أثارت الخطابات السلفية التي تواترت على امتداد الشهرين الماضيين جدلا في أوساط الشارع التونسي، ورأت شريحة عريضة منه أنها خطابات تحمل الكثير من العنف وأنّ فيها تضييقا على الحريات لأنها لا تتماشى مع طبيعة المجتمع التونسي حسب رأيهم. «التونسية» رصدت آراء الشارع التونسي حول هذه الظاهرة فكان النقل التالي: أكّد عياش بوبكر العبيدي البالغ من العمر 61 سنة أن الخطاب السلفي أصبح يخضع لمنطق العنف والرجعية وأشار محدثنا إلى وجود أطياف سلفية مموّلة تتعمّد خطاب الترويع والتخويف، وحول ما تمثله هذه الأطياف من مصدر خوف وقلق لدى الكثير من التونسيين قال محدثنا إنّ تونس قد قطعت مع زمن الخوف منذ فرار المخلوع واستغرب السيد عياش من تصرّفات بعض الأطياف السلفية والممارسات التي أتتها مؤخرا بعض المجموعات السلفية على غرار حادثة إنزال العلم، وقال إنّ كلّ شخص وطني ومسلم لا يرتكب مثل هذه الأفعال، واعتبر السيد عياش بوبكر أنّ طريقة الخطاب السلفي مؤخرا تنمّ عن خطر حقيقي مشيرا إلى أنّ ذلك يؤكد وجود أياد خفية تحرّك هذه الجماعات. أمّا بلقاسم المزوغي (موظّف بوزارة الفلاحة) فقد اعتبر أنّ ظاهرة العنف متفشية في كل الأوساط سواء في الشارع التونسي أو في الخطابات السلفية، وأكّد بلقاسم أنه توجد طائفة من السلفية تمارس العنف ولا يمكن تعميم هذه الظاهرة على جميع السلفيين. فهناك من السلفيين من يحمل خطابا عقلانيا ولا يدعو فيه لا للعنف ولا للجهاد، فيما اعتبر وليد ذويب (عامل) بأنّ الخطاب السلفي هو خطاب مزدوج فمن جهة يدعو إلى الحوار والوفاق والسلم ومن جهة أخرى نلاحظ ممارسات خطيرة يغلب عليها منطق العنف والتزمّت. أمّا السيد منصف زيتوني فيرى أنّ غياب الحوار والنقاشات السياسية وكذلك الجدل السياسي من شأنه أن يؤدّي إلى تفشي هذه الخطابات السلفية التي تحمل الكثير من العنف وهو نفس الشيء الذي أكدته كوثر الضيافي حيث اعتبرت أنّ غياب الحرية والحراك السياسي أدّى إلى انتشار خطابات سلفية رجعية، وبسؤالنا عمّا يجده هذا الخطاب من صدى لدى بعض الشرائح الاجتماعية أكدت محدثتنا أنّ تبنّي هذه الخطابات هو نتيجة غياب الثقة في الحكومة ودعت في هذا الصدد إلى الحوار وحرية النقد وحق الاختلاف من أجل القضاء على مثل هذه الظواهر التي انتشرت مؤخرا. أمّا مريم فقد روت لنا ما حدث معها مؤخرا عندما لاحقها أحد «الملتحين» وطلب منها ارتداء ملابس فضفاضة و«عبادة الله» واعتبرت أنّ ذلك تجاوز للحريات الشخصية. وعمّا يُمثله الخطاب السلفي لدى الشارع التونسي أبدت مريم تخوّفها من الخطابات السلفية التي انتشرت مؤخرا واعتبرتها خطيرة لأنها تحمل الكثير من العنف والفتنة وأعربت عن تخوّفها وتوجّسها من تواتر هذه الخطابات ورأت أنّ ظاهرة السلفية بتونس تسبّب الفزع والخوف لدى المواطن. أمّا نزار القادري وهو شاب متحصّل على شهادة في الهندسة الفلاحية، عاطل عن العمل، فقال إنّ الخطاب السلفي متشدّد وأنّه لا يحتكم إلى أيّة مراجع موثوق بها وأنّ كل من ينتمون إلى ما يسمّى ب«السلفيّة» «خارجون عن القانون» وأنّهم لا يراعون خصوصيّات المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها البلاد. وفي ما يتعلق بمسألة حرصهم الشديد ومطالبتهم باعتماد الشريعة الإسلامية في صياغة الدستور أكّد «نزار» أنّه لا داعي للتظاهر ولتنظيم الوقفات الاحتجاجية وحشد الجموع الغفيرة في الطّرقات وفي الشوارع وإنّما لابدّ من إيجاد طريقة أكثر تحضّرا للتعبير عن كلّ ما يرغبون في الدعوة إليه دون إثارة البلبلة وتأجيج الرأي العام حتى لا نقع في مشاكل التطرّف والانقسام، إذ أنّه حسب رأيي كلّ الأمور لا تُعَالج إلاّ بالقانون، وأضاف نزار أنّ من يدّعون أنّهم سلفيون أصبحوا في الآونة الأخيرة يتدخّلون في الأمور الشخصية. أمّا محمد غرسلاوي وهو مسؤول عن حضيرة فأكّد أنّ من يدّعون أنّهم من «السلفيين» يُعطّلون سير العمل وهم يقومون بأعمال غير مسؤولة في وقت لابدّ فيه من طاقة وقوى تنهض ببلادنا وتمكّنها من تجاوز الأزمة المالية الخانقة والتي تبرز انعكاساتها على عديد الأصعدة، وبخصوص صياغة الدستور والتدخل في مسألة التشريع القانوني قال إنّ أهل الاختصاص أدرى بهذا الموضوع وأنّه لا داعي لتنظيم المسيرات والمظاهرات. وقال المتحدّث إنّ الكلّ يعلم بأنّ «لا حرام إلاّ ما حرّمه الله ولا حلال إلاّ ما حلّله الله». وغير بعيد عن «محمد» قابلنا هشام بن فرحات، وهو حقوقي ناشط مع بعض جمعيات المجتمع المدني، الذي يقول عن موضوع المدّ السلفي وتداول الخطاب المتشدّد إنّه يجب التفرقة بين السلفيين الذين يتبعون ما يُعبّر عنه ب«السّلف الصالح» والذين يتخذون الحوار سبيلا للتواصل وللإقناع سلميا بأفكارهم «الدعويّة» وبين «السلفيين» الذين تتّسم تصرّفاتهم بالغطرسة والعناد والجهل وهو أمر خطير، لابدّ من مقاومته والحدّ من انتشاره خاصة وأنّ هؤلاء يعتقدون حين يفرضون بعض الأمور بالقوّة، أنّهم مجاهدون ومدافعون عن كلّ ما هو مقدّس وكلّ من لا ينتسب إليهم يعتبرونه «كافرا» يجب التخلّص منه. وأضاف المتحدّث أنّ هناك «رؤوسا مدبّرة» ضالعة في «دمغجة» الشباب وفق هذا المسار المتشدّد حتى يتمكنوا من بلوغ مآربهم السياسية وينتهي الأمر ب«المراهقين» المنصاعين للخطاب المتزمّت إمّا في السّجون وإمّا أن يقعوا ضحية التهميش.