بعد ثورة 14 جانفي أخذ قضاة التحقيق بالمحكمة الإبتدائية بتونس على عاتقهم البت و البحث في العديد من الملفات التي أحالتها لجنة تقصي الحقائق و مقاومة الرشوة و الفساد و التي تجاوزت الآلاف و تعلقت أساسا بالرئيس السابق و أتباعه و عائلته إلا أنهم قد واجهوا العديد من الضغوطات و الصعوبات فقد وجد قضاة التحقيق أنفسهم أمام ضغط الشارع المتواصل بالإضافة الى أن التحقيق يتطلب إجراءات عديدة تتطلب بدورها الكثير من الوقت و لأن القضاء التحقيقي يبقى مجهولا من قبل الرأي العام ارتأت " التونسية " تسليط الضوء على الموضوع لإبراز مهام و صلوحيات قاضي التحقيق فمن هو قاضي التحقيق؟ و كيف يتعامل مع قضايا الفساد المالي و العقاري؟ و ماهي القضايا التي تعلقت بالتعذيب و الصعوبات التي واجهها؟ حسب مجلة القضاء الجزائي فإن قاضي التحقيق هو قاض يتم تعيينه بمقتضى أمر و يجب أن تكون له تجربة في القضاء لا تقل عن 10 سنوات أما قاضي التحقيق الأول فيجب ألا تقل تجربته عن 16 سنة و يتعهد قاضي التحقيق بالقضية بعد أن تتم إحالتها من قبل النيابة العمومية و يمكن أن يتعهد بها بصورة تلقائية إذا ما توفر عنصر التلبس لأنه حسب الفصل 47 من المجلة الجزائية يكون القضاء وجوبيا في مادة الجنايات بعد إعلام وكيل الجمهورية بالقضية. و يتعهد قاضي التحقيق بالقضية بصفة لا رجوع فيها كما يبحث في الآن ذاته عن الإدانة و البراءة. و من صلوحيات قاضي التحقيق استنطاق المتهم المظنون فيه و إجراء المكافحات اللازمة و سماع الشهود و التنقل على عين مكان الجريمة و الى الأماكن التي يراها صالحة لكشف الحقيقة و حجز الأشياء التي تنفي الجريمة أو تثبتها و تفتيش المحلات حسب القوانين المعمول بها و الإذن بإجراء الإختبارات اللازمة منها المتعلقة بالخطوط أو الحسابات أو الجينات ...كما يمكن لقاضي التحقيق إصدار البطاقات القضائية ومنها بطاقات الجلب و الإيداع و إصدار الإنابات العدلية إما الى قاضي تحقيق بدائرة قضائية أخرى أو الى مأموري الضابطة العدلية . و ترتبط مهام قاضي التحقيق إرتباطا وثيقا بالنيابة العمومية و دائرة الإتهام. هذه لمحة صغيرة عن القضاء التحقيقي الذي له دور هام في البحث في قضايا الفساد و رغم ضغط الشارع التونسي الا أن المؤسسة القضائية بدأت تسترجع ثقة الشارع التونسي شيئا فشيئا و قد كان لنا حديث مع عدة أطراف لتبيان التعامل التطبيقي مع قضايا النظام السابق و كيفية التعاطي معها. و في هذا الإطار أفادنا السيد "كاظم زين العابدين" مسؤول بوزارة العدل أنه نظرا الى كثرة القضايا و الشكاوى و ضرورة الإسراع بالبت فيها فقد تقرر الترفيع في عدد قضاة التحقيق من 16 قاضيا الى 24 قاضيا و قد كان ذلك مطلبا تقدم به عدد من القضاة و رأت وزارة العدل ضرورة أنه من الحلول المناسبة لمجابهة العدد الكبير من القضايا و الإسراع في النظر فيها و كذلك لمجابهة ضغط الشارع الذي يطالب بمحاسبة رموز الفساد مؤكدا أن عمل قاضي التحقيق مستقل تماما عن ضغط الشارع و إرادته بالإضافة الى نزاهته و حياده. و قد التقت "التونسية " بالقاضي حامد المزوغي حاكم التحقيق رقم 15 بالمحكمة الإبتدائية بتونس الذي نظر في العديد من قضايا الفساد المالي و التعذيب و غيرها و قد أفادنا أنه منذ بداية الثورة تعهد قضاة التحقيق