يكتبها: جمال كرماوي كانت بلادنا تشكو جوعا سياسيا من شدة التصحّر المفروض على الساحات العامة، واليوم صارت تونس تشكو من التخمة السياسية... جدل في المجلس التأسيسي، جدل بين الأحزاب. جدل في الساحات بالمسيرات أو بالاعتصام... جدل حتى داخل كل حزب حول من يتزعّم.. أو حول المواقف... تفتح التلفزات.. تفتح الإذاعات.. تفتح الصحف... كلها سياسة.. وقد تفتح حنفيّة المطبخ فتسيل السياسة.. كنا نتحدث عن عشرة ملايين محلل رياضي واليوم صار عندنا عشرة ملايين محلل سياسي... تحاول أن تفهم.. تركّز.. تتشتت بين القنوات الإعلامية.. وفي المحصلة لا تفهم... وعندما لا تفهم يتسرّب إليك الخوف على رؤوس الأصابع.. فيصيبك الإحباط.. متى يستريح المواطن.. متى يستعيد أنفاسه... حتى وإن أضرب يوما عن متابعة الأخبار.. فإنه حتما سيقع تحت سيطرة أكبر قناة في بلادنا وهي قناة «قالوا»... إبداع حقيقي وموهبة ربانية يجيدها التوانسة.. سوق الإشاعات مفتوح كامل أيام الأسبوع.. والخبر «بوبلاش».. وغير مشفّر... قد يكون هذا عاديا في مرحلة أولى ولكن عندما يتجاوز الحد يخرج عن الجدّ.. يصبح الجدل رياضة كل التوانسة وبلا هدنة وبذلك يتحول إلى جعجعة ورحي للماء.. لأنه يغيّب الفعل.. كلام من أجل الكلام.. ومن قال ليس كمن فعل.. حتى الأفكار لما تطرح لا تأخذ حظها في الزمن لتنضج وتستوعب من قبل المتلقي... وأحيانا تغلب الهوامش على صلب الموضوع.. وما يؤرقني هو أن من يتكلم هو من ينصت لنفسه... أما الباقون فإنهم يركّزون على الذبابة التي تحلّق تحت السقف... وما دمنا غير قادرين على اكتشاف علاج لهذه الظاهرة فلنعوّل على الزمن.. لترسيخ تقاليد الحوار الجميل بتراشح الأفكار والتركيز على ما يجمعنا لا على ما يفرقنا... وكم أتمنى أن يكون «عيد الشغل» فرصة للجميع للتألق الحضاري والسّماحة رغم التشويش من هنا وهناك ورغم الاتهامات الاستباقية التي صدرت من هنا وهناك... عيد الشغل عيد عالمي... يذكرنا بالعاطلين عن العمل ووصيّة الشهداء... ويذكّرنا بالبرّ بالوطن.