سعيد يجتمع بعدد من الوزراء ويؤكد على اهمية اصلاح التربية والتعليم    سلطات مالي تعلن تحرير 4 سائقي شاحنات مغاربة    من مسبح المرسى الى سماء العالمية ..أحمد الجوادي قاهر المستحيل    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    دراسة.. مواد غذائية بسيطة تقلل خطر السرطان بنسبة تقارب 60%    شبهات التلاعب بالتوجيه الجامعي ..فرقة الجرائم المعلوماتية تلاحق الجناة    سفنه تنطلق من تونس يوم 4 سبتمبر .. 6 آلاف مشارك في أسطول الصمود إلى غزّة    عاجل/ واشنطن تعتزم فرض شرط جديد للحصول على تأشيرة عمل أو سياحة..    أخبار الحكومة    بلاغ رسمي للملعب التونسي    أخبار النادي الصفاقسي .. حصيلة ايجابية في الوديات.. وتحذير من الغرور    بنزرت الجنوبية: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    المدير الجهوي للتجارة بنابل ل«الشرق» استقرار في التزويد.. وجهود لضبط الأسعار    تونس: تجميع أكثر من 11,7 مليون قنطار من الحبوب إلى غاية نهاية جويلية 2025    النجم الساحلي يتعاقد مع الظهير الايسر ناجح الفرجاني    النادي الصفاقسي يعلن رسميا تعاقده مع علي معلول الى غاية 2028    الدكاترة المعطلون عن العمل: ضرورة توفير خطط انتداب ب5 آلاف خطة    ليلة الاثنين: بحر مضطرب بالسواحل الشرقية والشمالية    القصرين: العثور على جثة كهل تحمل آثار عنف    المنستير: تظاهرة "فنون العرائس على شاطئ روسبينا" في دورتها الثانية بداية من 15 أوت 2025    مهرجان العروسة: جمهور غاضب وهشام سلام يوضح    وزير السياحة: سنة 2026 ستكون سنة قرقنة    التعاون بين تونس وإيطاليا : طاقة التفاوض وفوائض الطاقة    بطولة افريقيا للشبان لكرة الطاولة بنيجيريا: المنتخب التونسي يختتم مشاركته بحصد 8 ميداليات منها واحدة ذهبية    القصرين: سواق التاكسي الفردي يتوجهون نحو العاصمة سيرًا على الأقدام تعبيرا عن رفضهم للقائمة الأولية للمتحصلين على رخصة "تاكسي فردي"    مهرجان نابل الدولي 2025... تكرار بلا روح والتجديد غائب.    رونالدو يتحوّل إلى صانع القرار في النصر... ويُطالب بصفقة مفاجئة    488 تدخل للحماية المدنية في 24 ساعة.. والحرائق ما وقفتش!    التوجيه تحوّل لكابوس: شكون تلاعب بملفات التلامذة؟    أمطار وبَرَدْ دمّرت الموسم: الزيتون والفزدق والتفاح شنيا صار؟!    عاجل: ''تيك توك'' تحذف أكثر من 16.5 مليون فيديو ودول عربية في الصدارة    ماء في الكميونة يعني تسمم وأمراض خطيرة؟ رّد بالك تشرب منو!    التوانسة حايرين والتجار زادا مترددين على الصولد السنة!    عاجل: الاتحاد العام التونسي للشغل يردّ على تهديدات الحكومة ويؤكّد حقّ الإضراب    الدلاع راهو مظلوم: شنوة الحقيقة اللي ما تعرفهاش على علاقة الدلاع بالصغار؟    في بالك ...الكمون دواء لبرشا أمرض ؟    والد ضحية حفل محمد رمضان يكشف حقيقة "التعويض المالي"..    نواب ديمقراطيون يحثون ترامب على الاعتراف بدولة فلسطين..