تم في إطار قانون المالية لسنة 2011 إحداث لجنة إعادة النظر في قرارات التوظيف الإجباري للأداء تتولى إبداء الرأي في عرائض المطالبين بالضريبة المتعلقة بالتماس إعادة النظر في قرارات التوظيف الإجباري للأداء التي لم يصدر في شانها حكم قضائي في الأصل لانقضاء اجل الاعتراض عليها أو لرفض الاعتراض عليها من حيث الشكل. و يمكن لمصالح الجباية عرض قرارات التوظيف الإجباري للأداء على أنظار اللجنة بمبادرة منها. و يمكن بناء على رأي اللجنة سحب أو تعديل قرار التوظيف الإجباري للأداء و ذلك بمقرر من وزير المالية أو من المدير العام للاداءات بتفويض منه و يتم إعلام المطالب بالأداء بذلك. و تتركب لجنة إعادة النظر في قرارات التوظيف الإجباري للأداء من : - مستشار بالمحكمة الإدارية بصفة رئيس - المستشار القانوني لوزارة المالية - موظفين اثنين بوزارة المالية - ممثلين اثنين عن هيئة الخبراء المحاسبين. إن تركيبة لجنة إعادة النظر في قرارات التوظيف الإجباري تجاوزت كل الحدود و الأعراف و تركت الجميع في حيرة من أمرهم لاعتبارات عدة منها أن المسائل المعروضة عليها قانونية جبائية تقتضي بالضرورة أن يتواجد صلبها قاضيان و ممثلان عن إدارة الاداءات و ممثلان عن المنظمات المهنية الأكثر تمثيلية التي وجب أن تتمتع بالحرية التامة في تعيين من يمثلها من ضمن الخبراء الجبائيين و القانونيين دون غيرهم مثلما هو الشأن بفرنسا أين تتمتع الغرف التجارية بتعيين من يمثلها من ضمن المحامين المستشارين الجبائيين صلب لجان المراضاة باعتبار انه لا وجود لمثل هذه اللجنة البدعة بفرنسا. هل يعقل أن يتم إقصاء المنظمات المهنية لفائدة ممثلين عن هيئة الخبراء المحاسبين في الوقت الذي تتعلق فيه المسائل التي ستعرض على اللجنة بجوانب بالأساس قانونية جبائية و مهنية لها علاقة وطيدة بنشاط المطالب بالضريبة. و هل يعقل ان يتم تحكيم من مسك المحاسبة و اشرف على مراقبتها في مسائل لا تدخل ضمن اختصاصه حسب التشريع الجاري به العمل مثلما أشارت إلى ذلك إدارة الأداءات صلب مذكراتها الداخلية و بالأخص عدد 30 لسنة 2007. أما بخصوص المسائل المحاسبية التي يمكن أن تكون، بصفة عرضية و استثنائية، محل إشكال فبإمكان اللجنة استشارة المجلس الوطني للمحاسبة. باعتبار خطورة القرارات التي ستتخذها اللجنة و تأثير ذلك على مصلحة جميع الأطراف و بالأخص الخزينة العامة ويبقى تعيين قاضيين صلب التركيبة مسالة بديهية. فالموضوعية التي تمت الإشارة إليها صلب شرح الأسباب تبقى غير مضمونة في إطار التركيبة الواردة بمشروع القانون و هذا الاستنتاج لا يختلف حوله عاقلان. إن القوانين وجب أن تصاغ في كنف الحياد و الموضوعية بعيدا عن المصالح و الحسابات الشخصية الضيقة و الولاءات و المناشدة حتى نتفادى تضارب المصالح الذي عادة ما يؤدي إلى انزلاقات خطيرة من شانها الإضرار بمصالح كل الأطراف. هذا و قد نص الفصل 30 من قانون المالية لسنة 2011 الذي يدل على فساد الطريقة التي تصاغ بها القوانين حسب الرغبات الفئوية على إمكانية أن يستعين المطالب بالضريبة بمن يختاره على غرار الفصول 39 و 42 و 60 من مجلة الحقوق و الإجراءات الجبائية أو أن ينيب عنه وكيلا للغرض. يرى البعض من "المتلبسين" بلقب المحامي و المستشار الجبائي أن الجزء الأول من هذه الصياغة يسمح لمن هب و دب مساعدة المطالب بالضريبة أمام تلك اللجنة التي لا نجد لها مثيلا بالتشاريع الأجنبية و التي تعد وصمة عار في تاريخ التشريع الجبائي التونسي. هل يعقل أن تتم مساعدة المطالب بالضريبة من قبل شخص لا تتوفر فيه الشروط ليقوم بمهام المحامي أو المستشار الجبائي؟ وهو مايمثل تكريسا للفوضى و نسفا للقوانين المهنية ، فعلى المشرع أن يتدخل لإبدال الصياغة أو التنصيص على إمكانية أن يستعين المطالب بالضريبة بشخص من اختياره من بين المؤهلين قانونا. إن هذه اللجنة تعد وصمة عار في تاريخ التشريع التونسي حيث لا نجد لها شبيها بالتشاريع المقارنة و بالأخص التشريع الفرنسي الذي اتخذت منه إدارتنا المتخلفة عكازا. فبالرجوع للتشريع الفرنسي، يتضح أن إدارة الجباية بإمكانها تدارك أخطائها المرتكبة في حق المطالبين بالضريبة دون تشريك المهنيين باعتبار تضارب المصالح واستقلال السلطة التنفيذية و ذلك من خلال إصدار قرار في الإعفاء عملا بمقتضيات الفصول 1414 و 1414 ا و 1601 من المجلة العامة للضريبة. و يتضح ان بعث هذه اللجنة يندرج ضمن إضفاء الشرعية على اللجنة