هل يمكن اعتبار فتيل الخلاف في «نداء تونس» خمدت شرارته وخلدت إلى استراحة مؤقتة بعد أن تخلّى النوّاب المعلقة استقالاتهم عن «شهوة» الاستقالة الصريحة؟ الاحتمالات بأنواعها تبقى قائمة، إذ تتحكّم الأهواء والأمزجة والحسابات والمصالح في طبيعة الخلاف داخل هذه الحركة المخيّبة لآمال أغلبية عريضة من التونسيين من مختلف الانتماءات السياسية أو من عامة الشعب المنهك نفسيا والمصاب في قوته وفي أحلامه. كأنّنا بشقّ الملوّحين بالاستقالة ثمّ المعلّقين لها يعيشون لحظات المكابرة الأخيرة، فمن ناحية هم يرفضون الإذعان لمنطق الانقلاب وسياسة فرض الأمر الواقع بمنطق الغاب ومن ناحية أخرى يعزّ عليهم التورّط في المشاركة في حفر قبر عزيز عليهم، لذلك هم علقوا استقالاتهم إلى حين انعقاد اجتماع المكتب التنفيذي للحزب يوم 22 نوفمبر الجاري بل لعلّهم مازالوا طامعين في التئام الشمل من جديد باحتمال تراجع فريق حافظ قائد السبسي عن مخطّط الإطاحة بشرعية موثقة، خصوصا أنّ نجل رئيس الجمهورية بدّد خلال ظهوره التلفزي المخاوف بخصوص تثبيت شجرة التوريث أو نوايا الترشّح لمنصب قيادي في الحركة. وعلى اعتبار أنّ حافظ قائد السبسي بدا نقيّ السّريرة مُعافى من حمّى السلطة والتسلّط فإنّ المعادلة تصبح أكثر لينا وقابلية للنقاش والفهم والمراجعة. هذا المعطى قد يكون مساعدا لشق ال31 للاعتقاد بجدية في حقيقة ظهور مؤشّرات وفاقية واعدة. حالة «السّلم» المؤقّتة بين شقّي «النداء» تتراوح حرارتها بين موعدين حاسمين: ففي حين يصرّ شقّ محسن مرزوق على أنّ مؤتمر «النّداء» لابدّ أن يكون انتخابيا ويتمّ عقده في مارس 2016 على أقصى تقدير يتمسّك شقّ حافظ قائد السبسي بعقد هذا المؤتمر في ديسمبر 2015 بصفة تأسيسية. فالحسم في طبيعة المؤتمر تبدو مسألة دقيقة وقد تعرقل مساعي الصلح بين الطرفين رغم أنّ هناك أطرافا تدفع في اتجاه تحسين شروط التفاوض عبر إجبار طرفي النزاع على تقديم تنازلات من أجل الحفاظ على وحدة الحزب، كعدم اعتماد ما جاء في الوثيقة المسرّبة عن اجتماع الهيئة التأسيسية بتاريخ 12 نوفمبر الحالي من تكليف حصري لسلمى اللّومي بالإشراف الإداري والمالي على تسيير شؤون الحزب، الأمر الذي اعتبر اعتداء من الخلف على محسن مرزوق ومحمد الناصر تماما كضرورة أن يختار محسن مرزوق مسلكا معبّدا يقود إلى الالتفاف على الخلافات ومحاولة تجاوز ما يمكن تجاوزه بالحوار والمفاوضة بعيدا عن شعارات التلويح بالتقاضي والتظلّم من الأصدقاء سابقا.