#خبر_عاجل    سليانة: رفع إجمالي 275 مخالفة اقتصادية خلال شهر جويلية    وزارة الأسرة تؤمن مواكبة 1200 طفل من فاقدي السند ومكفولي الوزارة عرض La Sur la route enchantée ضمن الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي    استشهاد 56 فلسطينيا برصاص الاحتلال خلال بحثهم عن الغذاء    بنزرت: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    القبض على "ليلى الشبح" في مصر: سيدة الذهب والدولارات في قلب العاصفة    "روبين بينيت" على ركح مهرجان الحمامات الدولي: موسيقى تتجاوز حدود الجغرافيا وتعانق الحرية    إصابة عضلية تبعد ميسي عن الملاعب ومدة غيابه غير محددة    جريمة مروعة تهز دمشق: مقتل فنانة مشهورة داخل منزلها الراقي    عاجل/ خلال 24 ساعة: استشهاد 5 فلسطينين جراء الجوع وسوء التغذية..    محمد عادل الهنتاتي: مصب برج شاكير كارثة بيئية... والحل في تثمين النفايات وتطوير المعالجة الثلاثية    البحر ما يرحمش: أغلب الغرقى الصيف هذا ماتوا في شواطئ خطيرة وغير محروسة    جريمة مروعة: امرأة تنهي حياة زوجها طعنا بالسكين..!!    تحذير طبي هام: 3 عناصر سامة في بيت نومك تهدد صحتك!    عرض "خمسون عاما من الحب" للفنانة الفرنسية "شانتال غويا" في مهرجان قرطاج الدولي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    من بينها السبانخ.. 5 أطعمة قد تغنيك عن الفيتامينات..تعرف عليها..    تاريخ الخيانات السياسية (35): المنتصر يقتل والده المتوكّل    اعلام من باجة...سيدي بوسعيد الباجي    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد عياض الودرني ل «التونسية»:ما جرى في تونس لا يخرج عن سياق دولي واضح
نشر في التونسية يوم 17 - 03 - 2016


تونس تدفع فاتورة المماطلة في المصالحة
على العائلة الدستورية الوعي بحقائق العصر الجديدة
أقول للتونسيين: «عند التوجّه إلى القبلة ولّوا وجوهكم إلى مكّة وعند التوجّه إلى التقدّم والعمل ولّوا وجوهكم إلى طوكيو»
الزمن أثبت حاجة البلاد إلى كفاءاتها السابقة
أمام الحكومة صعوبات أكثر من المساندة التي وراءها
لا أحد يقدر على إخماد روح اتحاد الشغل
حوار: أسماء وهاجر
بعد 5 سنوات من الثورة مازالت بلادنا تعيش على وقع اتهام نظام بن علي والحديث عن تركته وتركة بورقيبة وعلى وقع ما يفرزه المشهد السياسي من تجاذبات لم تزد المشهد الا تعقيدا في وقت يحاول فيه الإرهاب زعزعة أركان الدولة في ظل وضع اقتصادي متأزم وبطالة فاحشة ليظل التهميش سيد الموقف وليزداد الوضع ضبابية خاصة في ضوء ادعاء من يسميهم بعض السياسيين ب«شياطين الأمس» أنه جزء من الحلّ ومحاولات تدجين الثورة.
في هذا الوضع الصعب، أكد الدكتور عياض الودرني – أستاذ علم الاجتماع والتصرف في الموارد البشرية اصيل بن قردان ثم مستشار أول للرئيس بن علي، ووزير تربية ثمَ وزير مدير الديوان الرئاسي سابقا.
في حوار «التونسية» معه أننا اليوم لازلنا نبحث عن الحداثة العميقة والحقيقية التي طلّقتها حضارتنا منذ حرق كتب ابن رشد وقتله. مشيرا إلى أنّ التطرّف يتملّك الجانبين، جانب يوغل في الظلامية والآخر يوغل في نكران الهوية الثقافية والحضارية وأن تونس اليوم تدفع ثمنا غاليا لعدم الإسراع بمصالحة حقيقيَة شاملة تسمح لها بأن تتوجه بكل قواها إلى المستقبل وأن هناك حاجة ملحة الى وحدة حقيقية متراصة. يتساءل البعض اليوم بعد مرور 5 سنوات على 14 جانفي 2011: هل ما حدث في تونس ثورة تلقائية أم من صنع مخابرات عالمية؟ كيف تقرؤون تفاصيل الثورة التونسية؟
- شكرا لجريدة «التونسيَة» وتحياتي لقرَائكم الكرام. سؤال كبير جدَا هذا السَؤال !
