تقدم المحامي أحمد بن حسانة بشكاية جزائية لوكيل الجمهورية ضد وزيري الداخلية والدفاع لتتبعهما من أجل جرائم تعطيل إجراء العمل بالقوانين بعد حالة الفوضى التي تعم البلاد وتتالي أعمال التخريب والاعتداء على المؤسسات والأملاك، وترك القبض على مجرمين كما هو واجب فعله، والمشاركة في عدم معاقبة مرتكبي قطع الطريق أو الاعتداء على أمن الدولة أو السلم العام أو على الذوات أو على الأملاك ودعا النيابة العمومية الى تلقي شهادات كل من الأمين العام لنقابات قوات الأمن التونسي وأعضاء المجلس الأعلى لقوات الأمن الداخلي لتحديد مسؤولية كل طرف. وقد ورد بنص الشكاية ما يلي: "حيث تمر بلادنا كما هو معلوم بفترة انتقالية تاريخية تلت ثورة شعبها على الدكتاتورية والفساد والبطالة. وحيث انجر عن الأحداث التي رافقتها تدهور كبير في الاقتصاد الوطني وتراجع رهيب لنسب النمو. وحيث انه في الوقت الذي يتكاتف فيه كل أبناء المجتمع التونسي بأسره من أجل انتشال الوطن من هذه المخاطر الاقتصادية التي تتهدده بغية تأمين الانتقال الديمقراطي في أفضل الظروف، ما يروعنا من حين لآخر إلا ومجموعة من الأشخاص والعمال والنقابات سواء في القطاع العمومي أوالقطاع الخاص ، تلقي بمصلحة البلاد العليا عرض الحائط وتشن من حين لآخر أعمال حرق وتخريب واعتصامات وإضرابات وصد عن العمل وتعطيل للخدمة من أجل تحقيق غايات فئوية أنانية مستغلة ضعف الدولة في هذه المرحلة الدقيقة وما أصاب بلادنا من وهن نتيجة ثورتنا المجيدة. وحيث وإن كانت بعض مطالب المضربين شرعية ، فإن المطالبة بها بواسطة استخدام الاعتصام العشوائي أو الصد عن العمل في هذه المرحلة بالذات تفقدها الشرعية وتجعل منها وسيلة لنهش لحم تونس في وقت محنتها. وحيث وإن كان الحق النقابي والحق في الاعتصام السلمي مضمونين ولا أحد يجادل في قدسيتهما من الناحية المبدئية ، فإن استعمال الاعتصام والإضراب وقطع الطريق بشكل عشوائي وفوضوي وفي قطاعات حساسة بغية تعطيل العمل وحرية الخدمة، من شأنه أن يخرج الاعتصام من حيز الحق المضمون إلى حيز الجريمة الكبرى وخيانة الوطن والإضرار بأمن الدولة ومصالحها العظمى. وحيث استفحلت هذه الجرائم في الآونة الأخيرة وتعددت كحرق مركزي شرطة بكل من جندوبة وغار الدماء من طرف مجموعات إجرامية واقتحام مقر ولاية صفاقس وإذاعة صفاقس والهجوم على المحكمة الابتدائية بقفصة وانتهاك هيبة القضاء وأعراض القضاة ، وارسال مجموعة من السلفيين رسالة تهديد من خلال تنظيمها لاستعراض قتالي بجامع عقبة بالقيروان، وتعاظم عمليات التهريب على الحدود مما نتج عنه تجويع لفئات كثيرة من شعبنا مرفوقة بالاعتداء على أعوان الديوانة، إضافة الى بقية الاعتداءات بسيدي بوزيد وسوسة والكاف الخ... وحيث لا يخفى عليكم ما تشكله مثل هذه الأفعال التخريبية وأعمال الحرق والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة والاعتداء على أعوان الأمن والديوانة والاعتصامات العشوائية غير المسؤولة واستمرارها من خطر ملم على البلاد وأمنها ومن تدمير لاقتصادها بل وتهديد لمفهوم الدولة من أصله. وحيث يجرم القانون التونسي مختلف هذه الأفعال ويرتب عليها عقوبات قاسية نظرا لخطورتها. وحيث تقف الحكومة عموما والمشتكى بهما على وجه الخصوص ومنذ أشهر إزاء كل هذه الجرائم التخريبية وقفة سلبية غريبة ، ممتنعة بذلك عن الاضطلاع بمسؤوليتها القانونية والسياسية والتاريخية، وتسلك كما لوكانت حكومة غير شرعية، وكما لوكان أعضاؤها غير متمثلين لمفهوم الدولة. وحيث انجر عن هذه السلبية تدمير لهيبة الدولة واستفحال لعدوى الحرق والتخريب والاعتصامات والتجاوزات من مكان لآخر ومن مجموعة لأخرى، حتى أصبحنا نخشى جديا تفكك الدولة وسقوطها في متاهات الفوضى وأتون مهاجمة السكان بعضهم لبعض. وحيث تشكل هذه السلبية من الحكومة ومن وزارة الداخلية والدفاع على وجه الخصوص جرائم في حق تونس وفي حق شعبها الذي اصطفاهم لتحمل أعباء الحكم واستأمنهم على البلاد وعلى اقتصادها وأمنها ومصالحها العليا. وحيث يحق لنا تبعا لذلك مقاضاة الحكومة (وأعضائها) بوصفها شريكة في هذه الجرائم البغيضة على معنى الفصلين 32 و33 من المجلة الجنائية الذي يقضي بنفس عقاب الفاعل الأصلي للشريك الذي يتسبب في عدم معاقبة مرتكبي قطع الطريق أوالاعتداء على أمن الدولة أوالسلم العام أوعلى الذوات أوعلى الأملاك... وحيث يقرر الفصل 107 من المجلة الجنائية أن الموظفين الذي يعطلون إجراء العمل بالقوانين أويعطلون خدمة عمومية يعاقبون بالسجن مدة عامين. وحيث ينص الفصل 110 من نفس المجلة على أنه يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر الموظف العمومي الذي يترك إلقاء القبض على مجرم كما هو واجب فعله. وحيث عيل صبرنا على هذه الحكومة التي تماطل في تطبيق القانون بدعوى احترام الحريات وخشية أن يتهمها البعض بالقمع في ظل صمت رهيب من أغلب الأحزاب ومكونات المجتمع المدني التي تحجم عن القيام بدورها التأطيري والتوعوي. والاقتصار على البيانات الموجهة ايدولويجيا وحزبيا. وحيث أن البون شاسع بين القمع وبين تطبيق القانون والحفاظ على النظام العام. وحيث أنه في نجاح هذه الحكومة نجاح لتونس وللانتقال الديمقراطي. وحيث نرفض التحول من دكتاتورية قامعة الى ديمقراطية مائعة بل نريد ديمقراطية حازمة. وحيث أنه لا خير في ديمقراطية لا تحترم فيها علوية القانون. ويسود فيها قانون الغاب ويستهتر فيها بعض الأشخاص ممن استضعفوا تونس في وقت محنتها، بهيبة الدولة ويبقون بلا عقاب. وحيث أنه من أوكد واجبات الحكومة هو تطبيق القانون وفرض احترام علويته وعدم التردد في التصدي للمخربين والمجرمين وفي فك هذه الاعتصامات التي تنخر اقتصادنا وتعمق جراحنا، وتهدد أمننا وإيقاف مرتكبيها (باستنفاد كل الطرق القانونية الى آخرها بالتدرج وفق القانون عدد 4 لسنة 69 ودون انتهاك لآدميتهم ودون خرق لحقوق الانسان) ،وإحالتهم على المحاكمة العادلة وفق القانون. وحيث كنا وجهنا تنبيها الى هذه الحكومة بتاريخ 20 جانفي 2012 نبهنا عليها بمقتضاه وعلى وزيري الداخلية والدفاع على وجه الخصوص أن يتحملا مسؤوليتهما القانونية والسياسية وأن يبادرا فورا بلا تردد ، الى استعمال القوة العامة للدفاع عن الوطن ومؤسساته ومواطنيه والقضاء على المخربين وتجاوزات السلفيين واليسار المتطرف وفك الاعتصامات العشوائية التي تتسبب في قطع الطرق وتعطيل حرية الخدمة والصد عن العمل واحتجاز الموظفين، وإيقاف مرتكبيها وإحالتهم على المحاكمة العادلة والى التصدي لهذه الظواهر الإجرامية التي لا تهدد فقط بتدمير الاقتصاد الوطني بل وأيضا أضحت تؤذن بانهيار الدولة برمتها ممهلين إياها أسبوعا للتحرك والتخلي عن سلبيتها، وإلا فإننا سنضطر لمقاضاتها ومقاضاة الوزراء المعنيين وفق النصوص القانونية المذكورة أعلاه. وحيث إن تحسنا نسبيا طرأ على أداء الحكومة في هذا المجال فحاولت فك بعض الاعتصامات العشوائية مستعينة بممثلين عن النيابة العمومية ، إلا أن هذا التحسن الطفيف لم يكن كافيا ومثل تقاعسها رسالة طمأنة لكل من دب وهب من المجرمين للتطاول على البلاد والعباد وترويع المواطنين وانتهاك الحرمات وحرق الممتلكات واقتحام مقرات السيادة على مرأى ومسمع من رجال الأمن والجيش الذين يقفون عاجزين عن التدخل والتصدي للمعتدي لفقدان التعليمات وانعدام الإرادة السياسية وعدم احترام قانون الطوارئ . وحيث نلتمس من الجناب التفضل بتلقي شهادة الأمين العام لنقابات قوات الأمن التونسي وشهادات أعضاء المجلس الأعلى لقوات الأمن الداخلي لتحديد مسؤولية كل طرف ومكمن الخطإ. لذا ولكل هذه الأسباب فالرجاء من الجناب التفضل بالإذن بفتح بحث جزائي وتتبع المشتكى بهما وكل من سيكشف عنه البحث، من أجل تعطيل إجراء العمل بالقوانين، وترك إلقاء القبض على مجرمين كما هو واجب فعله، والمشاركة في عدم معاقبة مرتكبي قطع الطريق أو الاعتداء على أمن الدولة أو السلم العام أوعلى الذوات أوعلى الأملاك وفق الفصول 32 و33 و107 و110 من المجلة الجنائية ، كالتفضل بتلقي شهادات الأمين العام لنقابات قوات الأمن التونسي وأعضاء المجلس الأعلى لقوات الأمن الداخلي . وللجناب سديد النظر.