في أول تصريح صحفي له تحدث السيد عامر الجريدي رئيس حركة مواطنة " للتونسية"عن واقع الأحزاب في تونس ما بعد الثورة وهو الذي يقوم هذه الأيام بحملته الانتخابية من اجل الدخول إلى المجلس التأسيسي من الباب الكبير بدفع من المواطنين. السيد الجريدي قال أيضا في حوار حصري معنا إن هناك أيادي خفية تدير اللعبة من داخل و خارج البلاد, كما تحدث عن تفشي ظاهرة المال السياسي... كيف تقيّم الواقع الحالي للأحزاب وكثرتها في تونس اليوم؟ - تدفق الأحزاب أمر طبيعي جدّا بعد الحكم الدكتاتوري في كل بلدان العالم مثل اليابان إثر الحرب العالمية الثانية و ثورة إسبانيا على دكتاتورية فرانكو و ثورة القرنفل بالبرتغال و بولونيا... لا بدّ من سدّ الفراغ في الأوّل قبل أن يستقر الوضع ويتشكل المشهد السياسي الجديد وتندثر أشباه الأحزاب.
هل أن الكم الهائل من الأحزاب سيساهم في عدم الاستقرار السياسي؟ - ليس بدرجة كبيرة.. سبب مساهمة الأحزاب في عدم الاستقرار السياسي هو حرصها على المساهمة في منظومة الحكم الجديدة التي ستبدأ في التشكّل بعد 23 أكتوبر؛ وهو ما جعل خطابها لا يصبّ في صالح ما تحتاجه تونس من أفكار ومقترحات جدّية بقدر ما يصبّ في كسب ودّ الناخب التونسي ليحصل العكس بعزوف العديد عن الأحزاب بصفة عامة، وعن بعضها بصفة خاصة. ما هي تكهناتك بالنسبة لنتائج الانتخابات؟ - التكهن الوحيد هو أن النهضة سيكون لها نصيب الأسد دون أغلبية مطلقة، طبعا المجتمع التونسي وسطي في مجمله و وسطه السياسي الحالي مشتت بين الليبراليين و'الدساترة' والمستقلين. هل هناك اياد خفية تحرك اللعبة من الداخل و الخارج؟ - هذا أثبت ما يكون؛ وهو أمر طبيعي. الشعب "فايق" و تونس كانت منذ القدم موضع نظر وأطماع (تجارية، سياسية، جغرا-إستراتيجية وجغرا-سياسية)، من الفينيقيين إلى الأمريكان، مرورا بالرومان والإسبان والأتراك والفرنسيين... فهل يمكن ألاّ يهتمّ بتونس " الآخرون" في الواقع العالمي المعولم الذي فاجأته ثورة الحرية والكرامة وأذهلته بخصوصياتها غير المسبوقة في تاريخ ونماذج الثورات؟ لكن تأثيرها لن يكون كليّا كما يعتقد البعض. العالم كلّه موازين قوى اقتصادية وعسكرية وسياسية لا يمكن لأي كان تجاهلها، خصوصا من كان في موقع السلطة. ما الذي سيؤثر على الناخب التونسي في استحقاق المجلس التأسيسي؟ - الشعب التونسي له وعي سياسي وقِيَمي متأكّد (ولو أن ذلك غير ظاهر للكثير). لن يؤثر المال السياسي كثيرا فيه (على عكس ما يحدث في الانتخابات)؛ ولن تؤثر البرامج الخاوية للأحزاب التي تتزايد على البرامج ذوات "النقاط". الصدق سيكون عاملا مؤثرا مع إشعاع ونضالية رؤساء القائمات الذين سيكون لهم الدور في حسم النتائج أكثر من أسماء الأحزاب (باستثناء النهضة والأحزاب القديمة في بعض الدوائر). كيف تروْن فترة ما بعد 23 أكتوبر في ما يتعلق بمحاسبة رموز الفساد والمصالحة الوطنية؟ - المساءلة والمحاسبة والمصالحة معادلة صعبة في عدالة انتقالية تنتظر إرساءها.. لا بد من المساءلة والمحاسبة قبل الحديث عن المصالحة التي هي من الضروريات لبناء ديمقراطي دون مصالحة تخمد الاحتقان الذي حصل (للأسف) بُعَيْد الثورة في بلد الإسلام والحضارة والتسامح. ماهو موقف حزبكم من مسألة تفشي المال السياسي؟ - المال السياسي داخلي وخارجي.. إن كان خارجيا، فهو مسّ من السيادة الوطنية ومن كرامة الشعب بخدمته لأجندات غير تونسية وإن كان داخليا، فهو تدخل مباشر من رأس المال لشراء ذمم وهمم المواطنين, وتدخل "مالي" في سياسة البلاد ومن يحكمها. لا نريد لديمقراطية تونس أن تكون ديمقراطية المال كما في الولاياتالمتحدة. لرجال الأعمال كلّ الدور في المساهمة في البناء السياسي والتنموي للبلاد، وأحرار رجال ونساء الأعمال يدعمون أكثر من حزب ومن حساسيات مختلفة. لهم كلّ التقدير على حسهم السياسي الوطني. على ماذا استندت الحركة في برنامجها الاقتصادي والاجتماعي؟ - يجب أن نتوقف عن الحديث عن الاقتصاد والاجتماع وإنشاء حديث عن منوال تنموي جديد لتونس يخفف من وطأة العولمة والليبرالية الجديدة واقتصاد السوق وتراجع دور الدولة. تونس تحتاج إلى منوال "تنمية رشيدة وسيادية"، أي مستدامة وتحقق السيادة الغذائية والاقتصادية؛ تنمية تقوم على رأسمال إجمالي يشمل رأسمال بشري - اجتماعي و رأسمال مالي - اقتصادي، ورأسمال طبيعي - بيئي؛ أي تنمية ذات أبعاد ثلاثة بالتوازي والتكامل والاندماج والتضامن التخطيطي والتنسيقي والتنفيذي.. اجتماعية واقتصادية وبيئية.
ماذا تقولون للشعب التونسي في هذه المرحلة؟ شبابنا أهدانا هذه الثورة و هي أمانة في يد الجميع، وفي مقدمتها الأحزاب, فلنكن في مستوى الأمانة وعلى كلّ مواطن أن يمارس سيادته (التي هي من سيادة الشعب) بعدم التفريط في صوته، لأن الانتخاب هو ممارسة المواطن لسيادته وهو يفقد بالعزوف عنه صفة المواطنة (كفاقد حق جواز سفره، أو كفاقد حريته بسبب ما اقترفت يداه أو عزوفه عن بعض الواجبات).