أوَلا أريد أن أوضّح وفقا لما هو متعارف عليه في علم الاجتماع السَياسي، انَ الثَورات لا تكون تلقائيَة بل مؤطَرة ووراءها قيادة أو قيادات «تفتكَ» السلطة وتطبَق برنامجها. وليس هذا ما حدث في تونس. من جهة أخرى المخابرات العالميَة، كما أشرتما، لا تصنع الثورات بل تدبَر الانقلابات بالتَنسيق مع عملائها وحلفاء بلدانها أو بالتَلاعب بهم أو ببعضهم. وهذا ما لم يثبت إلى حدَ الآن بصورة قاطعة رغم ما سال حوله من حبر كثير.
ثانيا، في نظري تونس شهدت على مدى السَنوات الأخيرة قبل 14 جانفي 2011 انتفاضات اجتماعيَة متتالية أهمَها انتفاضتي الحوض المنجمي وبن قردان، وآخرها بداية من 17 ديسمبر 2010 بسيدي بوزيد: مطالبها التشغيل وإحداث مواطن الرزق والاستثمار بالجهات الدَاخلية وتطوير البنية التَحتيَة والمرافق العامَة بها... كان الشَباب العاطل عن العمل هو أهمَ عنصر فيها. تحرَكات تلقائيَة أحيانا ومؤطَرة نقابيَا أو سياسيَا أحيانا أخرى... لكن لابدَ من التَذكير بأنَ العشريَة 2000 - 2010 كانت عشريَة صعبة: ضربة 11 سبتمبر 2001 بنيويورك، ونتائجها الكارثيَة على السَياحة التونسيَة والنَقل الجوَي والاستثمار بتونس؛ (مثلما هو الحال اليوم منذ الاعتداء على باردو). تلتها ضربتان إرهابيَتان بالغريبة بجربة ثمَ بسليمان. مما زاد الطين بلَة،.. أضف إلى ذلك ما حدث من أزمات عالميَة خلال السَنوات الخمس الأخيرة من تلك العشريَة، وأهمَها الأزمة العقاريَة في أمريكا ثمَ أوروبا، والتي أطاحت ببنوك كبرى وبأسعار أهمَ البورصات، وكانت سببا أساسيَا في تجميد المشاريع الاستثماريَة الكبرى بتونس مثل سماء دبي وبوخاطر والمدينة الرياضيَة؛ التي تسعى الحكومة اليوم إلى استئنافها بدعم كبير من رئيس الجمهوريَة.
ولا ننسى الأزمة الماليَة أواخر العشريَة والصعود الصاروخي لسعر النفط ليقارب 140 دولارا للبرميل الواحد. إلى غير ذلك من العوامل...كما أريد أن أذكّر بشيء لم يعد يذكره أحد، ويهمّ التصاعد الكبير لعدد حاملي الشهائد العليا ضمن العاطلين عن العمل سنة 2009 بالذات. فقد نسي البعض أو تناسوا أنَ تلك السنة كانت سنة التخرج لدفعتين من طلبة التعليم العالي في نفس الوقت: دفعة نظام الأستاذيَة القديم (4 سنوات) ودفعة نظام (إمد) الجديد (3 سنوات)، فإذا بسوق الشغل يستقبل في مرة واحدة حوالي 140 ألف طالب شغل جديد من حاملي الشهائد العليا في تلك الظروف العالميَة والوطنيَة الصعبة. ورغم كل ذلك حافظت البلاد على توازناتها ولم تسقط مؤشَراتها الاقتصاديَة والتَنمويَة ولا ترتيبها في مؤسسات الترقيم العالميَة بفضل إدارة مقتدرة ورجال دولة خدموا بلادهم بكلَ وطنيَة وكفاءة وتفان. طبعا هذا لا يحجب ما شهدته تلك العشريَة من تململ سياسي بسبب انحسار الحرَيًات والضَيق الديمقراطي وتهميش دور الحزب الحاكم آنذاك «التجمع الدستوري الديمقراطي» وخاصة شبابه الذي «تنتفع» منه أحزاب قائمة اليوم.
