أثار بيان "حزب التحرير" غير المرخص له حول مواقفه من الحكومة في ما يهم الشأن الاقتصادي والخارجي والداخلي واتهامه لها بالسير في طريق بورقيبة وبن علي ، اهتمام المتابعين للشان السياسي التونسي وجانبا هاما من الشارع ، وقد تزامن البيان مع زيارة كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي لتونس ويرى ملاحظون أن العلامة الفارقة في هذا البيان بخلاف صياغته المعروفة عن حزب التحرير إعلانه لاول مرة وبوضوح عن موقف الحزب من حركة "النهضة" الحاكمة إلى جانب تبني لغة إعتادت عليها التيارات السياسية اليسارية من نوع "النظام الإمبريالي الشنيع" "ووصاية صندوق النقد على قرارنا الوطني وشركات النهب العالمي ". ويعتبر محللون أن هذا الأمر يطرح أسئلة حول مستقبل علاقات "الحركات الإسلاموية" في ما بينها ، وخاصة حين يصبح التكفير داخل البيت الواحد لا خارجه . "التونسية" اتصلت ببعض رموز المعارضة وإستكشفت ردود فعلهم على البيان . أكد عبد الجبار المدوري عضو القيادة الوطنية لحزب العمال الشيوعي التونسي أنه يمكن النظر إلى البيان المشار إليه من زاويتين : الأولى في علاقة "حزب التحرير" بالحكومة أو بعبارة أوضح علاقة "حزب التحرير بحركة "النهضة" والثانية في علاقة حزب التحرير بالشعب التونسي وقال إن أهمية هذا البيان أنه ربما يكون بداية لعلاقة جديدة بين "حزب التحرير" وحركة "النهضة" وإمكانية تحول هذا الحزب إلى موقع المعارضة وإتخاذه مواقف أكثر تشددا من الحكومة الحالية . ولاحظ المدوري أن هذا البيان موجه في جزئه الأول إلى الحكومة وهو لم يرتق إلى مستوى العدائية معها بل إكتفى بالنصح والتذكير ببعض المبادئ التي يعتبرها أساسية في أي نظام "إسلامي" مركزا أساسا على علاقة الحكومة الحالية بالغرب الذي يصفه ب "الكافر" وعلى المؤسسات البنكية التابعة لهذا الغرب وخاصة صندوق النقد الدولي . وفي جزئه الثاني موجه إلى "المسلمين" التونسيين يدعوهم إلى مناهضة الحكومة الحالية على أساس أنها حكومة حادت عن طريق الإسلام وارتمت في أحضان الغرب الكافر . وبصفة عامة فإن هذا البيان لا يختلف من حيث الأسس العامة عن البيانات السابقة ل"حزب التحرير" التي تعكس توجهاته العامة وخاصة تقسيمه للمجتمع التونسي إلى مؤمنين وكفار وإلى الدعوة إلى إقامة الخلافة التي يعتبرها الحل الامثل والأنجع لكل مشاكل البلاد والعباد . وقال المدوري إن ما يدعو إلى القلق حقا هو مدى إمكانية أن يكون هذا البيان مقدمة لعلاقة عدائية بين "حزب التحرير" وبين حركة "النهضة" والتي يمكن أن تتطور إلى صراع سياسي من غير المستبعد أن يكون عنيفا في بعض الحالات . وهذا سينعكس سلبا على الأوضاع العامة بالبلاد بإعتبار أن هذا الصراع سيغلب عليه الطابع العقائدي الذي لن يجني منه الشعب التونسي سوى مزيد من التشتت ومن الصراعات التي لا مصلحة له فيها . وكل هذا سوف يغذي النعرات الطائفية والعروشية ويلهي الشعب عن مواصلة نضاله من أجل إستكمال مهام ثورته . وإعتبر زهير المغزاوي أمين عام "حركة الشعب" الوحدوية التقدمية أن الأداء المرتبك لحكومة السيد حمادي الجبالي جعل مجمل الطيف السياسي في تونس يتفاعل ويصدر المواقف لعل آخرها البيان الذي أصدره "حزب التحرير" وشد إليه الإهتمام لأسباب تعود في نظره أولا إلى أنه صادر عن حزب إسلامي يشترك في المرجعية مع حركة "النهضة" وثانيا النقد الشديد الموجه الى حركة النهضة والى رئيس الحكومة إلى حد كاد يصل إلى التكفير . وأكد المغزاوي انه يشاطر مضمون البيان من حيث أن أهم ما يجب أن تحرص عليه هذه الحكومة أو غيرها هو إستقلالية القرار الوطني وان تقطع نهائيا مع سياسات التبعية لدوائر المال العالمية وما نتج عنها من إرتباط الإقتصاد الوطني بنمط الإنتاج الرأسمالي . وأضاف أنه رغم مشروعية "حزب التحرير" في نقده للحكومة فإنه كان دوما يقدم حلولا طوباوية ومثالية فحديثه عن دولة الخلافة التي يعتبرها حلا لكل مشاكل العالم هو مجرد أوهام مشيرا إلى ان دولة الخلافة التي يحن لها "حزب التحرير" هي شكل من أشكال الدول التي وجدت في ظروف تاريخية وأصبحت غير قابلة للتكرار مع إنتفاء الظروف التي أوجدتها . في المقابل يرى زياد لخضر عضو الهيئة السياسية لحركة الوطنيين الديمقراطيين أن "حزب التحرير" طرح على حركة "النهضة" تحديا سياسيا وإقتصاديا يتعلق بالموقف من "رأس البلاء ورأس الظلم " النظام الرأسمالي الشنيع والمترنح متهما حركة "النهضة" بأنها ستواصل السير في طريق الحكام السابقين لتونس . وإعتبر زياد لخضر أن خطاب "حزب التحرير" هو نفس الخطاب الذي كانت تعتمده حركة النهضة عندما كانت في صفوف المعارضة خاصة خلال مرحلة الثمانينات قائلا إنه "الخطاب الشعبوي ذاته الذي يتغطى بالشعارات العامة التي أنتجها الخطاب النقدي الإشتراكي ضد الرأسمالية وسياساتها المعادية للعمال والشعوب المقهورة" . وأضاف لخضر "غير ان الأمر سريعا ما ينكشف عندما يعود هؤلاء "الفرسان الوهميون" إلى نفس المقترح الذي تطرحه حركات الإسلام السياسي من أفغانستان إلى المغرب وهو"الإسلام هو الحل" . ووصف لخضر هذا الشعار بأنه "فضفاض لم نر له إلى اليوم تأويلا خارج ضرورات ما تقتضيه ديمومة تخلف مجتمعاتنا وتبعيتها إلى الدوائر الإمبريالية" . وقد حاولت "التونسية" طوال يوم أمس الإتصال بعضو من أعضاء حركة "النهضة" لمعرفة رأيه في بيان "حزب التحرير" لكنها لم تتحصل على أحد .