حاورته: خولة الزتايقي تنظم جمعية «مرفأ التونسية للتجديد في الثقافة والآدب والفنون» مساء اليوم بالشراكة مع دار الثقافة حي الخضراء بالعاصمة أمسية إبداعية تحت عنوان «تقاسيم شعرية» يؤثثها ثلة من الشعراء التونسيين المتميزين على غرار حافظ محفوظ والثريا رمضان وريم قمري والدكتور وليد الساكت والشاعر الفرنكفوني ورئيس جمعية «مرفأ التونسية للتجديد في الثقافة والآداب والفنون» والخبير لدى المجلس الأعلى الفرنسي المختصّ في تقييم مؤسسات التعليم العالي بفرنسا. وبمناسبة انعقاد اللقاء الشعري المذكور التقت «التونسية» بالدكتور وليد الساكت الحاصل أيضا على الدكتورا في الآداب الفرنسية والفرنكفونية والأستاذ الجامعي والباحث في مركز «سيسيل» وعضو دار الكتاب والأدب بفرنسا وهو العضو العربي الوحيد وعضو «حركة شعراء العالم» التي تضمّ أكثر من 3000 شاعر من القارات الخمس. ولوليد الساكت ديوان شعري بعنوان «الأشواك الذهبية»(Les épines dorées) عن دار نشر فرنسية «بوبليبوك» وديوان شعري آخر بعنوان «الشعر في حداد» عن داري نشر فرنسية وألمانية في طبعتين. وقد عرف «وليد الساكت» بكتاباته عن القضايا الانسانية العادلة والكونية وعن الحرية وقيم التسامح وحوار الحضارات والأديان وهو على حد تعريف النقاد الفرنسيين «مؤسس للفكر الجديد في النقد الأدبي وفي الشعر». في بداية لقائنا، لو تقدم لنا نشاط جمعيتكم؟ جمعية «مرفأ التونسية للتجديد في الثقافة والآداب والفنون» جمعية فتيّة ذات بعد ثقافي وهي ما فتئت منذ تأسيسها ترسّخ لمشروع ثقافي فكري، يتماهى مع أهدافها والغاية التي أنشئت لأجلها، خاصّة خلال هذا المفترق التاريخي الحاسم التي عاشته ولا زالت تعيشه بلادنا خلال السنوات القليلة الفارطة. لو تحدثنا عن الملتقى الشعري الذي تحتضنه دار الثقافة بحي الخضراء اليوم؟ يأتي الملتقى الشعري الذي تحتضنه دار الثقافة بحي الخضراء بالعاصمة في اطار أنشطة الجمعية الثقافية، التي ما انفكت تفرض حضورها على المستوى الوطني عبر القيام بمبادرات مختلفة في جهات وفضاءات تونسية لتفعيل دور الجمعية الثقافي الحداثي الذي يرسخ قيم اللامركزية بهدف تطوير المنظومة الثقافية في بلادنا وتشريك أقصى ما يمكن من الفئات وتشجيع المثقفين من خلال الملتقيات على الادلاء بدلوهم في الساحة ومواكبة التطورات الايجابية في العالم. طبعا من تجليات مشروعي الحداثي أنه يسعى الى توجيه نشاط جمعية «مرفأ التونسية للتجديد في الثقافة والآداب والفنون» نحو تبني قضايا المجتمع فنيا وفكريا وطرح استراتيجيات ثقافية بديلة من أجل تطوير الثقافة التونسية فضلا عن السعي لتحديث آليات الثقافة والفكر في مرحلة هامة من تاريخ تونس الحديث. تميزتم بنوع محدد من الكتابة؟ كتاباتي ذات نزعة انسانية شمولية وكونية، طبعا أنا أكتب باللغات الفرنسية والعربية والانقليزية، وإضافة الى كوني شاعر وناقد أنا إعلامي مختص في الثقافة الغربية والأدب الحديث بصفة عامة وأنشط بدورية جامعة نيس وهي نشرية خاصة بالأكاديميين ذات أصداء عالمية وتتوجه الى الطلبة بفرنسا وفي العالم لتدريبهم على البحث الأكاديمي. كيف ترون دور الشعر والشعراء في المنظومة العالمية الجديدة وتدفق وسائل الاتصالات الحديثة؟ «اذا لم يستطع القلم ان يكتب فلينزل الشاعر الى الشارع وسيجد هناك ضالته» ليلخص ايمانه وانتماءه الى التيار الشعري الواقعي الذي لا يعترف بالشعر من أعلى برج عاجيّ وانما بالشعر الذي ينبع من واقع الانسان ويعبّر عن همومه وشواغله... إن للشعر مكانته على مرّ الأزمان، واستشهد هنا بديواني الشعري الأول «الأشواك الذهبية» وبمختلف المضامين والمحاور والرؤى التي وردت به، وقد تطرقت من خلال منجزي الشعري الى نظرية «انفجار الأجناس» والتي تمكّن القارئ من التواصل مع الكاتب والتفاعل معه بصفة ايجابية، ذلك أن قصائدي تخاطب الواقع وتبتعد عن كل ما هو ترف تبعا للنظريات الحديثة الوجودية السارترية والعولمة. كل القراء العالميين - ومن خلال تجربتي وجدوا ما يطمحون اليه من قيم ومفاهيم جديدة وهذا يؤكد ان الشعر كان وما يزال يمثل قلعة نضال في تحديث المناهج والأسس وخاصة الأبعاد الأنتولوجية والفكرية التي يعيشها القارئ في حياته اليومية وانا كنت قد دعوت الى «دمقرطة» الأدب لينفتح على عدد أكبر من القراء مع الحفاظ على قيمة النص الشعري التي ترتكز على لغة الايحاء والغموض الشفاف والبعد الرمزي. ونستطيع ان نستشهد في هذا الاطار بفلاسفة الأنوار (ق18) الذين ابتكروا كل الأفكار الحديثة التي نعيشها اليوم كاللائكية والعلمانية والديمقراطية وحقوق الانسان. هؤلاء الفلاسفة غيروا مجرى التاريخ الفرنسي والعالمي لأنهم ناضلوا من أجل قيم الحرية والعدالة والكرامة لا فقط في فرنسا وأوروبا بل في العالم بأسره وقد حضّروا من خلال فكرهم للثورة الفرنسية التي كرست المبادئ والقيم الجديدة التي دافعوا عنها. ما مدى تأثير الثورة التي حصلت في بلادنا على الثقافة؟ أنا اعتبر الثورة التونسية بداية واقع سياسي وثقافي وكذلك اجتماعي جديد ولا يمكن مقارنتها بالثورة الفرنسية لأنها نبعت من الشعب. الآن نحتاج الى تثمين وتفعيل هذه الثورة السياسية من أجل القيام بثورة فكرية وثقافية على مستوى العقليات حتى نستطيع تكوين بلد حديث على جميع الأصعدة تقوده الكفاءات الثقافية والفكرية في تونس ولا مجال للحديث عن ثورة تونسية عندما نهمّش الثقافة ونتجاهلها وهذا هو خطأ ارتكبته بعض الحكومات السابقة ويمكن القول أنّنا بصدد تداركه حاليا اعتمادا على أنه اذا لم نستطع استقطاب المواطن نحو الفعل الثقافي فإنه لا يمكننا الحديث عن ثورة حقيقية لأن الثقافة هي المحرك الأصلي الذي يؤسس الى فكر جديد قادر على النهوض بالبلاد اقتصاديا واجتماعيا وكذلك سياسيا. يشهد العالم صراعا بين الأديان والإرهاب بلغ ذروته، ما هو موقفكم مما يحدث اليوم؟ «الارهاب لا دين له وأستشهد بآية قرآنية يقول فيها تعالى:«مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا». هنا الاية الكريمة تتجه الى كل انسان على وجه البسيطة بغض النظر عن دينه ولونه وأفكاره وعقيدته أي أن الله حرّم قتل النفس البشرية وقدّر قتلها كأعظم جريمة يقوم بها الإنسان وهذا رد على المتشددين والارهابيين الذين لهم قراءة سطحية للقرآن وفهم مغلوط لمعانيه ومقاصده وحتى مفهوم الجهاد الذي يتبجحون به ما هو الا رغبة منهم في ترهيب الناس وبث الفوضى في العالم بأسره وذلك خدمة لأجندات خارجية وداخلية في كل بلاد العالم، وفي هذا الاطار يندرج دور المثقف خاصة في ترشيد الوسط التلمذي والجامعي وذلك بإصلاح مناهج التعليم من أجل تكوين انسان تونسي وعربي متزن يراوح بين ثقافته وثقافة الآخر في اطار التسامح وقبول الآخر والحوار معه. طبعا هناك أيضا دور أيمّة المساجد في توعية هذه الفئة الضالة التي لا تمتّ للاسلام بصلة وذلك بالإبتعاد عن جانب الترهيب والتركيز على جانب الترغيب لأن قوام الإسلام الاعتدال والوسطية ولا يمكن لأي انسان ان يكون ناطقا رسميا له والدليل على ذلك الأعداد الكبيرة من العالم التي اعتنقت الإسلام بصفة سلمية وحضارية.