"الترويكا" ليست كتلة صلبة متماسكة وهذا عادي لأن العمل السياسي متحرك وقد تختلف التكتيكات دون المسّ بالاستراتيجيا... ولكن في الآونة الأخيرة تبين أن هذه الكتلة ليست صلبة ولكنها تحوّلت فجأة إلى كتلة رملية... حبّات الرمال تتسرب بين الأصابع... وإذا تحركت فإنها تتحول من كتلة إلى عدة كثبان... رياح الاختلاف كشفت مواضع الوهن.. وبينت أن التحالف كان مصنوعا من خيوط العنكبوت... وبقدر ما كان البعض يحاول التستر على ما يجري داخل الكتلة فإن الاختلافات فجّرت نفسها بنفسها.. انشقاقات... وإعادة تشكيل... وتراشق بالتهم والتهم المضادة... وحده حزب "النهضة" بقي متماسكا منضبطا.. ولم يعر شأنا لما يحدث في «الترويكا» وغير مستعد للدخول في سجالات لا تضيف له شيئا... خاصة أن "النهضة" لا تحتاج إلى الشريكين وإنما الشريكان يحتاجونها... وفي الأصل لم تكن هناك حاجة للترويكا... لولا أن "النهضة" تحتاجهم لتزيين المشهد وإبراز اقتناعها بالشراكة والديمقراطية والقيم المدنية... فكان الرئيس حقوقيا وكان الرئيس الآخر معارضا... في هذا تسويق ذكي ورسالة طمأنة وطنيا ودوليا... رئيس بلا صلاحيات.. ورئيس محكوم بالأغلبية... الاثنان مقيدان.. والرئيس الفعلي هو رئيس الحكومة الذي له اليد الطولى في تسيير البلاد... عندما أصدر مستشارو المرزوقي مقالات حارقة ضد الحكومة ردّت الفعل بطريقتها وبعثت رسائل نصف مشفرة إلى المعنيين وكان ما كان في القصر... والآن تطرأ مستجدات جديدة لتضع العلاقة بين القصبة وقرطاج على المحك... المرزوقي متحفظ على تسليم البغدادي إلى ليبيا دون شروط.. ورئيس الحكومة المتحفظ جدا يعلن سنسلم البغدادي إلى ليبيا ولو لم يمض الرئيس على المرسوم.. المرزوقي الخارج لتوه من ورطة مستشاريه يجد نفسه في زنقة حادّة... آخرها جدار فولاذي... لمن ستكون الكلمة العليا رغم الترتيبات البروتوكولية... والسياسية! رئيس التأسيسي خيّر السكوت.. وغادر البلاد... واجتمع بالجالية... يعني «سلّكها».. يبدو أن المرحلة الآتية طريق مستقيم نحو الانتخابات... كل واحد يعمل لحسابه... كما سيكون لرأس البغدادي موقع خلافي في هذه الحملات المبكرة... جدا جدا.