البطولة في الرياضة تعني التميّز والتفوّق والشهرة والحظوة والمال والدلال... ولكن وراء كل ذلك ما يعادله من التعب والعرق! ذلك هو التعريف المبسّط للبطولة، أما إذا رمنا الخوض في التفاصيل فإن الأمر يتطلّب تعمّقا بطوليا في ماهية الفعل البطولي ومكوّناته واستحقاقاته. فالأبطال لا يشغلون الساحات العامة لأن صناعة الأبطال تتطلب الموهبة والعزم والجد والمواظبة والتضحية والإعداد المتواصل إضافة إلى التواصل مع المستجدات العلمية في المجال. قد يبرز بين الفينة والأخرى بطل أو أكثر بفضل الموهبة الفطرية التي يتوفرون عليها ولكنهم سرعان ما يختفون ما لم تجد مواهبهم المعاضدة اللازمة من وسائل التحضير المبني على قواعد علمية وعملية واضحة، بالإضافة طبعا إلى توفر الروح المتحدّية لدى الرياضيين أنفسهم. تلك من بديهيات العمل في أوساط الأبطال... وتلك هي الدوافع إلى الخوض في هذه الفاصلة. لقد عشنا وعايشنا على المستوى الوطني عدة تجارب في المجال الرياضي وخاصة على مستوى الرياضات الفردية وأنعشتنا إنجازات عديدة لأبطال نقشوا أسماءهم بأحرف من ذهب، ولكن باعتزالهم ظللنا نتأرجح بين الأمل والخيبة وبقي الحنين سيّد الموقف أمام منجزات الحاضر. فبعد القمودي مثلا طفت على السطح بعض الأسماء أمثال علي الحكيمي والبكوش وبنينا على إنجازاتهما الأحلام والآمال ولكنها ذهبت جفاء مع إطلالة شمس الحقيقة... هذا في مجال العدو أما في التنس فقد شهدت الساحة صعود اسميْ سليمة صفر والجلالي مثلا ولكن بقدر ما كان بروزهما مشعا كان أفولهما صادما ومدويا. وهذا يجرّني إلى ساحة بطلي التنس أنس جابر ومالك الجزيري فالأولى حققت إنجازا كبيرا وتاريخيا بإحرازها لقب «رولان غاروس» والثاني سجلت أسهمه صعودا ساطعا في بورصة اللاعبين الموهوبين عربيا ودوليا. ولكن أين هما الآن؟ أنس اكتفت منذ ذلك الإنجاز بتسجيل الحضور وحصد الإقصاءات المبكّرة في عديد الدورات التي شاركت فيها، أما مالك فقد حقق «إنجازا عظيما» بمروره إلى الدور الثاني في دورة «رولان غاروس» قبل أن ينسحب... فرحا مسرورا ويرقص طربا وحبورا. وهذا يعيدنا إلى المربّع الأول أي إلى ما جاء في الجزء الأول من هذه البطاقة لنتأكد أن البطولة والألقاب لا تستقرّ بين أيدي الأبطال إلاّ متى توفرت لدى هؤلاء العزيمة والإصرار والعمل المتواصل لأن الموهبة وحدها تظل غير كافية لتحقيق أي إنجاز. ولعلّ ما يقلّل من نسب النجاح لأبطالنا يتمثل أساسا في شعورهم بالاكتفاء بمجرّد تحقيقهم لبعض النجاحات التي تناسب طموحاتهم التي لا يتجاوز سقفها حدود موهبتهم. فكيف يمكن اعتبار مرور الجزيري إلى الدور الثاني في دورة «رولان غاروس» إنجازا يستحق التنويه والذكر الحسن في مختلف الأوساط؟ إنه منتهى الإقرار بعجزنا عن توفير الاستحقاقات اللازمة للصعود إلى مصاف الكبار. وكما للنجاح، فإن للخيبة... استحقاقاتها المتمثلة في الاستسلام والرضاء بما تحقق والاسترخاء والاستسلام للرخاء... وغدا ألاقيكم... وأشدّ على أياديكم.