لا أدري بالضبط ماذا قصدت النائبة المحترمة والتي لا أتذكّر اسمها بنعتها للصحافيين بالذباب وهل كانت تعرف القيمة الميطولوجية لهذه الحشرة التي جعل منها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر رمزا في مقاومة الطغيان والشرّ والاحتلال والتسلط لما كتب مسرحيته الشهيرة «الذباب» وفرنسا ترزح تحت الاحتلال النازي. كان ذلك سنة 1943 وقد اقتبس سارتر أحداث المسرحية وشخصياتها من الأسطورة الإغريقية القديمة وانتقد من خلالها النظام السائد آنذاك الكابت للحريات المتسلّط على العباد والمهيمن على الساحة السياسية والفكرية بمساعدة حكومة عميلة هي حكومة «فيشي» التي أصبحت رمزا للخيانة. تدور أحداث «الذباب» في اليونان القديمة وبالتحديد في «مدينة آرغوس ذات التاريخ الأسطوري الذي بني من حوله بعض أجمل وأروع قطع المسرح اليوناني القديم». وقد كان في هذه المدينة ملك يدعى «اغامنون» تم اغتياله من طرف أحد أتباعه الذي تولى الحكم مكانه وتزوج من كليمنسترا، زوجة الملك المغدور فسلطت عليهم الآلهة «رفوفا من الذباب الذي يطن في الجو وينقض على أي شخص يمر». وهو ذباب له قيمة رمزية بحيث يرمز إلى «الندم الذي يتآكل أهل آرغوس على مقتل ملكهم أغامنون الذي لم ينسوه أبدا ". لا أظن النائبة المحترمة عارفة بالميطولوجيا الإغريقية ولا هي قرأت مسرحية «الذباب» أو حتى سمعت عن الفيلسوف والكاتب الفرنسي الشهير جان بول سارتر فما بالك أن يجول بخاطرها وهي تنعت معشر الصحافيين بالذباب ما لهذه الحشرة من قيمة رمزية. ولكن أن تجهل أو تتجاهل مكانة الذباب في الإعجاز القرآني وهي النهضوية ذات المرجعية الدينية فعلى الدنيا السلام. إذ يقول الله تعالى في صورة الحج «يا أيها الناس ضُرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب» وقد بحثت طويلا عن معنى هذه الآية ومقاصدها الفقهية والعلمية فكان أن اكتشفت أن للذبابة شأنا كبيرا في مكافحة الأمراض الجرثومية التي قد تنقلها هي بنفسها وأن في أحد جناحيها الداء وفي الجناح الآخر الدواء وأنه إذا انغمست ذبابة في إناء بكامل جسمها فلا خوف من أذاها. ولوحظ على جرحى الحرب العالمية من الجنود أن «جراحهم أسرع شفاء والتئاما من الضباط الذين يعنى بهم عناية خاصة في المستشفيات، لأن الجنود يتداوون في الميدان فيتعرضون لوقوع الذباب على جراحاتهم...» هكذا إذا فإن للذباب منافع كثيرة كما أنّ للصحافيين دورا كبيرا في إنارة الرأي العام ونقل الأحداث بكل تجرد والتعليق عليه بكل حرية ونقد ما يرونه اعوجاجا في سلوك المسؤولين وتصرفاتهم وحتى لدى العامة من الناس إلى جانب اقتراح الحلول للقضايا والمشاكل التي تقوم حائلا دون تطوّر المجتمع وهم بذلك إنما يساهمون في بناء هذه الديمقراطية الناشئة وحتى إن كان للبعض منهم زلات فلا يعني أنهم كلهم من المتربصين بأداء الحكومة أو بالأحزاب الحاكمة كما تربّص الذباب بسكان مدينة آرغوس الإغريقية. ثم ألا يقول المثل العامي التونسي «الذبابة ما تقتلش ولكن تدرّع الخواطر» وحتى وإن كان هذا ما قصدته النائبة المحترمة فإني أتشرف بانتمائي إلى معشر الذباب...