يبدو أن الأيام القادمة ستكون حبلى بالقرارات المتعلقة بملف المصالحة الوطنية الشاملة في ظل الحملات الإعلامية والتصريحات السياسية المتواترة حول هذا الموضوع . وعلمت «التونسية» من مصادر مطلعة أن توافقات بصدد التشكل في اتجاه الحسم في هذا الملف نهائيا حتى لا يطرح اي اشكال مجددا قد يعوق الإصلاحات الاقتصادية التي تقدم عليها البلاد زيادة على خلق مناخ ثقة داخلي وخارجي بهدف دفع عجلة الاستثمار.وأضافت ذات المصادر أن رأسي الحكم في تونس («النهضة» و«النداء») سيقودان ملف المصالحة الشاملة وهي النقطة التي ركز عليها رئيس حركة «النهضة» راشد الغنوشي في لقائه الأخير برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي . وقد شكلت الكلمة التي ألقاها رئيس حركة «النهضة» الشيخ راشد الغنّوشي، عقب لقائه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي يوم السبت الفارط، «مفاجأة» للرأي العام الوطني، بالنظر إلى مضمونها وتوقيتها فضلا عن الجهة السياسية التي أعلنت عنها ودعت إليها. وقال زعيم حركة «النهضة» إنّ من الاقتراحات التي ناقشها مع رئيس الدولة «تصفية ملفّات الماضي وطيّ صفحته بالعفو العام وتكوين صندوق وطني للتعويض للضحايا حتى تتّجه تونس متخفّفة من أثقال الماضي متضامنة متغافرة ومتعافية من كلّ الثارات والأحقاد». وأضاف الغنّوشي أنّ بلادنا «لم تعد تتحمّل وجود أناس ممنوعين من السّفر وأناسا مهدّدين بالسّجن وآخرين مسجونين ومطرودين من الشّغل. فبلادنا لم تعد تتحمّل هذه الأوضاع وهذا الملفّ مطلوب التفكير فيه من أجل طيّه مرّة واحدة والاتّجاه إلى المستقبل لتحقيق أهداف الثورة في التنمية وتوفير الشّغل». ويأتي هذا التصريح في سياق حالة من الجمود الاقتصادي وتراكم الملفّات الاجتماعية واحتداد أزمة البطالة، وهي أوضاع جعلت من الاحتقان وتكثّف موجات الاحتجاج ذات المطالب الاجتماعية خلال السنوات الستّ الماضية إضافة إلى استمرار التهديدات الإرهابية، أسبابا لنزيف حادّ تشهده مؤسسات الدولة ومن شأنه أن يؤدّي إلى انهيارها حسب أغلب المؤشّرات. وقد سبق لحركة «النهضة» بقيادة زعيمها راشد الغنّوشي أن أكّدت داخل المجلس التأسيسي (سنة 2013) الذي كانت تقوده بالأغلبية على ضرورة تغليب خيار المصالحة الوطنية على خيارات الانتقام والقصاص رافضة بذلك مقترح قانون يهدف إلى عزل النظام السابق وقياداته وإطاراته عزلا سياسيّا. ويمثّل الموقف الدّاعي إلى العفو العام بما يعنيه ذلك من مصالحة شاملة في البلاد بين القوى السياسية المختلفة إيديولوجيا وما يشمله من عفو يطال الملاحقين قضائيا من رموز النظام السابق إذا ما لم يقع توظيفه بأي شكل من الأشكال فرصة تاريخية لتونس لتركيز جهودها من أجل تحقيق انتقال اقتصادي واستقرار أمني واجتماعي يثبّت عملية الانتقال الديمقراطي السياسي الذي تشهده البلاد منذ 14 جانفي 2011 في انتظار أن يأخذ القضاء والعدالة الانتقالية مجراهما الطبيعي الذي نص عليه دستور البلاد . ويرى ملاحظون أنّ صدور اقتراح مبادرة وطنية لإعلان عفو عام من رئيس حركة «النهضة» هو مفاجأة بالنسبة للساحة السياسية التونسية ذلك أنّ هذه الحركة هي من أكثر المكونات السياسية التي تعرّضت للقمع والسجن والعقوبات طيلة عقدين من حكم النظام السابق. ويعتبر الموقف الداعم لمصالحة وطنية ورفع الملاحقات عن رموز النظام السابق وتجميع المجهود الوطني في اتّجاه بناء المستقبل قفزة نوعيّة في المسار السياسي التونسي منذ ثورة الكرامة. كما يعتبر المهتمون بالشأن السياسي في البلاد أن الإعلان عن هذا الموقف من طرف الشيخ راشد الغنّوشي قد يحمل رسالة طمأنة مضمونة الوصول سواء للرأي العام الوطني أو للدول الشقيقة والصديقة لتونس التي تعيش على وقع تخوّفات من عدم استقرار النموذج الديمقراطي التونسي الذي تتهدّده منذ سنوات تقسيمات إيديولوجية حادّة وخطاب إقصائي متشنّج وانتشار منطق الكراهية فضلا عن تأثير هذه المواقف على دفع الاستثمار الأجنبي وخفض منسوب القلق لدى الدوائر الاقتصادية الإقليمية والدولية التي أعلنت مخاوفها من المجازفة بدخول تونس. واعتبر مراقبون للشأن العام في تونس أن تصريح الغنّوشي باعتباره رئيس الحزب الأول في البرلمان دعوة مفتوحة للإقبال على صياغة مرحلة جديدة في البلاد يتمّ بموجبها التوقّف عن التناحرات السياسية والانخراط في تفعيل وئام وطني بين كافة المكونات السياسية والاجتماعية وتركيز المجهود الوطني على عملية البناء بدلا من تصفية الحسابات. هل يصمد الرباعي؟ لكن يبدو أن موقف حركتي «النهضة» و«نداء تونس» من ملف المصالحة الوطنية قد لا يلتقي مع مواقف بقية الأحزاب المكونة للإئتلاف الحاكم الذي لم تدل أحزابه بدلوها النهائي في هذا الملف وهو ما قد يؤدي إلى تصدعات جديدة صلب الائتلاف الذي يعيش هذه الأيام أزمة ثقة بين مكوناته الأربعة الأمر الذي دفع برئيس الحكومة إلى التصريح بأنه لا يجد السند الكافي لحكومته. وتتأكد الشكوك حول استمرار الائتلاف الرباعي في الحكم من عدمه عبر تصريح القيادي في حركة «النهضة» لطفي زيتون الذي قال أمس في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) إنه يشك في استمرار الائتلاف الحكومي، في ظل حالة التململ والنزاعات الداخلية التي يعيشها عدد من الأحزاب المشاركة في الحكومة. وأضاف لطفي زيتون «القاعدة الصلبة للتحالف بين حزبي حركة «نداء تونس» و«النهضة» قادرة على الاستمرار. لكن التحالف الرباعي بدأ يهتز». وألقت الخلافات بظلالها على تجانس كتل الأحزاب الحاكمة في البرلمان ومدى تأييدها للحكومة، وهو ما كشفه التصويت المحدود للمصادقة على القانون الأساسي الذي ينظم عمل البنك المركزي مؤخرا فماذا لو تعلق الأمر بالمصالحة الوطنية الشاملة التي قد تعيد قيادات من الحكم السابق إلى الواجهة من جديد ؟