كشف السيد بشير سليمان مهندس أوّل متقاعد ورئيس سابق لدائرة الهندسة الريفية والدائرة المائية ل«التونسية» ان أسباب الأزمة الحاصلة في تونس والتي أدت لإنقطاع المياه الصالحة للشرب في عدة ولايات كسوسة وصفاقس ونابل والمهدية تعود لفقد منظومة احتياط وتوقّ واستشراف لمثل هذه الحالات وذلك بسبب عدم وجود تجهيزات مزدوجة في كل تنقيب أو بئر تستعمل لتموين خزانات المياه المنتشرة بالبلاد، مشيرا إلى أنه يتعين على وزارة الفلاحة على مستوى الهندسة الريفية وشركة توزيع المياه أن تضع تجهيزين لضخ المياه بالكهرباء والديازال لإستعمالها عند الحاجة. وقال سليمان: «كلام محمد بن سالم وزير الفلاحة أول أمس في القناة الوطنية الثانية لا يستقيم لأن تبرير الأزمة بإنقطاع التيار الكهربائي مجانب للحقيقة لأنّه من المفروض ان يتم وضع محركين بكافة الخزانات الأول كهربائي والثاني على سبيل الاحتياط يعمل بالمحروقات (الديازيل) وبالتالي إن كانت المحركات الثانية غير موجودة فهذه مسألة خطيرة جدا والمعروف فنيا ان كل خزان يجب ان تكفي مياهه مدة 72 ساعة فحتى لو انقطع الكهرباء فالماء يكون موجودا وكان من المفروض على مشغّل المحطة ان يشغّل المحرك الثاني ولا يترك المضخة تتوقف!». واضاف السيد بشير سليمان «نشكو من غياب منظومة مراقبة تسهر على وضعية المياه في تونس والتي من شأنها أن توفر لنا الكثير من المياه التي تهدر هباء.هذا إلى جانب غياب أسطول من الصهاريج تكون جاهزة لتوزيع المياه بحساب صهريجين مجرورين في كل 10 كلم مربع 'هذا مع التذكير ان البنود من 4 إلى 7 من الأمر 419 بتاريخ 13 فيفري 2001 في فصليه الأول وببنوده العشر والفصل الثاني ببنوده 16 تؤكد على أنه من مشمولات وزارة الفلاحة تسخير الموارد المائية لسدّ حاجيات البلاد من الماء ثم عليها تمكين المندوبيات الفلاحية من الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستية لتمكين دائرة الهندسة الريفية من القيام بالرسالة المناطة بعهدتها». وقال: «لا يجب ان ننسى ان وزارة الفلاحة أرادت ومنذ عدة سنوات ان تنسحب من مهمة توزيع المياه بالمناطق الريفية وذلك بتكليف مجامع مائية لكن هذه المجامع تعاني الكثير من الصعوبات الفنية والمالية لذلك يجب مراجعات هاتين النقطتين لأنه في غياب هذه التجهيزات حدث ما وصلنا إليه من نقص للمياه». وقال: «أحمل المسؤولية كاملة لوزير الفلاحة وأدعوه لمناظرة «تلفزية» على الهواء في ما يخص وضع البلاد في المياه وخاصة المياه المهدورة والمنسابة عن طريق «الرشح» لأنه يتحدث بلغة السياسي وليس بلغة الخبير الفلاحي». وحملّ بشير سليمان وزارة الفلاحة مسؤولية الأزمة الحاصلة وقال: «تونس هي أول بلد عربي وإفريقي أعد منذ 1974 مجلة المياه وتضم 125 فصلا وهي مرجع قانوني مفخرة للبلاد». ويؤكد بشير سليمان على أن المجلس الأعلى بوزارة الفلاحة سابقا والمكلف بالسهر على تطبيق هذه المجلة وخاصة الفصلين 8 و9 منها والخاص بالمحافظة على التربة والمياه لم يقم بإحترامها ممّا تسبب في اندثار 10 ألاف هكتار من الأراضي الخصبة وذلك بسبب إستعمال محاريث ممنوعة «ومحرّمة» فلو احترمنا هذه المجلة لما وصلنا لهذه الأزمة لأن ما حصل خطير وإذا لم يتم أخذ بعض الاحتياطات اللازمة فإن القادم سيكون أخطر لأننا قد نصل إلى مرحلة ينضب فيها الماء واللجنة التي هي الآن بصدد التكون لا بد ان تنطلق من الجهات وتقوم بتشريك المختصين المحليين». وأشار البشير سليمان إلى أنه وحسب مراجع الجامعة العربية للمياه فإن تونس توجد ضمن 13 دولة عربية وإفريقية بنصيب فردي فوق خط الفقر ب350 مترا مكعبا سنويا حيث يخصص للفرد الأمريكي الواحد 23 ألف متر مكعب في السنة في حين يتمتع التونسي ب350 م3 في السنة وهو نفس نصيب الجزائر والمغرب. في حين يبلغ نصيب الفرد في مصر والسودان 1300 متر مكعب ولبنان وسوريا 