750 بئرا حُفرت في تونس منذ عام 1932 حقيقة الأتاوة على الغاز الجزائري.. وماهو نصيب الدولة من النّفط؟ تحقيق: فؤاد العجرودي بدأت ضبابية ملف «البترول» في تونس تلقي بظلالها على مكونات جوهرية منها الحالة الذهنية للتونسي الذي بدأ يقتبس ثقافة «البترو دولار» بكل تداعياتها على مستوى الجهد العام الذي ابتعد مسافات طويلة عن حدود التطلعات وحجم الاستهلاك. حالة الانفصام في الشخصية تلك صنعت ثقبا في موازنات الدولة والمؤسسات العمومية وجعلت أبغض الحلال وهو الاقتراض لسدّ النفقات اليومية خبزا يوميا كما تسبّبت في ارتخاء غير مسبوق لسير المرفق العمومي بكل مكوّناته فيما جعلت الاستثمار يتنفّس ببطئ نتيجة تعاظم المخاوف من ضريبة إقامة المشاريع في بلد يطلب شعبه أكثر بكثير ممّا يقدّم.والواضح أن ملف البترول بالذات لم يخرج منذ جانفي 2011 عن التوظيف السياسي ومثلما استعمل لشيطنة الحقبة السابقة فقد وظّفته أياد كثيرة على مدى الخماسية الأخيرة لتثبيت حالة القصور عن صياغة حلول تخرج البلاد من أزمتها الخانقة على كل الأصعدة. والأغرب من ذلك أن هذا التوظيف السياسي الذي أدرك ذروته إبّان حملة «وينو البترول» قد ساهم بشكل بارز في صياغة بوادر «كارثة طاقية» عقب نزول نسبة تغطية الإنتاج الوطني للإستهلاك من ٪90 إلى ٪55 في ظرف خمس سنوات.. ولا يستبعد أن تنزل هذه النسبة إلى ٪20 فحسب خلال سنوات قليلة في حال تواصل الأجواء الحالية ورغم أن فرضية حصول اكتشافات كبرى في مجال المحروقات تظلّ قائمة لجهة أن «الجيولوجيا» ليست بالعلم الصحيح.. فإن مؤشرات كثيرة تدلّ على أنه ليس بإمكان تونس أن تصبح «دولة بترولية» وأول تلك المؤشرات هو وجود خزّان النفط سواء في الجزائر أو ليبيا داخل الحزام الصحراوي أي أن الحزام الشمالي للمنطقة المغاربية الذي تتموقع فيه تونس لا توجد فيه مكامن كبرى للنفط.. هل نحن دولة نفطية.. في السياق ذاته تؤكد حفريات تواصلت على مدى نحو 90 عاما أن تونس لا يمكن أن تكون دولة نفطية حيث أنه ومنذ حفر أول بئر استكشافيّة في بداية ثلاثينات القرن الماضي تمّ تشريح البلاد بالطول والعرض في البرّ كما في البحر ليبلغ إجمالي الآبار التي تمّ حفرها نحو 750 بئرا دون العثور على بحيرة النفط المزعومة. ولعلّه من هذه الزاوية بالذات يمكن الولوج إلى مرحلة مزيد تأزّم موازنات الطاقة في السنوات الأخيرة والتي ساهم فيها بشكل واضح تراجع نسق الاستكشاف من 11 بئرا عام 2010 إلى معدّل ثلاثة آبار منذ 2011 وهو انهيار يعود إلى سببين بارزين هما عزوف الاستثمار الداخلي والخارجي عن هذا القطاع وعزوف مماثل لدى الإدارة والحكومة عن إسناد رخص التنقيب أو التمديد فيها وكلاهما نتج عن شيطنة ملف الطاقة بسائر تداعياته ولاسيّما الانفلات الاجتماعي وخوف المسؤولين من المحاسبة لاحقا. والواضح أيضا أن عمليات الايحاء بوجود ثروات نفطيّة هائلة زادت في تأجيج الاعتصامات وسائر أشكال ابتزاز المؤسسات النفطيّة وتعطيل الانتاج وهو ما ساهم بشكل واضح في فرملة الاستثمار في هذا القطاع الذي تزامن أيضا مع تراجع أسعار النفط في الأسواق. على الضفّة المقابلة لم تفلح الاكتشافات الصغرى والمتوسطة في تعويض التراجع المتواصل للحقول الكبرى ولاسيّما «البرمة» و«عشترت» بفعل التهرّم والذي ناهز ٪10 سنويا على مدى العشريّة الأخيرة فيما شكّل الفصل 13 من الدستور الجديد «قنبلة موقوتة» قصمت ظهر قطاع التنقيب والاستكشاف. استفتاء شعبي جاء الفصل المذكور في صيغة