«بسمة» هي كالصباح الجديد... بحلم الطفولة تلقاها... كالسماء الضحوك... كوردة أغراها شدو الوليد... تقف في يوم ممطر تستقبل الطبيعة في سحرها وقداستها وتحول الصورة الى قطعة رومانسية تغنّت بها العنادل وهي تهمس بزخات نوء تكرمت بها غيمة حجبت أشعة الشمس لتهب المكان لونا ساكنا ترتاح له النفوس... تقف الدكتورة الباسمة في مفترق الطريق وهي تبتسم في خجل وحياء ترنو صوب الأفق البعيد وكأنها تصر بوداعتها ولطفها أن ترسم مسيرة طبية... بنكهة إنسانية تسمو بها الى الأعلى طالما هي تصر أمام مرضاها بأن الحياة قضاء وقدر... وأنها أخلاق أو لا تكون... وأنها علم تنفثه في عقول الصغار وعمل خيرنا من أتقنه. قد تصادفك وهي تحث الخطى لقضاء مأرب ما وتحييها فترد بأحسن منها ويتورد وجهها فرط الحياء... ثم تدعوك أخا كريما وتقدم نفسها أختا فاضلة وتجلك معلما أكرمه تعالى برسالة نبيلة فتخونك عاطفتك وتشهق بالبكاء وأنت تداعب مشيبا علا مفرقك... تبكي لأجل علم أزهر من ثناياه أناس تسجد لهم احتراما وتقديرا ولعل الدكتورة الباسمة خير مثال... تواضعا ووداعة لتدرك أن العلم رفعها في عيون من يعرفها... فصارت على كل لسان... إذ كلما سألتها ردت كهمس نسائم الربيع ونظرت الى مكتبتها وكأنها تعاند التكبر والتطاول على زائريها وقد أضناهم الوهن والمرض صورة طبق الأصل لسنبلة انحنت رقبتها الى أرضها تواضعا لأنها مثقلة بحبات الزمرد والياقوت. صورة تفاعل معها الكثير وأغرتهم نظرة التفاؤل والأمل الوضّاء من أجل غد مشرق أصرّت عليه الدكتورة الباسمة وقد تدثرت بمطريتها وكأنها تحتمي من رذاذ المطر بعطف وحنان أهلها ومرضاها... ودعاء أبوين أكرمين ظلّا نبراسا يضيء لها الدرب فنجحت وتميزت ومازالت المسيرة ممتدة تحاكي ملحمة إنسانية تعطر أخلاقا وحياء وإخلاصا. الصورة هذه المرة توهّجت وتوثبت... الدكتورة الباسمة من بعيد في مفترق الطريق تنتظر الشبل «محمد الصادق» والزهرة «سيرين» وهما يعودان من قاعة الدرس... وفي غفلة منّي لمحتها ابنتي الصغرى فأشارت لها بالبنان وصاحت...«تلك الدكتورة الباسمة.. أخت بابا»... ابتسمت وقلت في صمت: «نِعم الأخت» وأدمعت عيناي.