بالقضايا المتعلقة بالشهداء الذين سقطوا أثناء المظاهرات التي كانت اجتاحت كامل تراب الجمهورية و من بعدها انطلقت الأبحاث بموجب إحالة مباشرة من قبل النيابة العمومية المختصة في تهم القتل العمد مع سابق الإصرار و الترصد تولى من خلالها قضاة التحقيق سماع جميع الأطراف من الشهود و المشتكين و عائلات الشهداء . كما تولى قضاة التحقيق مكاتبة قسم الطب الشرعي لمدهم بتقارير نتائج التشريح الطبي و الوقوف على الأسباب الحقيقية للوفاة كما تولوا كذلك عرض الرصاصات التي اخترقت أجساد الشهداء على الإختبار الفني لتحديد نوعيتها و لمعرفة مصدر إطلاق النار و التثبت من المسؤولية الجزائية . و بإعتبار أن هذا النوع من القضايا هو من إختصاص المحاكم العسكرية حسب أحكام قانون قوات الأمن الداخلي عدد 70 لسنة 1982 المؤرخ في 6 أوت 1982 و قد جاء في الفصل 22 منه : تنظر المحاكم العسكرية في القضايا التي يكون أعوان و قوات الأمن طرفا فيها من أجل واقعة جدت في نطاق مباشرة العمل و لها مساس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو بحفظ النظام...و بناء على ذلك فإن أهم القضايا التي تضررت نتيجتها مئات العائلات أصبحت من نظر القضاء العسكري و قد قلص ذلك من غضب الشارع. أما بالنسبة الى قضايا الفساد المالي و العقاري فقد تعهد بها قضاة التحقيق بداية من موفى شهرأفريل الماضي حيث تعلقت بالشركات و المؤسسات الهامة و الصفقات العمومية و قد تورط في ذلك الرئيس السابق المتحصن بالفرار و بعض من وزرائه و مستشاريه و قد أشار حاكم التحقيق الخامس عشر الى أن ذلك استوجب الكثير من الوقت لإجراء الإختبارات اللازمة من قبل خبراء لإبراز التجاوزات و المبالغ المالية المستولى عليها و قد كانت هناك قضايا تعود الى التسعينات و الثمانينات يصعب البحث فيها خاصة أمام اتلاف عديد الوثائق و بحكم أن القاضي لا يحتكم الا الى ضميره و الى القانون فقد تذمر عدد كبير من أفراد الشعب التونسي نظرا لتباطؤ البت في هذه القضايا. و قد تطرق الحديث الى قضايا التعذيب التي تورط فيها عدد هام من إطارات و أعوان وزارة الداخلية حيث أكد القاضي "حامد المزوغي" أن مثل هذه القضايا يتطلب البت فيها الإستناد الى أرشيف وزارة الداخلية و هو أمر كثيرا ما تعسر أمام قاضي التحقيق و لكن عند المكافحة يتبين أن بعضهم أصبح محل إدانة فتتم إحالتهم على المحاكمة و لكن بقي الرأي العام التونسي غير راض في أغلب الأحيان عن مردود قضاة التحقيق في مثل هذه القضايا مشيرين الى أن الأبحاث تجرى بصفة موضوعية دون التأثر بالرأي العام الخارجي من خلال وسائل الإعلام التي سرعان ما تسند بعض التهم الى أتباع النظام السابق دون أن يتم إقرار ذلك و هو ما من شأنه أن يزيد في درجة الهيجان لدى الرأي العام . كما بين القاضي "حامد المزوغي" أن التركيز انحصر أساسا في القرائن و الأدلة و البراهين لإسترجاع حقوق الشعب التونسي و إقامة العدل . و تبقى إنتظارات الشعب التونسي قائمة تنتظر ما ستؤول إليه المؤسسة القضائية في فترة المجلس التأسيسي... فهل سيتم توفير الوثائق و الوسائل اللازمة للمكافحة و كشف الحقيقة التي تعد من المطالب الأساسية ؟ و هل يمكن أن يكون عدم إصلاح المنظومة القضائية هو السبب الحقيقي وراء بطء محاسبة أتباع بن علي؟