يتواصل اليوم لليوم الثاني على التوالي إضراب أعوان البريد في كل جهات الجمهورية بعد فشل المفاوضات بين الجامعة العامة للبريد والاتصالات والجهات المسؤولة في التوصّل إلى حلّ توافقي يُرضي جميع الأطراف.. وقد طالب البريديون بدعم العنصر البشري وبانتداب 1000 عون جديد في حين لم توافق الوزارة سوى على انتداب 350 عونا. هذا إضافة إلى المطالبة بالمنحة الخصوصية. وقد تميّز المشهد أمس بالعاصمة، بإغلاق جميع محطّات البريد في كامل الجمهورية وخاصة بتجمّعات كبيرة للمواطنين أمام أبواب مراكز البريد المغلقة الذين فوجئوا بإضراب لم يعلموا به أصلا.. أغلبهم يُندّد وقد علت الحيرة والغضب مُحيّاهم... وآخرون يؤكدون أن المواطن وحده يدفع الثمن. "التونسية" خرجت إلى الشارع وواكبت حدث الإضراب ووقعه على نفوس ومصالح المواطنين فكان الريبورتاج التالي: "رحمة" قالت بانفعال شديد إنه ليس الوقت الملائم للإضراب وفي العالم المتقدم يقع إعلام المواطن بالإضراب قبل أيام حتى لا تتضرّر مصالحه. وأضافت «رحمة» أنها كغيرها من المواطنين لديها أموال في خزائن البريد وتريد سحب مبلغ لكنها وجدت أبواب مركز البريد موصدة في وجهها. فماذا تفعل وهي في حالة إفلاس؟؟ هكذا صرحت بتشنج وتساءلت حائرة عن مصير بلد يضرب موظّفوه ويطالبون بالمنحة الخصوصية في حين لا يجد آخرون ما يأكلون نتيجة الفقر والبطالة. شاذلي العيّاري جاء لمركز البريد لسحب أمواله فصُدم بالإضراب وقال متألما: «لقد جئت من منطقة مكثر من ولاية سليانة لربح الوقت في التنقل إلى العاصمة وبعد ذلك أسحب مبلغا من المال من أيّة محطة بريدية بالعاصمة لأجد الأبواب موصدة وأعلم أنّ الإضراب يدوم يومين»! وأضاف شاذلي: «آش نعمل أنا، توّة، كيفاه يعملوا إضراب ويوقّفوا البلاد والواحد يعلم بيه كان ربّي..»؟ وتساءل شاذلي: «لماذا لا يعملون ويُطالبون بطريقة حضارية بدل تعطيل مصالح المواطن الذي يبقى المتضرّر الوحيد والمتحمّل لكل التبعات والنتائج؟ حسن حشوش بدوره أكد أنه جاء من مرناق حيث بحث عن مركز بريد مفتوح فلم يجد فظنّ أنّ مشكلته ستحل عندما ينزل إلى العاصمة ولكنه صُدم بالأبواب الحديدية المغلقة. وأضاف حسن أنّ لديه عديد الشؤون العاجلة التي يتطلب قضاؤها أموالا، واستغرب كيف يُقدم أعوان البريد على الإضراب في هذا الظرف بالذات الذي تمرّ به البلاد وكيف يطالبون بالمنحة الخصوصية وهم موظّفون ومُرسّمون في وظائفهم ولديهم عديد الامتيازات، متسائلا: «ماذا يفعل «البطّال» عندما يُضرب الموظّف؟ وأشار حسن إلى أنّ العديد فهم أجواء الحرية والثورة على أنها همجية وتنصّل من المسؤولية الوطنية.. فكل يوم إضراب وكل يوم مطالب.. أين كانوا في عهد بن علي؟ لماذا لم يُطالبوا بالمنح وغيرها وكانوا يعملون بمرتبات أقل وبأقل «قدَرْ» ومع ذلك لم يضربوا وكانوا دائما يصفّقون ويناشدون؟ وتساءل حسن عن مصلحة هؤلاء الذين يدعون إلى الإضراب وهم يدركون أن اقتصاد البلاد متدهور وختم قوله بحسرة: «هم يحبّوا تولّي الخُبزة بدينار وإلاّ موش موجودة أصلا .. يحبّوا يترّكوا البلاد» وأضاف: «هؤلاء الموظفون أخذوا حقهم وحق غيرهم، يخدموا في البرود وغيرهم يشهق ما يلحق وما شكاش وما أضربش». وليد الجويني قال إنّ الإضراب يُعطّل مصالح البلاد وكذلك المواطن ولكنه يوافق على مطالب الأعوان الخاصة بالزيادة في عدد الموظّفين وسدّ الشغورات الموجودة وتوفير مواطن عمل جديدة تحلّ مشكلة البطالة. كما أشار وليد إلى حقّ الأعوان في التمتع بالمنحة الخصوصية لأنهم يعملون طيلة الأسبوع ولثماني ساعات ونظرا لإجهادهم وتعبهم يستحقّون المنحة الخصوصية. جاب الله بدوره قال إنّ الإضراب شرعي ومشروع وأعوان البريد يقدّمون خدمات جبّارة للمواطن، ومن حقهم أن يطالبوا بتدعيم الرصيد البشري في مؤسساتهم «فأهل مكة أدرى