700 متر مكعب وليبيا 50 مترا مكعبا. وقال : «يتحصل عديد المواطنين بالمناطق الريفية على مياه الشرب عن طريق جرارات وصهاريج مياه يقدر عددها ب65 ألف جرار على كامل تراب الجمهورية ومنها 25 ألف جرار في الأرياف توزع الماء على المواطن. وكحل لذلك يجب ان يكون لوزارة الفلاحة أسطول من المحطات المتنقلة والشاحنات لضخ المياه وتزويد المواطنين».. واعتبر بشير سليمان أن الحديث عن وجود مخزون من المياه بالسدود يقدر ب3 مليار متر مكعب يكفينا ل3 أو 4 سنوات كلام خاطئ لأنه لا يجب ان ننسى ان هناك كميات من مياه السدود تتبخر يوميا وهو ما يتسبب في نقصان 6 مم من المياه يوميا أي ما يعادل نقصان 2٫5 متر سنويا من منسوب السد بمفعول التبخر ولم يعالج هذا المشكل إلى الآن رغم وجود حلول وهو ما أدى إلى جفاف بعض السدود في تونس كما لا يجب ان ننسى وجود كميات كبيرة من التراب والطين داخل السدود والتي تقلص من طاقة إستيعاب السدود ويمكن إستعمالها كسماد عضوي. وأشار محدثنا إلى أن هناك إضطرابا في التوازن بين الحاجيات والإمكانيات وهذا التوازن وقع انخرامه. فعندما نتحدث عن 52 سدّا موزعة على كامل تراب الجمهورية لا يجب ان ننسى ان هناك متنفسا لكل سدّ وهو عبارة عن ساقية. فإن قمنا بعملية حسابية سنجد لكل سدّ متنفسا ب12 لترا تخرج عن طريق الرشح من المياه وتذهب للأودية والبحار هذا الى جانب التبخر وبالتالي على الوزارة ان تسترد المياه المهدورة لأن النقص يقدر بين 15 و18 بالمائة من المياه سنويا ويجب أخذ الإحتياطات ولسنوات العجاف والجفاف ويجب على الوزارة ان تفكر في مائدة مياه سقوية عمقها لا يتعدى 25 مترا ولذلك يجب حسن التصرف في ما هو متوفر. ويرى محدثنا أنّ من بين الأسباب الأخرى لنقص المياه: تنامي النمو الديمغرافي كما يجب ان نغير طريقة التعامل مع المائدة المائية، فمنطقة الوطن القبلي صنفت منطقة «حمراء» لأن المائدة المائية أصبحت مالحة جدا بسبب عدم احترام مجلة المياه ولم يتم سابقا احترام شروط حفر الآبار لأن الآبار الموجودة تفوق الكميات المسموح بها كذلك الشأن لمنطقة طبلبة التي تعد أيضا منطقة حمراء حيث يتم أخذ 1250 مترا مكعبا من وادي نبهانة من المياه يوميا لمقاومة زحف مياه البحر من تحت الآبار... فالأرض كما هو معلوم تتكون من طبقات مائية حلوة وكلما تعمقنا في الأرض تنقص الحلاوة ويصبح الماء «مالحا» وهو ما جعل عديد الفلاحين في طبربة يتوجهون إلى القصرين؟ وقال: «الأخطرمن ذلك انه لدينا 11 ألف بئر والمائدة المائية لا تسمح بهذا العدد الضخم، ففي الكلم لا يجب ان يتعدى العدد 12 بئرا فقط». ويرى بشير سليمان ان تونس ليس لديها منظومة استباقية ولا استشرافية للكوارث والمخاطر وهو ما يبرر الوقوع في الأزمة الحالية وكذلك الأزمات السابقة مثل الثلوج في عين دراهم والفيضانات في الشمال الغربي لأنه لم يتم استباق الأحداث وإعداد العدة للأخطار رغم ان الحلول جاهزة ولم يتم استغلالها. ويوصي محدثنا بتأسيس مجمع من الخبراء للشروع في صنع محطات تحلية المياه وهي ممكنة. ويمكن تنظيم ملتقى لبلورة هذا التمشي خاصة وان الإمكانيات متوفرة من حيث الكفاءات والقدرات ولا ننسى ان محطات التحلية فى تونس مرتبطة بالخارج ذلك ان الطاقات التونسية قادرة على صنع المحطات بإستثناء قطعة واحدة تسمى «الأغشية شبه النضاحة» او التناضح العكسي والتي هي من إختراع «النازا» والتي لم تسمح بصنعها سوى في 5 بلدان أوروبية. وذكرّ محدثنا أنه رغم المخاطر التي تتهدد التونسي من حيث نقص المياه فإن مشروع المياه الجوفية والذي سبق وتحدث عنه والموجود بمنطقة «ذهيبة» سيوفر لتونس نحو 60 مليار م3 من المياه أي ما يعادل حصتنا مرتين من السدود وقال: «هذه المياه موجودة على عمق 800 م وتقدر عذوبتها ب0٫8غ أي أقل من غرام وهي مائدة متجددة وستشكل حلا جذريا لأزمة المياه في تونس.