وحتَى لا أغفل الجزء الثًاني من السؤال، فإن ما جرى لا يخرج عن سياق دولي واضح وثابت محوره سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية. وبرنامجها الاستراتيجي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو ما ذكرته بكلَ وضوح «هيلاري كلنتون» وزيرة الخارجيَة الأمريكيَة آنذاك ومرشَحة الحزب الدَيمقراطي اليوم للبيت الأبيض، في مذكَراتها “Hard Choices” –الخيارات الصَعبة- ( الصادر بنيويورك سنة 2014 ) في الفصل 15 الذي خصَصته لما سمّته بالرَبيع العربي (في الحقيقة ربيع أمريكا) حيث روت بالخصوص تفاصيل جولتها الأخيرة بالشرق الأوسط والتي انتهت بمداخلة لها يوم 13 جانفي 2011 بالدوحة في مؤتمر جمع الكثيرين من نشطاء الدول العربية. وقد بينت خلال ذلك الفصل من كتابها الترابط الواضح لحلقات التدخل الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وذلك في إطار مرسوم منذ مدة طويلة، كانت من محطاته الأخيرة كلمة الرئيس أوباما في القاهرة سنة 2008 وتسريبات ويكيليكس في نوفمبر 2010. وهذا في حد ذاته موضوع يستحق الدرس والتعميق للنظر في أدوات التدخل المختلفة الاستخباراتية والإعلامية وغيرها التي وظفت لتنفيذ هذا البرنامج.
إثر 14 جانفي 2011 كان شعار المرحلة هو الخروج من دولة العائلة الى دولة الحقوق والحريات. ماذا تحقق منها في نظركم؟
- منذ الاستقلال إلى اليوم هناك دولة واحدة، دولة النظام الجمهوري، دولة الدستور ودولة القانون ودولة يقوم على شؤونها رجال دولة. صحيح أن البلاد عرفت في فترات مختلفة انحرافات بتأثير لوبيات جهوية في فترة ما أو بنفوذ عائلي كما أشرتما. كما عرفت نقصا ديمقراطيا وفي مجال الحريات. لكن الدولة هي التي بقيت بمؤسساتها وإدارتها وتنظيمها ورجالها وأنقذت البلاد من مخاطر الفوضى العارمة وعدم معرفة بعض من تولى شؤون البلاد بالتسيير وقواعده. ومازالت الدولة التونسية رغم كل هذا أكبر مكاسب الاستقلال. أما عن الحقوق والحريات فقد تحققت اليوم فيها مكاسب كبرى لابد من حمايتها من الفوضى ومن سوء الاستعمال أو ركوبها بدعوى الثورجية والمس من حقوق أساسية ومبادئ كونية ومن أخلاق التعامل المدني والتعايش السلمي بين المواطنين وبين الفئات والجهات.
بعد شيطنة الاستنجاد بخبرات بن علي ما سر هذا التحول إزاءهم، كيف تفسرون التغيير الحاصل؟
- الزمن كان كفيلا بأن يشعر المواطن الذي يعيش اليوم أوضاعا صعبة ويشاهد كل يوم التراجع الخطير للحالة الاقتصادية وعزوف المستثمرين وتعطل الإنتاج وتعطيله أحيانا وتصاعد التوتر الاجتماعي في عديد القطاعات والجهات إلى جانب غلاء الأسعار والتهديدات الإرهابية إلخ... كان ذلك كفيلا بأن يشعر المواطن بحاجة البلاد إلى كفاءاتها السابقة للمساعدة على الإنقاذ.
وهو تغير طبيعي بعد فترة أولى شهدت كثيرا من التجني على تلك الكفاءات من خلال أحكام جماعية بالفساد، والظلم، ووو.. لكن تبين العكس وفهم الكثيرون بما في ذلك العقلاء في مؤسسات الحكم اليوم أن تونس بحاجة إلى جميع أبنائها وأن في الإقصاء خسارة كبرى للبلاد.
