الضربة التي لا تقتلك تقويك.. اختبار عسير لهِمّة الزّميلات والزملاء ولمن يحمي الحريات.. اختبار لثورة لم تكتمل بعد... ولوعود متمنّعة... ورغم أيّام البرد القيَمي فإننا تدثرنا بدفء التعاطف والمساندة الكبيرين من قبل القراء والنقابة الوطنية للصحفيين ونقابة الثقافة والإعلام ومن اتحاد الشغل ومن المنظمات المدنيّة ومن الأساتذة الأجلاّء الذين هبّوا تلقائيا لمؤازرتنا والدّفاع عنّا.. وعن الحريّة التي نصبو إليها.. خبر إيقاف مدير الجريدة ورئيس تحريرها والصحفي ارتد دوليا وتناولته وكالات الأنباء والتلفزات.. تونس الثورة تحت عيون العالم والدّليل أنّ الاتحاد الدولي للصحفيين FIJ، (600 ألف منخرط) أصدر بيانا يستنكر فيه بشدّة إيقاف الصحفيين ويطالب بإطلاق سراحهم وحماية الحريات.. ما كنا نرغب في هذا المآل.. لأنه يشوه وجه الثورة ويعيد إلى الأذهان ممارسات يمجّها العقل والضّمير.. ممارسات يكون المنتصر فيها خاسرا داخليا وخارجيا.. والانتصار على من؟ على صحفي في يده قلم.. سلاحه قلم وورقة وإلى حد علمي أنه لا يحمل صفة «الإرهابي» حتى يتم إيقافه وإحالته وإيداعه السجن مباشرة.. من أجل صورة جالت العالم كله على الأنترنات ولم نسمع عن مشكلة ببلد ما حولها.. الأنترنات اليوم مفتوح عندنا على كل الموبقات ولا مشكلة، بينما.. صورة جامدة نقبل تحفّظ البعض عليها ترمي بالصحفيين في السجن.. في كل يوم نشهد تجاوزات قاسية في بعض الصحف من ابتزاز لرجال الأعمال وهتك للعرض وهرسلة شرسة متعمّدة وافتراء مفضوح ولا أحد سأل عنها أو حاسبها والحال أنّ الفساد المالي هو الذي يسيطر.. الأخلاق ليست فقط في لباس المرأة وإنّما أيضا في الممارسات الرّذيلة التي تضع الناس في دائرة الاتهام وتسيء للضحايا وللإعلام معا.. الضربة التي لا تقتلك تقويك والاختبار عسير لأن الحرية دربة وثقافة للحاكم والمحكوم ورجاحة العقل تكمن في حماية المسار لا في كسر العظم.. وكتم الصوت والنزعة الانتقامية.. لا سياسة بلا إعلام حرّ.. لا ديمقراطية بلا إعلام ناقد.. وفي النهاية نقول إن بعض الزملاء الذين تشفوا في ما حدث ل «التونسية» تزلفا للسلطة وخوفا من الخط المستقيم الذي تنتهجه صحيفتنا التي ولدت كبيرة واكتسحت السوق باحترام القراء.. نقول لهؤلاء إن تاريخكم يلاحقكم وليس من حقكم توزيع الدروس الأخلاقية... وأنت من لعق نعال سادته في العهد السابق.. والأكيد أن الحرّ يبقى حرّا والعبد يتماهى بجلاده.. وسيبقى دوما صاحب اليد السفلى.. ذليلا... متسولا... مرتعبا... أفّاكا.. انتهازيا... «التونسية» باقية رصيدها شباب وقّاد حريص جدا عن المهنة وحارس وصيّ على وصية الشهداء.