بشعابها». وأضاف جاب الله «إذا كانت الحكومة تريد إيجاد حل لمشكل البطالة وانتداب المعطلين عن العمل فلماذا ترفض هذا المطلب الذي سيُحلّ المشكلة إلاّ إذا كانت هذه الحكومة مازالت تتعامل بالمحسوبية والولاءات والتعيينات تحت الطاولة كما كان يحدث ومازال؟». واتهم جاب الله وزير الإصلاح الإداري ب«إفساد الوظيفة العمومية وعدم مسؤوليته المهنية والوزارية»، كما اتهم الحكومة ب«جرّ البلاد نحو المهلكة بعشوائيتها وسوء تصرّفها» وأشار إلى أنّ المخلوع كان يُقرّ الزيادات كلّ 3 سنوات في الوظيفة العمومية.. فلماذا لا توافق الحكومة الآن على إقرار الزيادات المشروعة مضيفا أن الحكومة «زعيمة كان تعمل صفقة من وراء الشعب وتسلّم المحمودي». «شهلة» قالت إنّ الإضراب هو ضربة قاصمة للمواطن والاقتصاد على حدّ السواء.. وأضافت أنها جاءت إلى مركز البريد لتسحب مبلغا ماليا قصد الذهاب إلى الطبيب لأنها مريضة مرضا مزمنا ويلزمها مراجعة طبيبها الخاص كل أسبوع.. وقالت شهلة: «آش نعمل أنا توّة».. نخبّي فلوسي عندهم وكي نستحقها ما نلقاهاش» لتعلق «ملاّ بلاد»! علي حمداني بدوره أكد أن الإضراب يضرّ بالاقتصاد وبالمواطن الكادح خاصة ذلك الذي قد تكون له مصالح عاجلة. كحالة مرض أو موت أو حتى سفر ويكون في حاجة لأمواله.. فكيف سيكون حاله عندها؟ سميرة صرخت منزعجة «لماذا لم يقوموا بإضراب حضاري بحمل الشارة الحمراء حتى لا يعطلوا مصالح البلاد والعباد. انهم يدفعون المواطن الى ردّ الفعل ويستفزونه بضربهم لمصالحه وخاصة لقوته.. يريدون أن يشعلوا البلاد من جديد». وتساءلت سميرة: «كيف يوقفون بلادا كاملة وشعبا كاملا من أجل منحة خصوصية؟» بلال خبثاني وهيثم البصير أكدا بدورهما أن إضراب البريد «خدمة اللّي ما عندوش خدمة» وتساءلا: «أين كان هؤلاء المضربون في عهد بن علي؟؟» ليختما بقولهما: «كان كل واحد يحكّ راسه يعمل إضراب البلاد مشات». نور الدين حامدي قال: «يكفي من الاضرابات لقد مللنا هذه الموضة الثورية لأن الاضراب لا يحل كل المشاكل وتونس لا تتحمل مزيدا من التدحرج نحو الهاوية». نوفل عسكري أكد أنه مع الاضراب «لأنه لا يضرّ بالاقتصاد بل المضرّ بالاقتصاد فعلا هو عدم محاسبة عصابات وأزلام النظام السابق الذين مازالوا طلقاء يعيثون فسادا في البلاد، فهؤلاء هم «فيروس» يجب التخلص منه نظرا لفسادهم المالي والأخلاقي» ولذلك فهو يساند اضراب أعوان البريد ويراه شرعيا. منية قالت إنها صدمت من البريد كمؤسسة عمومية حظيت دائما بثقة المواطن وتواجدها في كل نقطة من الجمهورية. وأضافت منية أنه كان على أعوان البريد حمل الشارة الحمراء حتى لا يعطلوا مصالح المواطن المتضرر الوحيد من الاضراب. وطالبت منية المؤسسات ذات الصبغة المالية بإيجاد طريقة أخرى للاضراب حتى لا تضر بالمواطن وبمصالحه. أما الجهات النقابية فقد تمسكت بحق أعوان البريد في الاضراب ومطالبهم المشروعة وفي هذا السياق قال سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل في اتصال ل «التونسية» به أن المطالب مشروعة ومن حق المواطن الموظف أو غيره بعد الثورة أن يضرب ويطالب بحقوقه. وأضاف سامي الطاهري أن الاضراب حق دستوري وشرعي ولا يعطل مصالح المواطن لأنه يدافع في النهاية عنه كما أن الاضراب هو وسيلة ضغط على الحكومة لتصبح هذه المطالب واقعية. وأكد الطاهري أن التصعيد ممكن في حال لم تستجب الحكومة لهذه المطالب. وزارة الاتصال وتكنولوجيا المعلومات نفت علمها بالاضراب وقالت كاتبة وزير الاتصال في اتصال هاتفي ل «التونسية» بها أن الوزارة لم تتفاوض مع اتحاد الشغل ولا تعلم أصلا باضراب أعوان البريد. أما وزارة الشؤون الاجتماعية فقد ماطلت في إعطاء رأيها بوضوح ورغم اتصالنا بها عديد المرات فإننا لم نتلق ردا حول موضوع الاضراب رغم وعدها بالتعاون معنا.