لا سلام في فلسطين إلاّ إذا نال شعبها حقوقه لن ننسى مساندة تونس لنا الجامعة العربية في حاجة للدول القاطرة حاوره: عبد السلام لصيلع زار تونس مؤخّرا المناضل والسياسي الفلسطيني الأستاذ محمد صبيح أمين سرّ المجلس الوطني الفلسطيني والذي عمل لسنوات طويلة أمينا عامّا مساعدا لجامعة الدول العربية مسؤولا عن شؤون فلسطين، حيث شارك في النّدوة التي عقدها مركز تونس لجامعة الدّول العربيّة تكريما للأستاذ الشاذلي القليبي بمناسبة مرور سبعين سنة على تأسيس الجامعة. «التونسية» كان لها معه لقاء تطرّق إلى ما يجري حاليا في الأراضي الفلسطينية أشار فيه إلى أنّ الغرب مازال في دعمه المستمرّ لإسرائيل وأبرز أنّه «لن يكون هناك سلام على أرض فلسطين إلاّ إذا نال الشّعب الفلسطيني حقوقه كاملة» مشيرا إلى أنّ الصّمت والتخاذل العربيين غير مقبولين. ودعا إلى تحديث جامعة الدّول العربيّة وتطويرها، وحمّل المفكّرين والباحثين والسياسيين مسؤوليّة القيام بهذا الدّور. وأشاد بالعلاقات التونسيةالفلسطينية وقال إنّها «قويّة وتاريخيّة» وهي علاقات محبّة». بقيّة تفاصيل الحوار في السّطور التالية: هل نعتبر ما يجري حاليا في كامل الأراضي العربية الفلسطينيةالمحتلة انتفاضة ثالثة؟ - نعم.. هي انتفاضة ثالثة وإن شاء الله يُكْتَبُ لها النّجاح ويُكْتَبُ لها الدّعم العربي لأنّها انتفاضة شباب تلقائية تدافع عن الأرض العربية، وأعتقد أنّ كلّ التّناقضات والخلافات لابدّ أن تنتهي لصالح هذه الانتفاضة حتى يرتدع هذا العدوّ الذي يعتقد أنّ أهل بيت المقدس وحيدون في هذه المعركة. نلاحظ أنّ هناك صمتا غربيّا رهيبا تجاه هذه الانتفاضة الفلسطينية الثالثة. ما هو تفسيرك لذلك؟ - بالنسبة إلى العالم نحن نتوقّع ذلك.. فعلى مدى أكثر من سبعين عاما كان الصّمت الغربي والأجنبي مستمرّا، وهو صمت مقصود، ولا يعود لغياب صورة أو معلومات، وإنّما هدفه دعم إسرائيل وتمكينها من أرضنا.. ولكن غير المفهوم وغير المقبول هو الصّمت العربي، ودعني أقول التخاذل العربي.. هذا لا يجوز على الإطلاق.. هذه المعركة هي معركة الأمّة على أرض الأمّة وعلى مستقبل الأمّة. إذن، ما هو المطلوب عربيّا وإسلاميّا خاصّة، لإنقاذ القدس ودعم هذه الانتفاضة؟ - أعتقد أنّ هناك على المستوى الرّسمي إمكانيات للعمل كبيرة جدّا جدّا جدا، سياسيّة وإعلاميّة واقتصاديّة وبرلمانيّة على مستوى التّمثيل البرلماني في الدّول العربيّة. هناك هذا الجانب الرّسمي.. وهناك أيضا الجانب الشعبي والأهلي وأعتقد أنه لا يقلّ أهميّة عن الجانب الرسمي.. فقوّة الرأي العام الآن في العالم هي كقوّة السّلاح وأكثر.. وبالتالي نحن نريد أن يكون للطّائر الذي يطير في سماء فلسطين لدعمها ومساندتها جناحان، رسميّ وشعبيّ.. وكُلّ يستطيع أن يخاطب الولايات المتّحدة التي تتّخذ موقفا منحازا، ومؤخرا على سبيل المثال قدّمت لإسرائيل المعتدية التي تقتل الأطفال وتنتهك حقوق الإنسان ويكذب رئيس وزرائها ويزوّر التاريخ مليار دولار، وهي أموال تتدفّق بلا حساب.. وسلاح يتدفّق بلا حساب.. وقرارات ودعم سياسي للعدوان الإسرائيلي بلا حساب.. إنّما أن يأتوا على شعبنا المظلوم ويعاقبوه أيضا اقتصاديّا ويستعملوا حقّ النّقض 42 مرّة ضدّه، فأعتقد أنّ هناك خللا في الموقف الأمريكي. إذا كنّا نريد أن تكون الولاياتالمتحدة دولة صديقة لنا فلابدّ من حوار واضح وشفّاف، ما علينا من واجب نقوم به، وما لنا من حقوق نأخذه وما عليهم من واجب يقومون به وما لهم من حقوق نعطيها لهم.. إنّما أن يكون الأداء من طرف واحد فقط هو الطّرف العربي أعتقد أنّه آن الأوان لتغيير هذه المعادلة لتكون صداقة مبنيّة على النّدّيّة. لكن إلى أين تسير الأمور حاليا؟ - هذا سؤال صعب. فالذي أطمئنّ له تماما أنّ الشّعب الفلسطيني متماسك وهو يقاوم على أرضه ويدافع عنها بكلّ بسالة وشجاعة ولن يتخلّي عنها مهما كان الثّمن ومهما كنت الضّريبة.. هذا سؤال لابدّ أن يطرح على الأمّة العربيّة. تحتفل الجامعة العربية الآن بمرور سبعين سنة على تأسيسها.. هذه الجامعة التي يُقال عنها كلام كثير حول العجز والجمود.. كيف تردّ على هذا الكلام وأنت الذي عملت مدّة طويلة في الأمانة العامّة للجامعة؟ - أقول لك بكلّ صراحة. الجامعة العربيّة هي مرآة للدول العربيّة، لا يوجد شيء اسمه الجامعة العربية تنفّذ هي كلّ شيء.. الجامعة العربيّة إذا قصدنا الأمانة العامّة والمبنى فهي لا تقدّم شيئا لأنّه ليس لديها إمكانات السّلاح والمال والإعلام والعلاقات الدّوليّة.. إنّما هذا يعكس موقف الدّول العربية. ويستسهل الكثيرون بأنّها الجامعة العربيّة في إشارة إلى الجميع.. وهذا أمر يحتاج إلى تدقيق لأنّ من لم يقم بتنفيذ القرارات الدولية هو الذي يُدَانُ في الجامعة العربية. حضرت الندوة التي نظمها مركز تونس لجامعة الدول العربيّة التي عنوانها «جامعة الدّول العربيّة، سبعون عاما من العمل العربي المشترك، تكريما للأستاذ الشاذلي القليبي الأمين العام الأسبق للجامعة (1979 - 1990)»، فكيف كانت هذه النّدوة التي قدّمت فيها مداخلة حول الجامعة والقضيّة الفلسطينيّة؟ - كانت ندوة في غاية الأهميّة.. وهذه النّدوة تأتي في الذّكرى السّبعين لتأسيس الجامعة العربيّة. وهناك أقوال كثيرة عن التطوير والتحديث.. ووضع العالم العربي أصبح في شكل لا يقبله أحد ولابدّ أن يكون هناك دور للمثقّفين والأكاديميّين ورجال الفكر في دراسة وإعداد أبحاث في كيفيّة التطوير.. وطبعا بالإضافة إلى السياسيّين.. مثل ما قامت به تونس في هذه النّدوة، وقدّمت مجموعة من شبابها المفكّر والواعد الذي يدرس منزّها عن الهوى، وضعوا أفكارا ودراسات تستحقّ التّقدير. هذا النّموذج الذي حدث في تونس لابدّ أن يتمّ في كلّ دولة عربيّة.. لابدّ أن يتقدّم شباب الباحثين والمفكّرين والسياسيّين العرب في ندوات لوضع علاج لمشاكل الجامعة العربيّة ولابدّ أن نضع نتائج هذه الكفاءات أمام مسؤولين حتى نخرج بنموذج لتطوير الجامعة من خلال حصيلة فكر وإعداد ودراسة واجتهاد علمي حقيقيّ، وليس اجتهادا سياسيّا وليس اجتهادا لأهواء بعيدة. أقول هذا الكلام لأنّنا بحاجة إلى الجامعة العربية وهي ضرورة قصوى لابدّ من تطويرها، وهذا التّطوير يأتي من خلال العلم والفكر وبالتالي هذه الندوة كانت هامّة ونرجو أن تتكرّر وأن تخرج في وثيقة وأن تعالج قضيّة الجامعة لأنّ الجميع في هذا الوضع يلوم الجامعة العربيّة لكن المسؤول عمّا يحدث هي الدّول العربيّة. وقد طرح الدكتور حسن نافعة فكرة أنا معها تماما وكنت سأقولها منذ البداية.. أنا في حديثي في البداية تحدّثت عن دور المفكّرين والباحثين وعن تطوير الجامعة العربيّة من خلال هؤلاء وأن يكون هناك سوار من منظّمات المجتمع المدني حول الجامعة العربيّة لحمايتها. أقول نحن بحاجة إلى الدّول القاطرة التي تقود الجامعة العربيّة، بعد أن يتمّ الاتّفاق والتّوافق وإقرار اللّوائح والأنظمة... هذا ما يحدث في الاتحاد الأوروبي، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا... وهذا ما يحدث في دول شمال أمريكا، أمريكا والمكسيك وكندا.. وهذا ما يحدث في كلّ المنظّمات في العالم، فعلينا أن نجد الآن حلاّ لمشاكلنا.. طبعا الصّورة قاتمة.. الأوضاع في بعض دولنا العربيّة المركزيّة صعبة للغاية، فكيف نخرج بفكر جديد؟ هذه مسؤولية المفكّرين، وأعتقد أنّ هذه النّدوة تستحقّ التّقدير، ولتونس التي استضافتها الشّكر، وللقائمين عليها أيضا الشّكر، فهي نموذج طيّب. من أيّة زاوية نظرت إلى تكريم الأستاذ الشاذلي القليبي في هذه النّدوة؟ - استمعنا إلى مداخلات ونقاش.. واستمعنا إلى كلمة ومحاضرة الأستاذ الشاذلي القليبي ضمّنهما بعض تجاربه وخبراته، استفدنا منها، فهو رجل فكر وسياسة وأدب، قدّم أيضا أفكارا ممتازة تستحق أن تنضمّ إلى هذه الكوكبة من العلماء والباحثين على مستوى الوطن العربي.. إنّه يستحقّ أكثر من تكريم على خدماته الجليلة والكبيرة للأمّة العربيّة والقضايا العربيّة وللعروبة التي تفخر به باعتباره فارسا أصيلا من فرسانها في هذا الواقع العربي الصّعب. على ضوء تطوّرات الأحداث في فلسطين المحتلّة كيف ترى مستقبل القضيّة الفلسطينيّة؟ - ستبقى هذه القضيّة معنا وقد كانت في الماضي معنا.. ولن تستقرّ المنطقة ولن يكون هناك سلام على أرض فلسطين إلاّ إذا نال الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة. لقد حاولوا بكلّ السّبل إبعاده عن قضيّته وأرضه واتّهموه وقاتلوه ونَفُوهُ ودمّروا بيوته وسلبوا أرضه ولكنّه صامد كزيتون فلسطين وصخر فلسطين وجبال فلسطين.. هو الضّمانة الحقيقيّة، وأجيال متدافعة تحمل الرّاية للدّفاع عن مقدّساتنا وعن الأرض الفلسطينيّة. وكيف ترى المستقبل العربي؟ - هذا أيضا سؤال يحتاج إلى أن تطرحه أوّلا على أحزابنا جميعا وعلى مفكّرينا وكتّابنا وأصحاب الرّأي فينا وسياسيّينا. اسأل جميع هؤلاء ليعطوك إجابة واضحة إلى أين المسير؟ وأعتقد أنّني بطبعي متفائل، وأقول إن شاء الله إلى الخير. كيف ترى العلاقات التونسيةالفلسطينية؟ - هي طبعا علاقات قويّة وتاريخيّة.. وهي علاقات محبّة، وهي ليست جديدة منذ أن تحرّك المغاربيون في الدفاع عن فلسطين مبكّرا إلى يومنا هذا. واحتضنت تونس جامعة الدّول العربيّة ومن ثمّ احتضنت الثّورة الفلسطينية عندما كانت في مأزق تاريخي بعد الحرب على لبنان عام 1982. والشّعب الفلسطيني يكنّ للشعب التونسي كلّ التّقدير والعرفان، ولن ينسى هذا الموقف أبدا لشعب تونس النّبيل. هل فكّرت في كتابة مذكّراتك وقد عشت أحداثا كثيرة وخطيرة وعاصرت شخصيات وقيادات كبيرة؟ - إن شاء الله يعطيني العمر والقوّة لنشر مذكّراتي.. ولابدّ أن يتمّ ذلك.. وأنا لي أكثر من مشروع وسأبدأ بالحركة الطلاّبيّة الفلسطينيّة التي كنت رئيسا لها في فترة زمنيّة وكانت الحركة الطلاّبيّة العربيّة في ذلك الحين قويّة ولها بصمات واضحة ولها تأثير واضح في الحركة الطلاّبيّة على مستوى العالم العربي. وكان لنا تواصل مع اتحاد طلاّب تونس واتّحاد طلاّب الجزائر واتّحاد طلاّب المغرب، كنّا نتعاون تعاونا صادقا على المستوى الدّولي. هل من كلمة أخيرة في خاتمة هذا الحوار؟ - كلمة أخيرة، أقول: نتفاءل ونعتمد على شبابنا وأن ندعم دعما كاملا المواطن العربي، لأنّه بدون المواطن العربي لا يوجد بناء ولا يوجد تقدّم ولا توجد تنمية. علينا أن نهتمّ بمواطننا، تعليما وصحّة وديمقراطية وقوّة تعبير وألاّ نغلق الأبواب في وجه أجيالنا أبدا أبدا، لأنّ ذلك سيرتدّ علينا سلبيّا قطعا إن لم نقم بما يجب القيام به نحو أجيالنا.