وأنا أعتقد أن تونس اليوم تدفع ثمنا غاليا لعدم الإسراع بمصالحة حقيقيَة شاملة تسمح لها بأن تتوجه بكل قواها إلى المستقبل ولا أرى حلا فعليا ناجعا بغير ذلك.
أين هيبة الدولة اليوم هل استرجعها الباجي قائد السبسي كما وعد أم أنّ هناك خيبة في استعادتها؟
- كلمة هيبة الدولة في نظري مجرد شعار، بالنسبة لي هيبة الدولة في ترسيخ دولة القانون. لأن قوة الدولة بقوة القانون وشرعية مؤسساتها هي أيضا بقوة القانون. والحقوق والواجبات يقرها القانون ويصونها ويحميها. هذه هي هيبة الدولة لا غير. والطريق أمام تونس في هذا المجال مازالت طويلة لأن تكريس كل هذا يتطلب تحولات ثقافية عميقة لم تترسخ كلها بعد.
بعض المحللين يرون أن الإرهاب هو نتاج مدرسة بن علي وإعلام بن علي ومساجد بن علي وثقافة بن علي وسياسات بن علي التنموية، أين الصواب وأين المبالغة في ذلك ؟
- هذا الكلام مردود على أصحابه لأسباب عدة : أولا، الإرهاب ليس ظاهرة تونسية بل دولية. ثانيا، جذوره أيضا دولية وضاربة في تاريخ منطقتنا العربية والإسلامية والعالم. ثالثا، فترة الزعيم الراحل بورقيبة، رحمه الله، وفترة الرئيس السابق بن علي، شهدتا الإرهاب في حوادث قليلة منفردة، وسط عالم كان يشهد هذه الظاهرة تتفاقم في شكل موجات متعاقبة من الشرق الأوسط ومصر (اغتيال السادات) والجزائر وأفغانستان ثم العراق... رابعا، تونس كانت فعلا محمية بأمنها وجيشها وسياساتها الوقائية من تفاقم هذه الظاهرة. خامسا، ما على من يريد أن يفهم أو يقارن إلا أن يبحث في الأسباب المباشرة وغير المباشرة للتصاعد الغريب لهذه الظاهرة في تونسمنذ أول الأحداث الإرهابية سنة 2011 وتواترها في ما بعد إلى حد ما وقع أخيرا في بن قردان. أما تفسيرها بسياسات الفترة السابقة فهو مدعاة للضحك ولا يأخذه أحد مأخذ الجدّ.
ما رأيك في استراتيجية الدولة في الحرب على الارهاب في ظل حديث عن بقاء جمعيات مشبوهة تمول الارهاب؟ وماذا بعد هزيمة الإرهابيين الأخيرة في بن قردان؟
- في البداية أشير إلى أني لم اطلع على استراتيجية الدولة في الحرب على الإرهاب ومن الطبيعي أن تبقى سرية في نطاق الهياكل الساهرة على تنفيذها والعكس هو المستغرب، ولذلك ليس لي رأي فيها إنما عندي انطباع من خلال ما نراه اليوم أنها بدأت تثمر نتائج إيجابية على الميدان بكشف المخبّأ وعدد من العمليات الاستباقية الناجحة والايقافات المثمرة والتصدي القوي مثلما تم في بن قردان أخيرا رغم حجم العدوان، وهي فرصة لنترحم على جميع شهداء الوطن وتوجيه تحية إكبار لجيشنا الوطني ولكافة قوات الأمن الداخلي. وأضيف بالخصوص تحية متميزة لمواطني بن قردان وشجاعتهم التي أثبتوا بها أن ليس للإرهاب حاضنة في تونس. لكن أحداث بن قردان ليست نهاية المطاف في هذه الحرب وعلى الجميع، جميع الأطراف الوقوف حزمة واحدة أمام هذا الخطر الداهم وتطوير سلوكيات اليقظة. إنه الوقت الملائم لتفعيل مبادئ الدفاع الشامل الذي يتقاسم فيه الجميع مسؤولية أمن البلاد.