الاستشارية المكلفة بالنظر في عرائض المطالبين بالضريبة التي أذن بإحداثها الرئيس المخلوع لتقوم بدور القضاء الموازي و التي وقفت ضدها الغرفة الوطنية للمستشارين الجبائيين باعتبار أن وجودها يعد خرقا صارخا للفصل 34 من الدستور الذي نص بوضوح على ان كل ما يتعلق بالجباية وجب تنظيمه بنصوص تشريعية او في شكل أوامر رئاسية في إطار تفويض من المشرع الجبائي. فالتوصيات الرئاسية لا يمكن باي حال من الأحوال ان تبرر خرق الدستور و تحدث قضاء موازيا. إن القرارات التي تم اتخاذها في إطار تلك اللجنة، التي تحولت إلى هيئة قضائية موازية، و المتعلقة بشطب أو تخفيض المبالغ الموظفة بقرارات في التوظيف الإجباري تحتم علينا توضيح مدى شرعيتها. بالرجوع لمجلة الحقوق والإجراءات الجبائية ، يتضح أن الفصل 46 من تلك المجلة سمح لإدارة الجباية بالتخفيض في نتائج المراجعة الجبائية. يقدم طلب التخفيض حسب الحالة للمحكمة الابتدائية أو لمحكمة الاستئناف المتعهدة بالقضية ما لم يصدر في شانها حكم نهائي. أما بخصوص قرارات التوظيف الإجباري التي لم يتم الاعتراض عليها من قبل المطالب بالضريبة أو تم رفض الاعتراض عليها لأسباب شكلية كعدم احترام الإجراءات مثلما هو الشأن عادة أمام المحاكم، فان إدارة الجباية لا يمكنها تفعيل مقتضيات الفصل 46 من مجلة الحقوق و الإجراءات الجبائية و يبقى التخفيض فيها او إلغاؤها محكوما وجوبا بمقتضيات الفصل 25 من مجلة المحاسبة العمومية الذي ضبط إجراءات تخلي الدولة عن ديونها بمقتضى قرار ممضى من قبل الوزير الأول و وزير المالية. وباعتبار أن القرارات المتعلقة بالتخفيض و المتخذة في إطار اللجنة الرئاسية تخص قرارات في التوظيف الإجباري غير معترض عليها أو رفض اعتراضها شكلا دون مراعاة مقتضيات الفصل 25 من مجلة المحاسبة العمومية فإنها تبقى مصبوغة بعدم الشرعية. هذا وتجدر الإشارة إلى ان تركيبة اللجنة الرئاسية تضم خبيرين محاسبين تم اختيارهما مباشرة من قبل وزير المالية الذي يتولى رئاسة اللجنة على أساس مقاييس الدكتاتورية التي تعتمد الولاء و غير ذلك من الصفات الأخرى التي لا يتسع المجال لتعدادها. فإضافة لعدم شرعية اللجنة، تطرح تركيبتها إشكالية خطيرة تتمثل في خرق مقتضيات الفصل 15 من مجلة الحقوق و الإجراءات الجبائية التي تفرض على مصالح إدارة الاداءات الحفاظ على السر المهني و لا يجوز لها بأي حال من الأحوال إطلاع أشخاص من غير أعوانها على ملفات المطالبين بالضريبة. فأعضاء اللجنة وجب أن يؤهلهم القانون للإطلاع على الوضعية الجبائية للمتظلمين من المطالبين بالضريبة الشيء الذي لا يتوفر بالنسبة للخبيرين المحاسبين من أعضائها الذين يتم إحضارهم للبت في مسائل لا علاقة لها بالمحاسبة و لها علاقة أساسا بالمسائل القانونية الجبائية اذ لم نسمع يوما ان ادارة الجباية عللت قراراتها بالاعتماد على المعايير المحاسبية. ان اللجنة الاستشارية المكلفة بالنظر في عرائض المطالبين بالضريبة التي عملت أكثر من عشر سنوات خارج إطار القانون تكاد تكون سرية لان المطالبين بالضريبة لا علم لهم بها، فضلا عن الأغلبية الساحقة للمستشارين الجبائيين و المحامين لا علم لهم أيضا بوجودها ضرورة أنها غير مؤطرة بنص تشريعي في خرق للفصل 34 من الدستور و أن الإدارة لم تبادر على الأقل بإعلامهم بوجودها و بمهامها في إطار مذكرة عامة و هذا يدعو في حد ذاته للريبة و الحيرة. ففي إطار التدقيق في ملفات الفساد، وجب فتح تحقيق بخصوص المبالغ التي تم فسخها على وجه غير قانوني في إطار اللجنة الاستشارية التي بعث بها الرئيس المخلوع خارج إطار القانون و في غيرها من الأطر غير الشرعية و الإسراع، في اطار قانون استثنائي، بإدخال تغييرات جذرية على الفصل 30 من قانون المالية لسنة 2011 الذي تمت صياغته على مقاس الدكتاتورية و أذيالها بتطهيره من تلك اللجنة و إدخال تغييرات جذرية على تركيبة لجان المراضاة تفاديا لتضارب المصالح مثلما هو الشان بالنسبة للمغرب و ذلك بتمكين كل المنظمات المهنية من التمثيل داخلها مع منحها الحرية التامة في تعيين من ينوبها من بين المستشارين الجبائيين او المحامين او اجراءها مثلما هو الشأن بفرنسا و إلحاق الموفق الجبائي بالموفق الإداري تكريسا لحد ادنى من الاستقلالية و تطهير المنظومة التشريعية بصفة عامة من النصوص او التي وضعت لتلبية الرغبات الفئوية. الأسعد الذوادي عضو معهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا