بدأ السباق أمس نحو رئاسة الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب منحصرا بين مرشحة اليسار راضية النصراوي ومرشحي اليمين إيمان الطريقي وضياء الدين مورو حيث تواصل الجدل بين اعضاء مجلس نواب الشعب، طيلة الحصة الصباحية للجلسة العامة لانتخاب أعضاء الهيئة حول ما إذا كان انتخاب أعضاء الهيئة يتم بأغلبية الأصوات المقدر عددهم ب 109، أو بأغلبية الحاضرين خلال الجلسة الانتخابية، دون الحسم في ذلك. ودعا رؤساء الكتل البرلمانية، بعد رفع الجلسة، الى الاجتماع قصد النظر في مسألة اعتماد أغلبية الأصوات والأغلبية الحاضرة أو ترشيح المتحصلين على عدد أكبر من الأصوات مهما كان عددها، وللنظر أيضا في مسائل تقنية أخرى تعنى بالاجراء الانتخابي. وقد عبّر عدد من نواب المعارضة عن خشيتهم من أن تتم عملية انتخاب أعضاء هذه الهيئة عبر «المحاصصة السياسية لا الكفاءة» كما عبّرت الجمعيات المراقبة للانتخابات أن تكون المعركة قد حُسمت مسبقاً لصالح ضياء الدين مورو بسبب الدعم الكبير الذي يحظى به الرئيس السابق لجمعية المحامين الشبان من أعضاء كتلة حركة «النهضة» وهو ما يجعله أقرب لهذا المنصب من راضية النصراوي مرشحة «الجبهة الشعبية». وانطلق التنافس بين الإسلاميين واليسار في أروقة مجلس نواب الشعب حول ترؤس هيئة «الوقاية من التعذيب» منذ مدة باعتبار أن كل طرف يرى في نفسه الأحق تاريخيا بترأس هذه اللجنة بالنظر إلى حجم التضحيات التي قدمها كل طرف، خلال الحقبة السابقة. ويعتبر نواب «الجبهة الشعبية» أن راضية النصراوي هي الأقرب لرئاسة هذه الهيئة الدستورية نظرا لتاريخها النضالي في الدفاع عن السجناء السياسيين الذين تعرّضوا للتعذيب، بما فيهم الإسلاميون خلال الفترة الماضية. وستتكون الهيئة من 16 عضوا يمثلون عدة أسلاك (محامون وقضاة متقاعدون وأطباء /وجوبا طبيب نفسي/ وأساتذة جامعيون ومختصون في حماية الطفولة وممثلون عن المجتمع المدني). كما ينص القانون على أن الهيئة مستقلة إداريا وماليا وتتمتع بعدة صلاحيات ذات أبعاد وقائية، منها «زيارات مراكز الإيقاف والاحتجاز دون إذن مسبق والعمل على نشر ثقافة التصدي للتعذيب وتوفير كل المعطيات والإتصال بالمتظلمين، وتوثيق الشهادات في هذا الإطار». ويتنزل إرساء هذه الهيئة في إطار إيفاء تونس بتعهداتها الدولية، وتكريس التزاماتها بوضع هذه الآلية بعد المصادقة على «البروتكول الإختياري للمعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أواللاإنسانية أو المهينة». وتُجسّد الهيئة ما يُعتبر «البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة»، الذي صادقت عليه تونس عام 2011، والذي يقتضي أن تحدث الدول الموقعة لجنة وطنية لمنع التعذيب في أجل أقصاه سنة من الانضمام إليه. وفتح المجلس الوطني التأسيسي باب الترشيحات، وخلافاً للترشح للهيئات الأخرى التي تحظى بميزانية هامة وامتيازات كبيرة، فإن الملفات المقدمة للانضمام لهيئة «الوقاية من التعذيب» كانت شحيحة في اختصاصات عدة، فيما انعدمت في اختصاصات أخرى (القضاة المتقاعدون والمختصون في مجال حماية الطفولة) نظراً لغياب أية امتيازات مالية. كما تجدّد فتح باب الترشيحات، وكذلك بعد انتخاب البرلمان الجديد في أكتوبر 2014، حين أعادت «اللجنة الانتخابية» فتح باب الترشيحات إثر استشارة المحكمة الإدارية، لكن تغيّب النواب عن اللجنة حال دون فرز الترشيحات واختيار الأعضاء. وانتهت لجنة الفرز منذ أسبوعين من أعمالها، بالإبقاء على 48 ملفاً من أصل نحو 400 ملف، وصوّتت على الأعضاء بأغلبية 18 عضواً من ضمن 22 في اللجنة، وفقاً لما ينصّ عليه القانون تفادياً لاستئثار الأغلبية باختيار الملفات. وتتولّى الهيئة، وفقاً لقوانينها، القيام بزيارات دورية لأماكن الاحتجاز والإيواء، للتأكّد من خلوّها من ممارسة التعذيب وحماية الموجودين فيها، وتحديداً ذوي الإعاقة، كما تتولّى مراقبة مدى تناسب ظروف الاحتجاز مع تنفيذ العقوبات مع معايير حقوق الإنسان، فضلاً عن تلقّي البلاغات حول الحالات المحتملة للتعذيب في أماكن الاحتجاز، ولها الحقّ في أن تفتح تحقيقاً بشأنها وإحالتها إلى السلطات الإدارية أو القضائية المختصة. علاوة على المساهمة في نشر الوعي الاجتماعي عن مخاطر التعذيب، بالإضافة إلى تمتّعها بوظيفة استشارية، من خلال إبداء الرأي في مشاريع النصوص القانونية ذات العلاقة بالوقاية من التعذيب والممارسات المهينة، والمحالة إليها من قبل السلطات المختصة.