يهدّد خطر نفاد الموارد المائية مناطق الجنوب التونسي بسبب تفشّي حفر الآبار بطريقة عشوائية واستغلال المياه للريّ دون مراعاة الخصوصيات الجغرافية للجهة.. ونظرا للخطر المحدق جراء إمكانية استنزاف الموارد المائية أطلقت وزارة الفلاحة نواقيس الانذار للحدّ من الممارسات اللامشروعة، وضَبطَ مرصد الصحراء والساحل عدة آليات للمحافظة على الثروة المائية. وللحديث في الموضوع اتصلت «التونسية» بالخبير البيئي الدولي في المرصد عبد السلام قلاّلة وبمندوب الفلاحة بقبلي علي بوغمّورة. يقول الخبير إن جنوب البلاد يحتوي على مائدة مائية تقدر ب 60 ألف مليار متر مكعّب من الماء وهي مقسمة على كل من الأراضي التونسية (7٪) والجزائرية (80٪) والليبية (13٪)، وقال إنه رغم توفر هذا الكمّ الهائل من المياه فإن نسبة 10٪ فقط منها قابلة للاستغلال، وأضاف المتحدث أنه يتم استهلاك 2٫5 مليار متر مكعب سنويا وهو ما من شأنه أن يقلّص من كميات المياه الجوفية بصفة كبيرة. وأفاد الخبير البيئي الدولي أن مرصد الصحراء والساحل انتهى مؤخرا من دراسة في الغرض، تم بمقتضاها ضبط آليات الحدّ من الاستغلال المفرط للمياه خاصة وأن المائدة المائية الموجودة في منطقة الجنوب مائدة متجددة بصفة ضعيفة. وأفاد المتحدث أن الدراسة أكدت ضرورة تكفل الدول المعنية بنضوب المائدة المائية بالإشراف على اجتماع سنوي بحضور الوزارات المعنية والمسؤولين القائمين على هذا المجال للنظر في الإشكاليات وتوظيف الحلول الممكنة مع تسخير آلية تكليف مختصين كل سنتين بدراسة المواقع وتقييم الطاقة التحتية العميقة ومستويات استهلاكها وإنجاز عمل نموذجي علمي وحساب ورسم خرائط تبلور عمليات المراقبة. وعن أكثر المناطق تضرّرا من استنزاف المائدة المائية، أكد عبد السلام قلاّلة أن كل الجنوب التونسي مهدّد بنقص الموارد المائية أي من ولاية «قفصة» الى أقصى الجنوب وتشتد وطأة النقص خاصة في «توزر»و«مدنين»و«تطاوين». وبخصوص عدد الآبار المحفورة بلا ترخيص قانوني قال الخبير الدولي إنه قد تضاعف ب 5 مرات مقارنة بسنة 1970. وأكد المتحدث أنه في صورة استمرار استغلال الثروة المائية بطريقة عشوائية فإن كميات المياه لن تكفي الا ل 100 سنة لا غير وهو ظرف وجيز، وأضاف أن أفضل طريقة لتفادي مشكل النضوب هو إيجاد الطرق الناجعة للتحكم في الاستغلال وتوخي الطرق الترشيدية خاصة في ما يتعلق بما يتم استنفاذه من أجل سقي المناطق الفلاحية التي تخصّص 80٪ من المخزون المائي لفائدتها. وعلى عكس ما يشاع فإن الاستغلال المنزلي من المياه مستمدّ من السدّ وليس من الآبار. وأوضح عبد السلام قلاّلة أن الكميات الكبيرة التي يقع استغلالها في الريّ عبر القنوات تتسبب في «تملّح» منطقة الجنوب التونسي وبالتالي فإنه من الأهمية بمكان أن تتركز منظومة ترشيح مياه حتى تتجمع كميات الملح في قنوات عوض تسرّبها للواحات وهو ما سينجر عنه تكوّن «السبخات». قبلي... والانخفاض المستمرّ لمنسوب المائدة المائية وفي نفس الصدد بيّن مندوب الفلاحة بمنطقة قبلي علي بوغمّورة أن ظاهرة الأحياءات والتوسعات الفلاحية الخاصة الناتجة عن حفر آبار غير مرخصة انطلقت منذ أوائل الثمانينات وأن هذه الظاهرة ما فتئت تتفاقم حتى أصبحت تؤثر سلبا على ديمومة الموارد المائية واستدامة القطاع السقوي بالجهة حيث برزت عديد الإشكاليات، من بينها، تدني منسوب المائدة المائية وغياب الضغط الارتوازي وتعويضه بالضخّ بالإضافة الى تدهور نوعية المياه بارتفاع الملوحة (مثال: منطقة الحسي: 7 غ/ل) والاستغلال غير الرشيد للمياه بالتوسعات مما فاقم ظاهرة «النزّ» وظهور مناطق رطبة جديدة (سباخ). وأفاد مندوب الفلاحة بقبلي أنه قد تم إنجاز دراسة حول الموارد المائية الجوفية المتاحة بالولاية ووضع هذه الموارد ضمن قائمة الموارد في المناطق المستنزفة. وتفيد نتائج إحصائيات سنة 2008 بوجود 4171 بئرا عميقة غير مرخصة منها 3323 بئرا مستغلة لريّ 13374 هكتارا. وللتذكير، فقد طالب فلاحوا «قبلي» عند لقائهم بوزير الفلاحة الحالي محمد بن سالم في شهر مارس الفارط بمزيد الاعتناء بصغار فلاحي الجهة وتطوير المناطق السقوية والتعجيل بمعالجة ملفات ملوحة المياه والمديونية والقروض الفلاحية والتشغيل.