من أين يعيش التونسي وكيف يتدبّر أمور تعدّد أبواب الانفاق وغلاء المعيشة وتواصل التضخم المالي الذي بلغ 5.3٪، وأمام التضييق على المستهلك في خصوص الحصول على قروض الاستهلاك؟ سؤال بات يؤرق المزيد من التونسيين الذين يجدون صعوبة في تلبية حاجياتهم . «الشروق» تحدّثت الى عدد من المواطنين فتنوّعت إجاباتهم لكنهم أجمعوا على أن التقشف وربط الحزام أصبح خبزهم اليومي.
الاقتراض
يقول السيد حبيب إن الراتب واحد لا يتغيّر أما أبواب الانفاق فمتنوعة ولاحظ أن التقشف وحده لا يكفي إذ يلتجئ جلّ التونسيين الى الاقتراض من المعارف أو الحصول على سلفة من العمل خاصة في المناسبات الاستهلاكية الكبرى على غرار عيد الاضحى أو في حالات حصول طوارئ على غرار المرض أو اجراء عمليات جراحية ويبقى الشعار الأول للتونسي هو «شاشية هذا على رأس هذا» أي التداين من أحد المعارف وخلاص آخر الى أن تمرّ الأزمات.
«السجن!»
أما السيد عبد السلام فيلاحظ أن أزمة التونسي الاقتصادية زادت بعد أن ضيّقت البنوك الخناق على التونسي وحرمته من قروض الاستهلاك. وأضاف «كنت حاليا في البنك أجري محاولات للحصول على قرض تكميلي لكن دون جدوى وأنا أنتظر حاليا صدور أحكام بالسجن نظرا للالتزامات المالية التي لم أستطع أن أفي بها» وأضاف «حاولت أن أقترض بعض المال من معارفي لكن الكل يغرق في الديون...» وختم محدثنا كلامه بأن كثرة حالات الخطف والسرقة أصبحت مفهومة في مجتمعنا فراتب موظف مثل حالي لا يكفيه خبزا جافا بعد خلاص معلوم كراء المنزل وفواتير الماء والكهرباء... التونسي مضطر لا لربط الحزام والتقشف فحسب بل الى الجوع إذا ما تواصل الغلاء الى هذا الحدّ...
«الروج»
كذلك السيدة فوزية كانت منزعجة جدا من الغلاء وتضيف حصلت على كل أنواع القروض واستهلكت أرصدة «الروج» المتاحة ودخلت في سياسة التقشف واقترضت من كل معارفي ومع ذلك فإني عاجزة عن مواجهة كل هذا الغلاء. وأضافت خلال الشهر الحالي اضطررت لدفع فاتورة الماء ب 330 دينارا نتيجة عطب في شبكة الماء لم أفطن إليه كما عالجت ابني الذي تعرّض لحادث وحالة كسر ب 400 دينار فكيف يمكنني أن أواجه باقي النفقات؟ سؤال أنا نفسي لا أعرف له إجابة الا التوكّل على ا& وانتظار ما سيكون أمره فيّ... وأضافت محدّثتنا لم أعد أفكّر في القفة وأعيش على القليل فأولويتي هي دفع كراء المنزل وفواتير الماء والكهرباء وفي ما عدا ذلك فالكريدي من العطّار والخضّار هو الحل الأمثل.
شاشية هذا...
يجيب بلحسن جبارة «أن التونسي يعيش وفق شاشية هذا على رأس خوه» ولاحظ أن المستهلك تخطى مرحلة التقشف الى مرحلة الجوع رغم رضاه بالقليل. وأضاف محدّثنا يتصرّف المستهلك في ميزانيته القليلة على حساب غذائه ولباسه والفواتير تنزل عليه نزول الكوارث بل أصبح المستهلك يمرض اذا ما فرغت قارورة الغاز في منزله... ولا حل لنا سوى التداين والاقتراض وانتظار المنح على قلّتها.
عمل إضافي
من جهته ذكر محمد الحبيب التواتي متقاعد أن قفة التونسي أصبحت لا تطاق إذ تضاعف ثمنها في الأشهر الأخيرة مما اضطر الكثيرين الى البحث عن مورد إضافي لمواجهة الساعات الخصوصية لأبنائهم ونفقات الحياة الكثيرة. وعن تجربته يقول انه بالتقشف القاسي يصل الى تحقيق ضرورياته لكن اذا تعطبت سيارته او واجه مناسبة العيد فإنه يضطر للتداين رغم ان حاجياته وزوجته قليلة في مثل هذا العمر.
منظمة المستهلك تندد
من جهته ذكر سليم سعدا& نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك أن التونسي يعيش من الاقتراض و«الكريدي» و«الروج» ذلك ان الراتب لا يكفي لخلاص كراء المنزل والفواتير والدروس الخصوصية. ولاحظ ان معلوم الكراء تضاعف بسبب اقبال الاخوة الليبيين عليه. ولاحظ ان العديد من التونسيين أصبحوا يعملون أعمالا اضافية على غرار «السمسرة» في كراء الشقق بالليلة او الشهر او ما يعرف «بالكرية تحت كرية» وفي قطاعات أخرى.
وأضاف ان الازمة الاقتصادية التي يعيشها التونسي عكّرت مزاجه النفسي وزادت من حالات السرقة والتحيل. وطالب البنك المركزي بالعودة الى إسناد القروض السريعة التي تناهز 3 آلاف دينار حتى نحافظ على سلامة مجتمعنا وسلمه الاجتماعي.
وحول ارتفاع نسبة الغلاء قدّرها محدثنا بين 10 و15٪ مضيفا ان نسبة التضخم تجاوزت 5.3٪ المعلنة رسميا ولاحظ ان قفة متكونة من بعض الخضر كانت ب4800م حاليا أصبحت 8500م ولا مجال للحديث عن اللحوم والسمك لأن سعرها لا يطاق. وتساءل عن مصير 2 مليون تونسي يعيشون تحت خط الفقر.
تشير الإحصائيات الأخيرة للبنك المركزي أن الأسر التونسية متداينة للبنوك بمبلغ جملي يصل الى 13757 مليار مليم منها 11386 مليارا كقروض سكن و355 مليارا لاقتناء السيارة و2014 مليارا قروض استهلاك و1695 مليارا قروض جامعية، هذا فضلا عن القروض الممنوحة من الصناديق الجامعية ومن الصناديق الاجتماعية للمؤسسات التي يعملون بها.. ولا أحد يملك أرقاما دقيقة حول حجم التداين من المعارف والأهل ودون احتساب «الروج».
ارتفاع الأسعار ب 7.5٪
ارتفع معدّل الانفاق الفردي من 1424 دينارا الي 2600 دينار في الجهات و3228 دينارا في تونس الكبرى وذلك من سنة 2000 الى سنة 2010 ويعود جزء كبير من هذا الارتفاع الى غلاء المعيشة المتواصل. كما ارتفع معدل الأسعار عند الاستهلاك في تونس من 4.6 الى 7.5٪ في 2011. وقد شهدت المواد الغذائية ارتفاعا ب6.9٪ والمشروبات ب6.8٪ واللحوم ب9.1٪ والأسماك ب7.6٪.