هناك من يرى أن هناك شيطنة ممنهجة لحركات الاسلام السياسي وخاصة حركة «النهضة» بهدف تقليص حظوظ هذه الحركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة - وتونسة السيناريو المصري. ما تعليقك؟ وماذا عن قيام «النهضة» بمراجعات في مؤتمرها القادم وتخليها عن الجانب الدعوي في حين أن البعض يرى في ذلك مجرد خطاب تسويقي لا غير؟ ما رأيكم ؟
- من الأجدر طرح هذا السؤال على من يقوم بتلك الشيطنة. أما بالنسبة لي كملاحظ من خارج المنظومة السياسية القائمة ليست له صلات بحزب حركة «النهضة» ولكنه يتابع ما يجري في البلاد، فإني أرى أنّ قيادتها تغير تدريجيا خطابها، ولكن الصحيح سنعرفه عندما يصدر مؤتمرها لوائحه وسؤالي الكبير هنا هل ستفصل بين الدين والسياسة وتقر بأنها حزب مدني؟ عندها سيكون لكل حادث حديث.
العائلة الدستورية تلم شملها، العائلة الدستورية تستعد للعودة الى المشهد السياسي لكن اغلب المبادرات فشلت إلى حدّ ما؟ لماذا حسب رأيكم؟
- فعلا العائلة الدستورية مشتتة وجزء منها موجود في أحزاب قائمة منها من هي في الحكم. والبحث عن سبل التجميع مطلب من قبل طيف واسع من هذه العائلة بمختلف أجيالها بعد أن قام الكثيرون بمراجعاتهم الذاتية وبتقييم بعض التجارب التي لم تتمكن من الانتشار والحضور الفاعل في الحياة السياسية. ويبدو لي أن الوقت قد حان لكل هؤلاء الحاضرين الغائبين والمطلوب أن يعوا على الأقل بثلاث حقائق : أولا، بلادنا تغيرت بعمق والعالم من حولنا كذلك، فلابد أن نتغير بنفس العمق. ثانيا، لم يعد من حق القوى الوسطية اليوم ببلادنا البقاء على هامش الفعل خصوصا أن الخط الذي تقوم عليه الخارطة السياسية لم يعد ذلك الخط التقليدي من اليسار إلى اليمين، بل أصبح بحكم ما نشهده كل يوم، خطا جديدا ينطلق من نقطة الحداثة إلى نقطة «اللاحداثة» وهو خط سياسي حضاري يلخص أكبر التحديات القائمة أمامنا في هذا العصر.
الحداثة العميقة والحقيقية والتي طلّقتها حضارتنا منذ حرق كتب ابن رشد وقتله. على هذا الخط أفهم الوسطية وأصنف التطرف في الجانبين، جانب يوغل في الظلامية والآخر يوغل في نكران الهوية الثقافية والحضارية. واليوم ووفاء لتراثنا الوطني والإصلاحي منذ القرن التاسع عشر زمن خير الدين مرورا بالطاهر الحداد ومحمد علي الحامي والثعالبي والزعيم بورقيبة والشهيد فرحات حشاد... لابد للدساترة، الآباء منهم والأبناء الذين عايشوا فترة التجمع الدستوري الديمقراطي مهما كانت النقائص، لابد لهم أن يعتبروا أنهم ليسوا وحدهم أمام تحدي تكريس الوسطية وبناء الحداثة وضرورة البناء عليهما للمستقبل والدخول في مرحلة جديدة وحاسمة نشيد فيها تونس الغد، تونس الأجيال الناشئة. وهو ما يستدعي التجميع مع الانفتاح على كل مكون سياسي أو اجتماعي أو مدني نتقاسم معه هذا المشترك. فالمعارك لا تكسب بالجنود منفردين بل بالجيوش متراصة.
أي مستقبل ينتظر ما تبقى من حركة «النداء»، هل ترون أنها قادرة على استعادة بريقها؟ وماذا عن كتلة «الحرة» هل هي قادرة أن تجد صدى لها أمام حدة الاستقطاب الثنائي؟
- سؤال يطرح على الندائيين بمختلف شقوقهم. لكن سياسيا كل شيء ممكن ولنا الكثير من الأصدقاء من الدساترة وغيرهم في هذا الحزب الفائز في الانتخابات الأخيرة، نشترك معهم في الرؤية الوسطية والنظرة إلى المستقبل والحرص على التوازن في البلاد. والمستقبل في تحقيق الحزمة الواحدة لا في صراعات الشقوق والشتات.
