في متابعة لجريمة القتل البشعة التي ذهب ضحيتها عون أمن من معتمدية بوحجلة على أيدي إثنين من أفراد عصابة شكلت خطورة متواصلة على أهالي ومتساكني هذه الجهة تحوّلت أمس «التونسية» إلى معتمدية بوحجلة لحضور جنازة الضحية التي كانت معتبرة جدّا وبكل المقاييس، كما قامت باستجواب عائلة الضحية، خاصة بعد تواتر الأحداث والأخبار حول سبب الجريمة، فكان الريبورتاج التالي: حضر جنازة الشهيد جلول العيساوي في الجامع وزير الشؤون الدينية نورالدين الخادمي الذي استأذن بعد ذلك قصد التحول إلى جامع عقبة ابن نافع بالقيروان لإمامة صلاة الجمعة بحضور وزير الأوقاف والشؤون الدينية بقطر الذي يزور تونس هذه الأيام حيث عقد ندوة صباح أمس بمركز الدراسات الإسلامية بالقيروان. حشود كبيرة ما إن انطلق الجميع بجنازة الشهيد «جلول العيساوي» في اتجاه المقبرة، حتى شلت الحركة في هذه المعتمدية بكل شوارعها وأنهجها واصطف الجميع على حاشيتي الطريق وسط التكبير والتهليل في مشهد مؤثر وبحضور جمع غفير جدا تجاوز الثلاثة آلاف شخص أغلبهم من زملائه الأمنيين، وعجزت مقبرة الجهة عن احتوائهم بما في ذلك البعض من أعضاء المجلس التأسيسي في القيروان. شارع باسمه أصبح الشارع الذي تعرّض فيه الفقيد إلى عملية قتل يحمل اسمه «جلول العيساوي»، هكذا قال وجهاء المدينة الذين يكنّون احتراما كبيرا للمرحوم نظرا لشهامته وسيرته الحسنة والطيبة مع كل من عرفه. مسيرة تضامنية وفي طريق العودة نظم الاتحاد الجهوي للشغل صحبة بعض الأحزاب مسيرة تضامنية مع الشهيد، رفعت فيها عديد الشعارات التي تندد بالاعتداءات المتكررة على رجال الأمن خاصة في معتمدية بوحجلة، وقد تواصلت المسيرة من أمام مقر مركز الشرطة إلى حين الوصول إلى منزله. ماذا قالت زوجته؟ وأمام منزل الضحية كان يخيّم الحزن على عائلته وأبنائه الصغار وكذلك جيرانه الذين بكوه طويلا، وبصعوبة كبيرة تحدثت لنا زوجته «يمينة» بكلمات متقطعة يغمرها البكاء تارة واحتضان أبنائها القصر تارة أخرى وقالت: «زوجي رحمه الله يصرّ دائما وأبدا ومنذ دخوله إلى المؤسسة الأمنية على العمل بضمير وبشهامة وقوته في عدم الركوع إلى المنحرفين والمجرمين وذوي السوابق العدلية.. هو عاد للعمل بمسقط رأسه ويحدوه أمل القضاء على الفساد وفق القانون، لأن الجرائم منتشرة في بوحجلة بكثرة» وتسكت لحظة لتسترد أنفاسها وتواصل: «قبل وقوع الحادثة جاءنا المدعو مهدي بسيارة وهو في حالة غضب وبدأ في تكسير الباب الرئيسي طالبا خروج زوجي، وقد كرّر ذلك مرّة ثانية وهو يزمجر وفي حالة غير طبيعية ويقول إنه سيقتل جلول مهما كان الثمن، فكيف يفتك منا كمية الخمر.. وعند قدوم زوجي أعلمته بالحادثة فرد عليّ أنه يعمل بضمير ولا يريد الانصياع إلى أيّة إغراءات أو محاولات لشراء ذمته... إنهم منحرفون»، وختمت زوجة الهالك حديثها بالتأكيد: «مهدي ومرافقه في السيارة قالا لي لقد قهرنا جلول ولماذا لا يتسلم منا الرشوة؟ فهو بالتأكيد يريد الموت». ماذا قالت والدته؟ في المقابل تحاملت على نفسها والدته المسنة الأم «عمرية عيساوي» وأشارت بإصبعها في أول الأمر ملوّحة بالقصاص ثم قالت: «يجب قتل من قتل ابني هذا هو طلبي الوحيد» ثم أغمي عليها. وواصلت عبير عيساوي (إحدى قريباته) قائلة: «أصبحنا نعيش رعبا بكامل أوصافه في معتمدية بوحجلة، فلا أمن ولا أمان، وحتى وإن وجد عون أمن شريف مثل جلول يقتل تحت أنظار الحكومة، فما ذنبه في الأخير.. هناك عصابات تتجول وتحتفل بموت الشهيد الذي ترك 4 أبناء وزوجته ووالدته، فمن يحميهم، أطالب الحكومة ووزير الداخلية بترك الأمن يقوم بواجبه وتحميه بالقانون، لقد مات وهو يدافع عن وطنه ودفع ثمن عمره من أجل أمن المواطنين... أقول لوزير الداخلية أن غيابك عن الجنازة لا تعليق عنه، جلول له كرامته، وأين الشعارات التي ترفعها وتتحدّث عنها الحكومة، عون أمن يقتل بهذه البشاعة وأنتم على كراسي فاخرة... أين الحكومة؟.. تونس تسير نحو الهاوية». اليوم إضراب عام في إعلام وزع للعموم وموجه إلى كافة مواطني معتمدية بوحجلة (تحصلت «التونسية» على نسخة منه) تقرّر تنفيذ إضراب عام كامل نهار اليوم السبت حدادا على وفاة المرحوم جلول عيساوي واحتجاجا على ما آلت إليه الأوضاع الأمنية والاجتماعية في الجهة من تدهور وترد. ويعتبر هذا الإعلام دعوة ملحة لكل المواطنين لإنجاح الإضراب العام لما فيه مصلحة الجهة (حسب ما جاء في الإعلام). كما أشار البيان إلى أن هذا الإعلام لا يستثني من الإضراب إلا المؤسسات الصحية والمخابز. وتتمثل مطالب الإضراب العام (عاجلا) في الإحاطة بعائلة الشهيد جلول عيساوي وإحداث منطقة أمنية ببوحجلة وفرع للحماية المدنية وتدعيم المستشفى بسيارة إسعاف مجهزة والتعجيل بتركيز النيابة الخصوصية، أما المطالب الآجلة فهي تشمل إحداث منطقة صناعية ذات قدرة تشغيلية عالية وتحسين البنية التحتية والاعتناء بالفئات الفقيرة والعائلات المعوزة. النقابات في الموعد إلى جانب والي القيروان وأكثر من 1000 عون أمن من الشرطة والحرس الوطني والحماية المدنية سجلنا حضور العديد من النقابات الأساسية والوطنية مثل قابس وصفاقس والمنستير وسيدي بوزيد وسوسة والقيروانوتونس. ماذا قال زملاؤه بالمركز؟ هذا وقد تحوّلت «التونسية» إلى مقر مركز الأمن الذي يشتغل فيه المرحوم جلول عيساوي أين وقفنا على ظروف عمل مزرية ونقائص بالجملة، كما تحدّثنا مع زملائه الذين عاشروا الضحية وقالوا: محسن المسعودي: «هو إنسان منضبط وطيب وجدّي في العمل ونظيف اليدين.. هذا أقل ما أقوله على زميلي جلول». منجي شرف الدين: «لقد سخر كامل وقته وجهده لخدمة جهته وهو يعمل حتى خارج أوقات العمل وهو صادق ونزيه». مهدي جلالي: «جلول... أراد أن ينظف الجهة وتعهّد بذلك، لكننا مستاؤون من تصرفات ورد فعل كاتب الدولة على موقفه غير المسؤول تجاه وفاة زميلنا الشجاع جلول». عمر حمداوي: «هو رجل ممتاز يعمل بكل صدق وضمير وإخلاص والمنحرفون لا يريدونه». زياد البريكي: «هو مهدد بالقتل جراء إخلاصه في عمله، والإدارة تعلم ذلك جيّدا لكنها لم تتّخذ أيّ إجراء». إحاطة لئن رحل الشهيد جلول عيساوي إلى الأبد، فإنه ترك وراءه عائلة بلا عائل.. لقد ترك مريم وخديجة ويحيى وفاطمة الزهراء إلى جانب زوجته يمينة ووالدته عمرية، هذه العائلة فعلا تستحق الإحاطة، خاصة وأنّ ظروفها الاجتماعية صعبة جدا والأبناء يزاولون دراستهم.