أوساخ تناثرت هنا وهناك، أوحال، برك راكدة، حشرات، ناموس وكلاب سائبة وجثث قطط تبعثرت في كلّ مكان.. جحافل من البعوض وأدخنة تقطع الأنفاس وروائح كريهة وأكداس من الفضلات مبعثرة هنا وهناك. وبين هذا وذاك ترى المواطن المسكين مكرها على استنشاق السموم ومجبرا على العيش في أجواء حولت الحي إلى ما يشبه «الغيتو». فأنت تلمح الحزن في عيون الأطفال وهم يلعبون فوق أكداس الأوساخ ووسط ركام الفضلات كما تلمح بالعين المجرّدة الناموس والحشرات فرحة مزهوة بما توفّر لها وكلّما تقدّمت خطوة إلى الامام اقشعرّ الجسم واحتدّت الروائح وازدادت المعاناة لتعمّق المأساة. المشهد لا يمكن تلخيصه في صورة أو في مقال بل يتجاوزه بكثير فعندما تدخل إلى المنيهلة وتحديدا «حي البساتين 3» تكتشف الحقيقة المرّة وتتساءل: هل نحن حقا في إحدى ضواحي العاصمة؟ «التونسيّة» زارت المنطقة ورصدت آراء بعض المتساكنين واستمعت إلى شهادات حيّة لمواطني هذه المنطقة فكان التحقيق التالي: بصوت حزين ونبرات يائسة حدثنا أحمد العسالي (عاطل عن العمل) أصيل هذه المنطقة قائلا: «الغريب في الأمر أنّ البلدية عملت بالمثل القائل «يا مزيّن من برّة أش حالك من داخل» حيث عمّت الفضلات شوارعنا وأنهجنا بالإضافة إلى غياب التنوير العمومي وتقاعس العمال البلديين عن أداء واجبهم ممّا جعل صحّة المتساكنين معرّضة للخطر» وأشار أحمد إلى غياب بعض المرافق الأساسية على غرار الصيدليات والمراكز الإستعجالية. وعن المشاق التي يتكبّدها متساكنو المنطقة قال محدثنا إنّ أغلبهم يضطرون إلى التنقل عبر سيارات الأجرة نحو حي التضامن لقضاء حوائجهم أو إقتناء بعض الأغراض من السوق. كما أشار إلى غياب دور الثقافة والترفيه ليشير إلى اضطرار الأطفال للعب وسط ركام الفضلات المتوزّعة في كلّ مداخل الأنهج على غرار نهج سليانة بحي البساتين 3 بالمنيهلة. وأضاف انّه زيادة على أكداس القمامة والفضلات تتصف أنهج الحيّ بالضيق وتمتلئ بالحفر وبرك المياه الآسنة والملوثة ممّا يوحي بأنّ أطفال الحيّ مهدّدون بالأوبئة والأمراض. غياب النقل العمومي وافتقار للمرافق الأساسية وعن المعاناة في التنقّل يروي لنا الشاب «زياد» ما يتكبّده من خسائر يومية ومشاق عديدة للوصول إلى الجامعة نظرا للغياب الملحوظ في وسائل النقل العمومي، خاصة على الخطين (14 و48)، التي تكاد تكون مفقودة. وأكّد أنّه يضطرّ إلى انتظار الحافلة لساعات طويلة في المحطّة وأنه في حال تأخر الحافلة 48 فإنّ أغلب الطلبة يضطرون إلى العودة إلى منازلهم. أمّا «نعمان التواتي» وهو احد متساكني المنطقة وصاحب محلّ بيع مواد غذائية فأكد أنّ الشارع الذي يقطنه المعروف بنهج سليانة قبالة المصنع الأزرق يفتقر إلى أبسط الضرورات من إنارة وتعبيد ليؤكّد انّ المنطقة بأكملها تشهد مثل هذه المشاكل من افتقار للتعبيد في الطرقات وللإنارة وللمرافق الصحية وقنوات تصريف المياه ممّا ساهم في تعكير أجواء الحياة ليشير إلى غياب الأمن كذلك في ظلّ انتشار الجريمة والفوضى. وأوضح أن الوضع ينبئ بكارثة بيئية أمام أكداس الفضلات العارمة