كيف تقيّمون اداء الحكومة الائتلافية، هناك من يدافع عنها ويعتبرها حكومة ذات رؤية، وأنه تتمّ محاربتها لأنها بصدد ضرب مصالح بعض اللوبيات؟
- الصعوبات التي أمامها لا تقابلها في الحجم المساندة التي وراءها. أعانها الله ووفقها.
لو طلب منكم مقارنة دور الاتحاد اليوم بدوره ايام بن علي. هل صحيح أن بن علي اخمد روحه وأنّ الثورة أعادت له بريقه؟
- لا أحد يقدر على إخماد روح اتحاد الشغل. ولم تفل من عزمها أزمات كبرى خلال الستينات ولا أحداث 1978 ولا أحداث الخبز 83 - 1984. أما في عهد بن علي فقد كان للاتحاد مكانة ودور لا ينكرهما صادق نزيه من خلال السياسة التعاقدية الناجعة والحوار الاجتماعي المسؤول الذي مكن من تحقيق العديد من المكاسب، حافظ بها الاتحاد على موقعه خلال أحداث جانفي 2011 وتمكن من البقاء في موقع متقدم لا فقط في الحوار الاجتماعي بل أيضا في الحوار السياسي وتحقيق التوافقات الضرورية لاستقرار البلاد. أشير إلى ذلك لأني كنت في شبابي خلال السبعينات نقابيا ولازلت من المؤمنين بأهمية العمل النقابي الصحيح في خدمة الشعب والبلاد.
أما اليوم فإني ألاحظ دخولا حتمته الظروف للعمل النقابي في دائرة العمل السياسي وهو في رأيي الشخصي أمر لابد من النظر فيه في مؤتمر الاتحاد القادم حفاظا على دوره الرائد منذ بعث أول نقابة تونسية «CGTT» في مناجم قفصة سنة 1909 بعد سلسلة من الاحتجاجات انطلقت منذ سنة 1905 كرد فعل على التمييز بين العمال الفرنسيين والعمال التونسيين في المناجم.
بعد أن تحرر الإعلام هل نجح في تطوير نفسه ام أصبح تحت سيطرة لوبيات المال والسياسة؟
- الإعلام له مؤسساته وهيئاته ورجاله ونساؤه والموكول لهم هو أن يحرروا أنفسهم بأنفسهم، بعد أن تحرر قطاعهم وأن يكونوا واعين بأهمية مبادئ العمل الإعلامي وأخلاقياته بكل عمق لأن في عملهم مصير بناء الرأي العام وقداسة دور الإعلام خبرا ورأيا وتحليلا.
ما هي توقعاتكم للمرحلة القادمة؟
- ليست نشرة جوية حتى أتحدث عن توقعات، لكني أشرت في أجوبتي السابقة إلى العديد من الأشياء التي تهم رؤيتي للمستقبل. أضيف إليها أنني رغم الصعوبات والتحديات لم أفقد التفاؤل. كما أشير إلى أنّه على كل التونسيين والتونسيات أن يتذكروا دائما أن تونس حالة وحيدة على مسار الحداثة في عديد الجوانب بالنسبة إلى محيطها العربي الإسلامي، وأنّ هناك الكثيرين الذين لا يعجبهم هذا ولن يتوقفوا عن السعي إلى شدنا إلى الوراء فلنعمل جميعا ومعا حتى لا نترك أمامهم سبيلا ليحققوا ذلك أو حتى ليطمعوا به. وأختم بمقولة لمهاتير محمد صانع تقدم ماليزيا « عند التوجه إلى القبلة ولّوا وجوهكم إلى مكة وعند التوجه إلى التقدم والعمل ولّوا وجوهكم إلى طوكيو».على هذا النهج يمكن أن نسير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.