يعتبر الطيب الجلولي من أكفأ مهندسي الديكور في تونس، بل إن عددا من كبار السينمائيين في العالم عوّلوا عليه في أفلامهم مثل "جورج لوكاش" و"فريديريك ميتران" و"سيدريك لابيش"... بعد أربعة أفلام فقصيرة أقدم الجلولي على إخراج فيلم ثلاثي الأبعاد 3D مقتبس عن "ألف ليلة وليلة" بعنوان"مغامرات دليلة"، ولكن الفيلم توقف في منتصف الطريق لأسباب مالية، وقد وعد باش شاوش حين كان وزيرا للثقافة حاملا لشعار الخروج من الظلمات إلى النور بتقديم الوزارة لدعم استثنائي لعدد من الأفلام التي تمر بضائقة مالية، وصدّق الجماعة باش شاوش، ثم غادر الوزير القصبة لينعم برئاسة بلدية قرطاج وظل الوعد معلقا حتى جاء وزير حكومة الترويكا عالم الإجتماع المهدي مبروك .... التونسية إلتقت الطيب الجلولي في سوسة بمناسبة مشاركته في مهرجان فيلم الطفولة والشباب"الفيفاج" عضوا في لجنة تحكيم المسابقة الوطنية... *يبدو أن فيلم"مغامرات دليلةّ" أصبح في حد ذاته مغامرة؟ بالفعل المشروع يعود إلى ثلاث سنوات من العمل مع مجموعة من 25 شابا ، ولكننا اضطررنا للتوقف حاليا في انتظار الفرج. *كم بلغت منحة دعم وزارة الثقافة ؟ المنحة المقررة لفيلمي هي 500 ألف دينار ، وقد ساهمت بما يمكنني و أكثر فقد بلغت تكلفة ما صرفناه إلى حد الآن 900 ألف دينار كما تحصلت على دعم صغير من المنظمة الدولية للفرنكفونية قدره 30 ألف أورو، ومع ذلك هناك غموض و هناك خشية حقيقية أن يسقط المشروع في الماء وندخل في متاهات لا مصلحة لأحد في بلوغها، حين أقدمت على هذا الفيلم الأول من نوعه في تونس كنت أظن أنني أفتح الباب لبعث صناعة الصورة الرقمية القادرة على تشغيل جيل جديد من السينمائيين والتقنيين خريجي المعاهد المتخصصة في الصورة والسمعي البصري، ولكني وجدت نفسي أبحث عن حل فردي وكأني إقترفت جرما... • يدعو البعض من زملائك وزارة الثقافة إلى تطبيق القانون مع سينمائيين تحصلوا على الدعم ولم ينجزوا أفلامهم في الآجال؟ مبدئيا لا يمكن لأحد أن يكون ضد تطبيق القانون، ولكن أرجح أن الذين أشرت إليهم يقولون كلام حق من أجل الباطل، صحيح هناك تأخير في الإنجاز ولكن الأهم كيف نتجاوز هذا التأخير؟ ومن أجل ذلك لا بد أن يدرك الرأي العام أننا إجتهدنا في ظل ظروف صعبة مرت بها البلاد وصرفنا من جيوبنا ما إستطعنا، ولا يمكن للدولة أن تتخلى عنا لا كأشخاص بل كصناع صورة وطنية تدافع عن الهوية التونسية ...من العيب أن يصبح الحوار وكأننا نشحت ...علينا أن نتسامى عن مشاكلنا الشخصية ، هذا أضعف الإيمان . *لماذا المجازفة بأفلام أكبر من طاقتنا ؟ "نعملوا أفلام على قدنا"؟ هل بهذه العقلية تريد أن نشجع الشباب على إقتحام سوق الشغل وإثبات جدارته؟ في إعتقادي يمكن للصور المتحركة بتقنيات رقمية حديثة أن تفتح أبوابا واسعة لتشغيل كثير من شباننا خريجي الجامعات والمعاهد المتخصصة ، لا يمكن أن نظل في موقع المتفرج والآخرون يبادرون ويصنعون صورهم *ماذا كان موقف وزارة الثقافة؟ بصراحة "ما لقيتش شكون يسمعني"، هناك رد قار هو أن الفصل الثالث ينص على أن منحة الوزارة قيمتها 35 في المائة من كلفة الفيلم ، إجابة قانونية نعم ولكنها تحكم بالإعدام على أكثر من فيلم يمر بأزمة (آخر سراب لنضال شطا، الزيارة لنوفل صاحب الطابع، فيلم للناصر الكتاري...) *هل تحدثت إلى وزير الثقافة؟ طلبت مقابلته مرتين على إمتداد شهرين وما زلت أنتظر، أريد أن أشرح له وضعية فيلمي ، المشكل أن المأزق يشمل زملاء آخرين ، صحيح أبحث عن حل فردي ولكن على الدولة أن تدرك أن دعم السينما قضية وطنية فالسينما منبر رئيسي للدفاع عن الخصوصية التونسية أمام طوفان الصور الغازية لنا من الفضائيات ، وأنا أبحث حاليا عن منتج مشارك من الخارج لنتجاوز الوضعية ونخلق تقليدا في إنتاج الصورة الرقمية التي هي مستقبل الصورة في العالم . *يقول البعض إن الفاضل الجزيري تحصل على أكثر من 35 في المائة من كلفة الفيلم في "ثلاثون"؟ ممكن ، لا علم لي ولكن لكل فيلمه ظروفه وتاريخه. *لماذا لم تلتجئ لصديقك طارق بن عمار؟ طارق بن عمار صديقي وإشتغلت في كثير من أفلامه ، إتصلت به ولكن يبدو أن هذا النوع من السينما ليس من إهتماماته كمنتج . *ماذا عن موقف الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام التي تنتمي إليها؟ يعني ...لم تستمت في الدفاع عني. * هل متاح لها أن تقوم بأكثر مما فعلت؟ لا شيء يحول دون ذلك ، فالغرفة يفترض أنها تدافع عن منتجي الأفلام ، المسألة ليست فردية بل من واجب الغرفة أن تلفت النظر إلى المأزق الذي يواجه السينما التونسية في ظل إكتفاء جل الأطراف بالفرجة السلبية دون أن تحرك ساكنا وكأن الأمر لا يعنيها . *الصورة عند البعض كفر؟ هذا رأيهم ولكن الصورة درع لحماية الهوية الوطنية من الغزو الخارجي، و الصورة سلاح لتبرز ثقافتك في الخارج، و الدعم الذي تقدمه الدولة للسينما التونسية ليس منّة من احد وليس صدقة بل هو واجب. *يتهمكم البعض بأنكم اقتنيتم بأموال الدعم "الفلل" والأراضي؟ أنا خلافا لهذا الإتهام بعت ما أملك لأنجز الفيلم ، مؤلم أن يسب سينمائي آخر ولكن أعتقد أن تضخم الأنا هو الذي يجعل البعض يقوم بمثل هذا والحال أن الحياة تقبل التنوع بل تشترطه ووجودي أنا لا يلغي الآخر المختلف. *هل يعترف بك المخرجون أو يعدونك دخيلا؟ يبدو لي أني برهنت على جدارتي ، أنا إبن السينما منذ ثلاثين عاما وقدمت أربعة أشرطة قصيرة" تونس بنت القرن" و"مسيحيون في تونس" و"خميس" و"أسطورة غودلفين الجواد التونسي" واشتغلت مع أكبر المخرجين في العالم في موقع المسؤولية كمشرف على الديكور في" حرب النجوم" و"المريض الأنجليزي" و"القراصنة" و"مدام بترفلاي" و"ربما " لسيدريك لابيش ورشحت بهذا الفيلم لجائزة السيزار في فرنسا سنة 2000 . *لماذا فشلت تجربة تعاملك مع قناة الجزيرة؟ كان المبرمج أن نصور 26 حلقة من سلسلة بعنوان" الأطفال والبحر" وصورنا في تونس وليبيا والمغرب وقطر وعمان وسوريا والإمارات وإستقدمنا أطفالا من جميع أنحاء العالم العربي، لكن التجربة لم تنجح" كل واحد مشى في ثنية" قالوا هناك أشياء لم تعجبهم فعبرنا عن إستعدادنا للتغيير لكنهم إشترطوا تعديل الإتفاق بيننا وهو ما رفضناه ، فلجأنا للقضاء و"مازلنا قلبة بقلبة" . *هل مازال المنصف ذويب صديقك؟ هو صديقي منذ سنوات وأنا مهندس ديكور فيلمه "التلفزة جاية" . *صرح المنصف ذويب بأن السينما صناعة يدوية آيلة للاضمحلال فهل توافقه الرأي؟ لا، المستقبل للصورة ، أنظر كم تلفزة جديدة بعثت في تونس بعد الثورة، حين تصنع صورتك فإنك تتحكم فيها وتبث عبرها القيم التي تؤمن بها ، أنا أذكر رئيسا مديرا عاما سابقا للتلفزيون العمومي قال لي إنه يفضل إقتناء مسلسل مصري على إنتاج مسلسل تونسي، هل أدركت لماذا نحن هنا وفي هذه الحال !؟ *يرفع مهرجان سوسة الدولي لفيلم الطفولة والشباب شعار التربية على الصورة هل تؤمن بجدوى هذا النهج؟ طبعا، من واجب الفيفاج أن يلتزم بالنضال من أجل تكريس تربية الطفل التونسي على الصورة وإكساب الشباب مهارات قراءة الصورة ونقدها وصناعتها. *آخرون ينادون بالتربية الدينية؟ وما العيب في أن نجمع بين التربية على الصورة والتربية على الأخلاق الطيبة والقيم النبيلة، لا تناقض بينهما ، هناك شبان متخرجون من معاهد السينما قادرون على تحقيق ما فشل جيلنا في تحقيقه، أنا متفائل جدا بمستقبل الصورة في تونس ، وتاعب ومريض لأن فيلمي متوقف ومعطّل ....