التعوّد طبيعة ثانية... بمعنى أن تكرار الفعل يتحوّل إلى عادة والعادة تصبح جزءا من تركيبة الفرد، ولا يخفى ما في ذلك من انعكاسات على السلوك. ولئن يبقى التعوّد على الفعل الإيجابي مقبولا، فإن للعادة السيئة تداعيات سلبية على المستويين الفردي والجماعي. والأخطر أن يألف الناس تلك الأفعال فتتلاشى ردود الفعل ليقع في النهاية الإقرار بها كقيمة مسلّم بها وعلى المحيط الاستسلام لها دون مقاومة أو مساومة. وعين الخطر تكمن أساسا في تحوّل تلك العادة إلى سلوك جمعي ينتهك قواعد العيش وخصوصيات المجتمع... مهدّدا الثوابت وزارعا بذور التمرّد على القيم والضوابط المكرّسة. ولعلّ ما يحدث عندنا من تجاوزات في مختلف المجالات بعد الثورة بصفة خاصة يمثل أبلغ عينة لبعض المظاهر السّلوكية التي تشكّل قاعدة للتحرّكات باختلاف أهدافها وشعاراتها. وقد انعكس ذلك على الميدان الرياضي الذي وُضع تحت الضغط العالي الذي أدّى في النهاية إلى فرض «الويكلو» على المباريات الرياضية... ورغم ذلك فإن مظاهر الفوضى والعنف بكل أشكالها لم تنتف من ملاعبنا بل ازدادت حدّة وتميزت بدخول الجميع... مسيّرين ومدربين ولاعبين ومتفرّجين (ويكلو تونسي) في دائرة الهستيريا الاحتجاجية التي تهدّد بتقويض البناء المجتمعي بأكمله. لقد تجاوز العنف المدى وأصبح الخبز اليومي لوسائل الإعلام ولم نجد العلاج الشافي الذي تعجز المسكّنات الظرفية والموضعية عن تحقيقه. وفي العتمة التي تلفّ المشهد الرياضي تطلّ علينا بارقة أمل تقول لنا.. لا يأس مع ما يستبطنه الإنسان الخيّر في بلدي. فقد سعدت حدّ الانتشاء وكدت أرقص طربا لما علمت بما أقدم عليه أحد مسيّري نجم الفحص (وليد) من فعل يُذكر فيُشكر ويُذكّر به (بتشديد الكاف) لأنه جاء خارج السياق السلبي العام الذي يسود النشاط الرياضي هذه الأيام. فقد تصدّى رفقة بعض المسؤولين لمحاولة البعض ممن حضروا اللقاء ضدّ الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة الاعتداء على الضيوف وطاقم التحكيم، ولم يهدأ لهم بال إلا بعد أن اطمأنّوا على مغادرة الضيوف سالمين. ما أحوجنا إلى مثل هذا الموقف المشرّف لمسؤولين يقدّرون المسؤولية ويضعون مصلحة الرياضة والبلاد فوق كل الاعتبارات والحسابات. لقد أثبت سي وليد ومن معه أن في بني عمومتنا رجالا يمكن الاعتماد عليهم... فيا ليت لنا ولْدان وولدان عسى أن نتخلّص من أدران الهزّان والنفضان. ويبقى نصف الكلام... ومنّي عليكم السلام.