رغم تصرّف أهل المنطقة أكثر من مرّة عبر كراء شاحنات لنقلها بعيدا ومع ذلك لم يستطيعوا السيطرة على الوضع. كما تطرّق إلى كثرة الناموس الذي ورغم المبيدات الحشرية التي يستعملونها لم يستطيعوا القضاء ولو على جزء بسيط منه. من جهته طالب «عبد الفتاح نصري» وهو متقاعد وأصيل المنطقة بضرورة التدخّل من قبل الجهات المختصّة. وقال إنّه يعاني من مرض مزمن وأنّ الوضع ساهم في تأزّم حالته الصحية وذلك بسبب الروائح الكريهة المنبعثة عن الفضلات والأوساخ والأتربة المنتشرة . نريد مشاريع تنموية دعا صالح (عاطل عن العمل) إلى ضرورة إيلاء هذه المنطقة العناية الفائقة وخاصة إيجاد حلول جذرية لمشاكل التشغيل حيث انّ أغلب شبابها عاطل عن العمل. مصدر رسمي يوضّح: ضعف الاعتمادات ونقص المعدّات وراء هذا الوضع وباتصالنا بالولاية أكّد مصدر مسؤول أنّ البلدية تتدخل في حدود إمكانياتها واعتبر مصدرنا أنّ نقص المعدّات وضعف الإعتمادات المرصودة وراء تدهور الأوضاع البيئية بتلك المنطقة ودعا مصدرنا إلى ضرورة توفير الإعتمادات الكافية من أجل القضاء على هذا الوضع. وعن دور العامل البلدي وعدم تدخله بهذه المنطقة أكد مصدرنا أنّ بعض وضعيات العمال البلديين لازالت عالقة إلى حدّ اليوم وربّما يكون ذلك سببا مباشرا لتقاعسهم في العمل وعدم تدخلهم إزاء هذه الوضعية الكارثية. وأشار مصدرنا إلى أنّ الولاية بصدد إعداد برنامج في إطار حملة نظافة لإزالة الفضلات والقضاء على النقاط السوداء وأفاد مصدرنا انّه يتمّ التعويل على الحملات الجهوية من خلال استدعاء المديرين الجهويين قصد إيجاد حلول عاجلة وفورية لهذه المناطق التي تعاني من تراكم الفضلات. لا بدّ من بلدية قائمة الذات للمنيهلة من جهته أكّد متصرّف الدائرة البلدية بالمنيهلة «يوسف الجويني» أنّ الوضع ينبئ بكارثة بيئية لانّ عمال رفع الفضلات في «التضامن» و«المنيهلة» و«حدائق المنزه 2» دخلوا في إضراب مفتوح منذ الإثنين الماضي وذلك لعدم تسوية وضعيتهم من قبل السلطة العليا. وأضاف «الجويني» أنّ عمال الحضائر البالغ عددهم 40 شخصا المنتمين للدوائر السالف ذكرها لهم الأولوية في العمل أكثر من الأشخاص الذين تعتزم الدولة انتدابهم والبالغ عددهم 2500 عامل وأكّد انّ البلدية رفعت قرار انتدابهم إلى السلطة المعنية لكن لم تتمّ المصادقة عليه إلى حدّ الآن إلا أنه بمقتضى جلسة صلحية بإشراف والي أريانة اليوم ستتمّ مناقشة الأمر. وأفاد «الجويني» أن الكثافة السكانية التي تتميّز بها المنطقة تستوجب بلدية قائمة الذات خاصة بالمنيهلة كما تستوجب أسطول عمل جديدا من وسائل عمل وموارد بشرية. وأكّد «الجويني» انّ ما زاد الطين بلّة تصرّفات «البرباشة» الذين يقومون بإفراغ الفضلات من حاوياتها ووضعها على الأرض ليطالب باتخاذ الإجراءات التوعوية والرادعة ضدّهم. أمّا معتمد المنيهلة «هشام الدرويش» فقد أشار إلى انّ الوضع البيئي كارثي ووسائل العمل مهترئة والموارد البشرية غير كافية وأنّ المنطقة تستوجب بلدية قائمة الذات نظرا للكثافة السكانية كما تستوجب أجهزة عمل جديدة .