- ثورة 14 جانفي.. عودة الإسلام السياسي - ارتبط ظهور الإسلام السياسي، في عديد المناسبات بحوادث تاريخية كبرى، وبفشل النمط التنموي لدولة الاستقلال - بعد قيام الثورة، في 14 جانفي 2011 وسقوط نظام الرئيس السابق بن علي، وبرغم محدودية مشاركتهم في الثورة، سجلنا عودة قوية للتيار الإسلامي، وكأن سنوات الإقصاء بل الاجتثاث- التي استمرت أكثر من عشريتين – لم تزد الجماعة إلا قوة وانصهارا وتشبثا ب "الفكرة" و"التنظيم " - استطاعت حركة النهضة، وبعد تمكنها من الاندماج في الحياة السياسية وتحولها الى فاعل رئيسي فيه، أن تحسم معركة الهوية العربية الإسلامية لفائدتها، وهي الساحة الأساسية التي استثمرت فيها الحركة أهم جهودها وحققت فيها أهم إنجازاتها إن ظاهرة العودة القوية لتيار الإسلام السياسي، لتصدر المشهد السياسي في تونس ومصر بعد ثورات الربيع العربي، كانت متوقعة بسبب هشاشة البنية السياسية، والضعف البنيوي الذي تردت إليه الحركات العلمانية واليسارية. برغم تفرد التجربة التحديثية في تونس وتجذرها في النسيج المجتمعي العام، بل وتحولها إلى نمط مجتمعي مختلف ومغاير لبقية الدول العربية. على أن سنوات حكم بن علي حكمت على المشهد السوسيو-سياسي وكذلك الثقافي بالانغلاق الذي طال كل مظاهر الحراك الاجتماعي و السياسي، وتم إخضاع كل الفضاءات العامة لمراقبة أمنية شديدة من قبل البوليس وذراعه السياسي التجمع الدستوري الديمقراطي. وهو الأمر الذي نجم عنه «دولنة المجتمع» على حد تعبير عالم الاجتماع عبد الباقي الهرماسي. وهو ما أفرز وضعا سوسيولوجيا جديدا، غلبت عليه الاستقالة الجماعية لكل مكونات المجتمع التونسي ولنخبه أيضا. وصاحب هذا الانغلاق السياسي والإعلامي انتشار لمظاهر الفساد وخاصة المالي، والذي برعت فيه أسرة زوجة الرئيس المخلوع وبطانته. في ظل هذا الوضع المتسم بحالة شبيهة بالأزمة المركبة، تقلصت كل فرص الاحتجاج على الوضع القائم، وحتى بعض الحركات الاجتماعية الاحتجاجية التي برزت على السطح، مثل تلك التي شهدها الحوض المنجمي بقفصة – الجنوب التونسي - سنة 2008 أو منطقة بن قردان في أواخر 2010، فإنها تحركات بقيت معزولة إعلاميا وسياسيا وكذلك اجتماعيا وجغرافيا. واستطاع النظام - المتحالف مع دوائر صنع القرار الغربي وخاصة فرنسا - التي كانت تروج «للمعجزة الاقتصادية» التونسية، ولأولوية التنمية على الحريات والديمقراطية - القضاء عليها في المهد عبر الحل الأمني. وهي وصفة بن علي في وجه كل معارضيه، وسبق له أن استعملها بكل «اقتدار» في القضاء على خصمه السياسي الأول، حركة النهضة الإسلامية في بداية تسعينات القرن الماضي. ارتبط ظهور الإسلام السياسي، في عديد المناسبات بحوادث تاريخية كبرى، وبفشل النمط التنموي لدولة الاستقلال. حيث سبق للإسلاميين أن استفادوا من أزمات سياسية سابقة حدثت في العالم العربي. فقد ساهمت الأحداث السياسية التي عرفتها المنطقة في دعم حضور الحركة الإسلامية في الوطن وفي المجتمعات العربية، ومنها نكسة 1967، والتي افضت الى انتكاسة وتراجع تيار «القومية العربية». كما يمكننا التنبيه إلى أن الصعود القوي للحركات الإسلامية في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات هو إفراز لانتشار فكرة مشروع «النهضة الإسلامية الكبرى أكثر منه إفرازاً لدور البطالة والأزمات الاقتصادية، وإلا كيف نفسر تواجد هذه الحركات في بلدان الخليج العربي الغنية بنفطها وبدخلها الفردي الخام" . يفسر البعض الظهور القوي للإسلاميين في تونس زمن بورقيبة، «بقدراتهم» السياسية في التفاعل أو «التدافع» –مفهوم قراني يستعمل بكثرة من طرف الإسلاميين- مع الوضع السياسي والاجتماعي الذي كانت تعيشه البلاد في نهاية السبعينات من القرن الماضي، والتي تميزت بالصدام القوي بين نظام الرئيس الحبيب بورقيبة والاتحاد العام التونسي للشغل، أو ما يعرف بأحداث جانفي 1978 التي هزت البنية السياسية للنظام وسرعت بالدخول في إصلاحات طالت لأول مرة الجانب السياسي والحقوقي، من خلال السماح بتكوين الأحزاب والقطع مع هيمنة الحزب الحاكم على الحياة السياسية. وهذا ما أشار اليه راشد الغنوشي في مقال مطول : «أطوار من نشأة الحركة الإسلامية في تونس.. من القرية الى الزيتونة» ، حينما بين قدرة الحركة على «التدافع» مع محيطها المحلي والدولي. مشيرا إلى «تفاعل التيار الإسلامي الحديث الذي ولد متتلمذا أساسا على تيارات الحركة الإسلامية المشرقية، مع رياح الاحداث العاصفة داخل البلاد وخارجها، مثل أحداث المواجهة العاصفة بين الدولة وبين الحركة النقابية، كما تفاعل مع بدايات ظهور الحركة الديمقراطية وحركة حقوق الإنسان، وتفاعل خارجيا مع بعض التجارب الإسلامية التجديدية مثل التجربة السودانية بصدد مشاركة المرأة ودورها الفاعل، والتجربة الإيرانية في أبعادها الثورية المنتصرة للمستضعفين... ومع الفكر الاجتماعي لمالك بن نبي وعلي شريعتي". منذر بالضيافي (صحفي، وباحث في علم الاجتماع)