يبدو أن أهل الفن عندنا نجحوا في تفنيد مقولة «الطبع يغلب التطبّع» بل قلبوها رأسا على عقب وأثبتوا بالحجة البائنة والبرهان الساطع ان التعود على الشيء قد يصبح جزءا من الطبع ويسيطر على ممارسات الفرد وأفعاله. ودون أن نعمم فإنه يمكن الاستشهاد على ذلك بما يأتيه الموسيقيون في مجال الانتاج الغنائي. فقد تعود جل هؤلاء على الانتفاع بحنفية الدعم الذي تمنحه وزارة الثقافة والرضاعة من ثديها «الحنين» السمين... ولذلك كانوا يتنافسون ويتزاحمون للفوز بالنصيب من أموال «البيليك».. وعلى امتداد عشريات حافظت الوزارة على عهدها وفتحت خزائنها لتغدق على الطالبين ودّها بسخاء لا مثيل له متناسية في أحيان كثيرة حقها في المتابعة والمراقبة.. وقد يسّر تساهلها حدوث العديد من التجاوزات والمغالطات لا نرى فائدة في العودة الى حيثياتها وتفاصيلها. وتواصل هذا التعاطي بين الطرفين الى حدود الثورة التي عاشتها البلاد فتغيرت النغمة وتلونت الكلمة وتصاعدت أصوات من وراء الأكمة الابداعية لترعد وتزيد وتوجه أصابع الاتهام في أكثر من اتجاه ومطالبة بحقها في كعكة الدعم حتى تجود علينا بالجديد المفيد. وقد صدقنا في البداية ما أشار اليه بعضهم من الغبن الذي لحقهم طيلة أحقاب وانتظرنا ان يثبتوا بحجة الإبداع ان صمتهم في السابق كان بفعل فاعل وأنهم قادرون على الأفضل. ولكن انتظارنا طال ويبدو أنه سيمتد زمنيا لأن أهل المغنى عادوا الى صنيع الآخرين اي انهم فعلوا ماكانوا ينهون عنه وتشبثوا بحليب الفرع الوزاري منتظرين فتح الحنفية عسى أن يفتح الله عليهم بما تيسّر من ألحان مقابل الفوز بالمليون الرنان. ولما كانت الوزارة على علم بما كان يحدث فقد عملت على إعادة النظر في كل أشكال الدعم حتى يؤدي دوره المحفّز بأكثر ما يمكن من الشفافية والعدل. ويبدو أن هذا الغلق المؤقت لحنفية الدعم كان وراء السكتة الإبداعية التي أصابت القوم وعطلت خيالهم في حين ألهبت ألسنتهم بالانتقاد تجاه الهياكل والعباد. وهذا دليل آخر على أن التطبع يغلب الطبع مثلما ذكرنا في البداية وخاصة عدا ما يرتبط بالطمع.. فهل يكذّب مبدعونا هذا القول.. أتمنى أن ينجحوا في ذلك بالإبداع والفعل..