مبهمة «الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي تمارس الدولة السيادة عليها باسمه» وهو ما تسبب في جمود إجراءات البتّ في الملفات سواء المتعلقة بإسناد رخص جديدة للتنقيب أو التمديد في الرخص القائمة ممّا أدى إلى تراجع عدد عمليات التنقيب من نحو 45 عام 2010 إلى 29 حاليّا.. والأغرب من ذلك أن الصياغة المذكورة لم يرافقها تفسير على مستوى القوانين وهو ما يفتح الباب لعدّة تأويلات أولها أنه لا يمكن البتّ في أي ملف بما في ذلك مجرّد تجديد رخصة تنقيب إلا عبر «استفتاء شعبي»!؟ ذات الصياغة زادت في تكبيل الإدارة وتعميق مخاوفها من التعرّض إلى المحاسبة يوما ما خصوصا أن منظومة شيطنة الطاقة في تونس أخرجت الدولة في صورة المتنازلة عن ثروات الشعب وهو معطى مخالف للواقع الذي يؤكد أن تونس من بين الدول الأكثر «حمائية» في تعاطيها مع ملف المحروقات. ٪80 للدولة بلغة الأرقام تنصّ التشريعات التونسية على أن يتحمل المستثمر بالكامل نفقات التنقيب عن المحروقات بما في ذلك الخسائر المحتملة أي عدم التوصّل إلى اكتشافات قابلة للاستغلال وفي حال اكتشاف كميّات يمكن استغلالها تتدخل الدولة ممثّلة في الشركة التونسية للأنشطة البتروليّة بنسبة لا تقلّ عن ٪50 في استثمارات التطوير والاستغلال كما تفرض على مرحلة الإنتاج أتاوات للدولة حسب مردودية الحقل ليبلغ إجمالي نصيب الدولة ٪80 من النفط و٪70 من الغاز وذلك لجهة خصوصيات مكامن الغاز الموجودة أساسا في عرض البحر وكذلك تحمل مؤسسة «بريتش غاز» لإجمالي نفقات تطوير كل من حقل «ميسكار» و«صدربعل» أي أن الدولة لم تتدخل في هذه المرحلة. وفيما تسير تونس باتّجاه مزيد تعمق هوّة «النفط» أي الاختلال بين الانتاج والاستهلاك تبدو بقية البدائل مؤجلة إلى حين لأسباب مختلفة أولها عدم الحسم في ملف «الشيست» رغم مردوديته العالية. والغريب في هذا الاطار أن العالم انقسم إلى شقّين في التعاطي مع «الشيست» أولهما غلب الجانب البيئي وأغلق الملف نهائيا وثانيهما غلب مردوديته على مستوى ميزان الطاقة والتشغيل فيما تلازم تونس التردّد وكأنها في مستوى بعض البلدان المتقدّمة التي ترفض استغلال «الشيست» من حيث مستوى عيش المواطنين وتطلّعاتهم. بمعنى آخر إن الواقع الذي تعيشه البلاد يجعلها تصطفّ في خانة البلدان التي تغلّب مردوديته الاقتصادية والاجتماعية وتموقع كل من غاز ونفط «الشيست» كأول بديل متاح لجهة أن تطوير الطاقات المتجدّدة سيحتاج إلى 20 سنة أخرى على الأقل حتى يرتفع نصيبها إلى ٪30 من موارد إنتاج الكهرباء.. كما تؤكد سائر الدراسات أن استغلال حوضي «الشيست» الموجودين في وسط البلاد وجنوبها ستكون له آثار محدودة على الجانب البيئي لجهة أن هذه المادة موجودة على عمق 4 آلاف متر فيما تتموقع المائدة المائية على عمق ألف متر فحسب كما أن أي ترسبات تنحدر إلى الأسفل ولا ترشح باتجاه السطح.. على الضفة المقابلة تحتاج البلاد اليوم إلى ترميم منظومة الاقتصاد في الطاقة التي بنيت على مدى العقدين الأخيرين ولا سيّما التوجه التدريجي نحو تحجير صناعة وتوريد الآلات ذات الاستهلاك المفرط للطاقة. وتجدر الاشارة في هذا الصدد إلى أن المكيفات المتأتية من التهريب قد ناهزت ٪85 من المكيفات المروّجة عامي 2013 و2014 وهو ما تسبب في نزيف إضافي لموارد الطاقة في تونس.. وفي المحصلة يبدو أن ساعة الحقيقة قد دقّت لمراجعة كثير من المفاهيم المغلوطة التي تنتج الفقر والتعاسة بدل الرخاء والنموّ.