا الحل قد يجعلهم أيضا في دوامة لن يخرجوا منها أبدا وفق تعبيرها. أمّا نجوى فقد أكّدت، أن التونسي «عيّاش» وعندما يكون لديه المال يريد أن «يرفه عن نفسه» وأنه لا يفكر في الغد، وأنّ المهمّ بالنسبة له هو تلك اللحظة وذلك اليوم، وقالت إنّ الراتب محسوم وينفق قبل ان يصل إلى جيب صاحبه، وبالتالي يجد كثيرون انفسهم بلا راتب، وأنّه رغم الزيادات في الأجور إلاّ أن نسق الحياة أسرع بكثير، والغلاء يحرم التونسيين من التمتع بالزيادات. وبينت انّه لا يوجد تونسي يعيش بمعزل عن القروض، وأنه مهما حاول البعض ان يوفروا بعض المال إلا أنهم سيجدون أنفسهم مجبرين على التداين. واعتبرت أن «الروج» لا يجعل التونسيين يشعرون بالعجز لأن التونسي معروف بتدبير «الراس»، فعندما يجد البعض أنفسهم في مأزق فلا بدّ من التّداين. من جهته، اعتبر سالم، أن أكثر من 50 بالمائة من التونسيين بحسب تقديره يعيشون ب«الرّوج» وأنّ أغلب الناس لديهم كراءات، ونفقات اطفال، ومعاليم تنقل... وبالتالي يلزمهم على الأقل راتبا ونصف لكي يلبوا حاجاتهم خاصة في ظل الزيادات المشطة في اسعار المواد الأساسية وفي ظل غلاء المعيشة. وقال انه لا يتخيل ان يتخلى التونسيون عن «الروج»، وأنّه إمّا ان يبقى البعض بلا اي مليم بعد تسديد المصاريف أو التداين لإكمال الشهر وخاصة اولئك الذين لديهم قروض . واعتبر، أنه في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وعدم قدرة البعض على اخذ «سلفة» من الأصدقاء، والأجوار... فإن الحل الامثل للكثيرين هو اللجوء إلى «الروج». بدوره أكّد فوزي أنّ أغلب التونسيين وجدوا أنفسهم في ورطة، وأنّ النّسق السريع للحياة جعلهم في سباق محموم مع الراتب، مبينا ان التونسي مدفوع لتنظيف الحساب وإعادته الى النسق العادي وأنّ ذلك أمر صعب وأحيانا شبه مستحيل وأنه لذلك لا يمكن للكثيرين الخروج من هذا المأزق. وقال إن الزيادات ورغم أهميتها إلا أنها أحيانا لا قيمة لها ،طالما ان الراتب مرهون لدى البنوك، مؤكدا ان المسألة سياسة ولا علاقة لها بالتنظيم وبحسن التصرف لدى الأشخاص. من جانبه،اعتبر حسن أن «الروج» اصبح بمثابة الدوامة التي يصعب الخروج منها ، وان هذه الدوامة قد تورط صاحبها في متاعب عديدة، مبيّنا أنه على الإنسان أن يراقب نفسه ولا يتمادى في «الروج» وأنّه حتى وإن اضطر إلى ذلك فإنه يجب أن يكون في نطاق محدود. واعتبر حسن، أن المواطن إذا تخلى عن الروج فإنه يشعر انه افضل و«لاباس»، اما من يتورط في هذا الأمر فإنه لن يتمكن من فهم حياته ولا من تلبية نفقاته، معتبرا ان الحل الأمثل هو تجنيب النفس ما لا طاقة لها به، وعدم التمادي في المصاريف التي لا طائل منها. وقال الشاذلي، إنّ من يلجأ الى «الروج» يعيش أكثر من طاقته، مبينا انه يجب على البعض ان يفهموا ان لكل منا مداخيله وراتبه والتي على أساسها يتم تنظيم الحياة وليس العكس. وأضاف ان القوانين موجودة، وان البنوك لديها برنامج تسير عليه في منح القروض وفي منح «الروج» وأنّها مسائل مرتبطة براتب الشخص وبمداخيله وبالتالي فإن المسألة مقننة وليست كما يعتقد البعض، ولكن على التونسي ان يغير عقليته وينظم نفسه وفق تعبيره. مراد الحطاب يؤكد: 8 آلاف مليار معدل «الروج» قال مراد الحطاب، خبير مالي ومختص في إدارة المخاطر المالية، ان 87 بالمائة من مداخيل التونسي مخصصة للإستهلاك وان جلّ القروض الممنوحة للتونسي هي بعنوان إستهلاك وتتجاوز هذه القروض 17،500 مليون دينار تقريبا معتبرا ان المبلغ كبير. وأوضح ان هذا المبلغ كان في حدود 10 مليارات دينار ثم أصبح في 2011 في حدود 11 مليار دينار وتطور الى 17 مليار دينار. وأشار إلى أنّ معدل «الروج» لدى التونسيين يبلغ 8 آلاف دينار وهو معدل دون اعتبار السلفات التي تتم خارج المنظومة البنكية. وأكّد أن العائلة التونسية تمر بصعوبات لتلبية حاجاتها وأنّه منذ يوم 8 في الشهر ينتهي الراتب. واعتبر ان هذا الامر يشمل التونسيين الذين يعتبرون غير مستبعدين من النظام المالي ممن يتحصلون على أجور وقروض ولديهم ادخار... أما أولئك الذين ليس لديهم أجور ومقصيين من النظام المالي فإن نسبتهم تقريبا 47 بالمائة وقال ان هؤلاء يعتمدون على مواردهم الذاتية أي انهم يعيشون كل «يوم ويومه»، مبينا انهم يمثلون نسبة عالية جدا وأن البنك الدولي اشار الى هذه الشريحة ونبه اليها. وشدد الحطاب على أنه يستحيل على «التونسي» ان يعيش بلا «روج» ولكن المشكل انها تتراكم وكلما ارتفع المبلغ كلما تدهورت المعيشة وتعكرت اسباب الحياة. وأضاف ان النظام المالي يعاني من أزمة سيولة تقدر ب5،5 مليون دينار كمعدل وبالتالي فإنه سيأتي وقت تشح فيه القدرة على الاقتراض ويتم التضييق على «الروج».