تحدث الأزمات في كل القطاعات والمجالات.. وقد تجيء في غير موعدها ومن حيث لا ينتظرها أحد لانتفاء الأسباب الظاهرة والمعلومة، وهذا مقبول بمنطق العقل. ولكن أن يعمل البعض على إحداث الأزمات وإشعال فتيلها حتى في غياب الأسباب الموضوعية فذلك يعد من باب المزايدات المشبوهة التي قد تبلغ مستوى التآمر. وعندما نتحدث عن التآمر فإن ذلك يعني في المطلق أن وراء الأكمة غايات وأهدافا خفية وغير معلنة لا قبل حدوث الأزمة ولا بعدها. وإن ما يزيد الأمر تعقيدا على مستوى الإدراك ومحاولة الفهم أن يصبح الميدان الرياضي الأرضية الخصبة لنمو هذه الظاهرة السلبية وترعرها بين أحضان أنديتنا وإن كان بأشكال وأحجام مختلفة. وقد تنشأ هذه الأزمات في ظروف غير منتظرة ولم يقرأ لها أحد حسابا. وأول الأمثلة التي لا يمكن التغافل عنها أذكر ما يحدث في صلب النجم الرياضي الساحلي الذي يعتبر بتاريخه المشرق أحد الأعمدة الرياضية في بلادنا. فقبل بداية الموسم الكروي كانت المؤشرات الإيجابية تعمل لصالح المجموعة التي تسلمت مقاليد التسيير لهذا النادي خاصة بعد أن شهدت الساحة صعود رئيس جديد عن طريق الانتخاب. وكان ذلك مؤشر خير وبادرة أمل باعتبار وصول حميد إلى سدة التسيير بتلك الطريقة سيسير عليه لمّ الشمل والعمل في ظل المساندة المعنوية التي وفرتها الأغلبية. ولكن، حدث ما لم يكن في الحسبان.. إذ سرعان ما بدأت بوادر الإنشقاق تظهر في أفق بوجعفر وتعددت الانسحابات حتى قبل ضربة البداية وتلاحقت الخطوات السلبية وبلغ الطش الإطار الفني بكل ما في ذلك من انعكاس سلبي على الجو العام داخل الفريق وعلى نتائجه. لقد كان المتابعون للنشاط الكروي عندنا ينتظرون من النجم وجها ساطعا باعتباره متراهنا جديا على الألقاب وذلك بالاعتماد على زاده البشري الزاخر بالمواهب والركائز المشهود لها وخاصة بعد أن تم تعزيز الصفوف بلاعبين على درجة عالية من الخبرة. فماذا حدث حتى يتراجع أداء النجم الساطع ؟.. لا أعتقد أن المجموعة الحالية تقل عن غيرها في فرقنا الكبرى كفاءة وخبرة وطموحا، ولكنها تأثرت بما يحدث داخل النادي من تجاذبات وتبادل للاتهامات بلغت حد التهديد بمقاضاة بعضهم لبعض.. ولا يخفى على أحد تأثير الجو العام السائد داخل أي مجموعة على أداء الفريق، فكلما ساد الصفاء بين الأفراد- مسيرين وفنيين ولاعبين- إلا وتطور الأداء العام وتحسنت النتائج.. وقياسا على النجم فإن الأجواء داخل حديقة منير القبائلي لا تسر أحباء النادي الإفريقي وغيرهم من عشاق كرة القدم. لقد فوجئت الأوساط الرياضية بما يعيشه هذا النادي العريق من تجاذبات داخلية أدختله في نفق يعسر الخروج منه بسهولة. فنشر غسيل النادي الداخلي أصبح مكشوفا وساهم بقسط كبير في تأزيم الأوضاع والنتائج.. ولو حاولت استعراض أعراض الأزمات في الأندية الأخرى لطالت القائمة، لذلك أكتفي بذكر هذين المثالين. إن القيمة الاعتبارية لكل من النجم الرياضي الساحلي والنادي الإفريقي في تاريخ كرتنا تجعلنا نستغرب حدوث مثل تلك الأزمات داخل هذين الناديين العريقين. إننا نتفهم اندلاع أزمة ما في ناد رياضي ولكن لا يمكن تبرير الأزمات المفتعلة أي تلك التي تكون بفعل فاعل.. إن كرتنا بصفة خاصة ورياضتنا بصفة عامة في حاجة إلى صناع الأمجاد ولا إلى صناع الأزمات ومشعلي الحرائق التي تتطلب الإخماد.. أطفئوا الحرائق بإظهار الحقائق!..