يكتبها: أبو يوسف لفت انتباهي مقال للزميل القدير عبد الحميد القماطي نشرته جريدة لابراس La Presse في عددها ليوم الأحد 15 جويلية حول تفشي ظاهرة الزواج العرفي خاصّة في صفوف الطلبة حيث تمّ إحصاء 256 حالة في 6 جامعات تونسية. هذه الظاهرة التي اندثرت في تونس منذ أكثر من 50 سنة، شهدت عودة لافتة مع تنامي التيار السلفي الذي وجد أتباعه في هذه الطريقة «شرعنة» للممارسة الجنسية تحت غطاء ديني ولكن في خرق واضح للقوانين التونسية التي تمنع هذا النوع من الزواج. ويبرّر متعاطو هذا النوع من الزواج والمدافعون عنه بتفاقم ظاهرة العنوسة لدى النساء و تأخّر سنّ الزواج لدى الشباب الذي يقدر ب 34 سنة بالنسبة للشبان وب 29 سنة بالنسبة للفتيات، حيث تفيد البيانات الإحصائية للديوان الوطني للأسرة والعمران البشري «أن نسبة العنوسة بين التونسيات بلغت 60%، وأن عدد العازبات ارتفع إلى أكثر من مليوني وربع المليون امرأة من مجموع نحو أربعة ملايين و900 ألف أنثى في البلاد، مقارنة بنحو 990 ألف عازبة عام 1994، كما بينت آخر عملية مسح للسكان تأخُّر سن الزواج للرجال أيضا، حيث تبين أن نسبة غير المتزوجين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و29 سنة قد قفزت من 71 %خلال عام 1994، إلى نسبة 81,1% أواخر سنة 2010.» هذا إضافة إلى تمطّط مدة الدراسة وصعوبة الاندماج في الحياة العملية، ناهيك وأنّ نسب البطالة في تصاعد مستمر، وكذلك ارتفاع كلفة الزواج وثقل مسؤولياته بما يترتّب عنه من إنجاب للأطفال والسهر على تربيتهم. ومن جهة أخرى فإنّ الرغبة في الاستمتاع بمغريات الحياة دون تقيّد بالتزامات قانونية تجاه مؤسسة الزواج تدفع ببعض الشباب الى عدم الاقدام على الزواج في سن مبكرة... كلّها أسباب يبرّر بها البعض «الاستفادة من تجارب الدول العربية الشقيقة في تطبيق الزواج العرفي كحلّ لعديد الشباب و الشابات وكآلية عملية توفّر الإشباع الجنسي و العاطفي لهم مع مراعاة الشريعة الإسلامية». وتزامن بروز هذه الظاهرة مع دعوات أطلقها البعض بمراجعة مجلّة الأحوال الشخصية التي تعتبر من مفاخر تونس المستقلّة. يقول الأستاذ أحمد المستيري في «شهادته للتاريخ»، وهو الذي تولّى مقاليد وزارة العدل في أوّل حكومة بعد الاستقلال برئاسة الزعيم الحبيب بورقيبة، أنّه تمّ تكوين لجنة تتركّب من قضاة كبار وهم محمود بن سلامة ومحمود العنابي و الشيخ محمد القروي لإعداد مشروع لمجلّة الأحوال الشخصية، كما تمّ الاستئناس برأي العالمين الجليلين الشيخ محمد الطاهر بن عاشور والشيخ عبد العزيز جعيط، كما تمّت الاستعانة بحكمة الشيخ الفاضل بن عاشور لملاءمة النصوص التي ظهر حولها خلاف مع فقه الشريعة. وقد شدّد الرئيس الحبيب بورقيبة آنذاك على أمرين ، أوّلا ضرورة التنصيص على منع تعدّد الزوجات مهما كانت الأعذار، وثانيا أن لا يقع الطلاق إلا لدى المحكمة. كان ذلك منذ 56 سنة خلت، وقد شهدت المجلة عدّة تنقيحات لإتمام بعض الفصول وجعلها مواكبة لمتطلّبات العصر ممّا جعل من تونس مرجعا لا في الدول العربية والإسلامية فحسب بل وأيضا في الدول المتقدمة بحيث ارتقت المرأة التونسية إلى مرتبة الشريك الفاعل. فالمجلّة هي، في الواقع، نتاج مراكمات تاريخية وثقافية وحضارية في بلد عرف تعاقب العديد من الحضارات إلى أن جاء الإسلام ليوحّد وهي عصارة أفكار عديد المصلحين والمفكرين وبالتالي فلا يمكن التفريط فيها بالسهولة التي قد يذهب إليها البعض من مستوردي العادات والأفكار والتقاليد الغريبة عن بلادنا والتي لا زالت تعتبر المرأة مجرّد مسكّن للشّهوات والنزوات والغرائز فراحت تبتكر البدع لإضفاء المشروعية على أنواع مستحدثة من الزواج، فأصبحنا نسمع عن الزواج العرفي (1)زواج المتعة(2) وزواج المسيار(3) وزواج المسفار (4) وزواج العمل(5 )وزواج فراند(6)...وكلّها بهدف «الإشباع الحلال» للغريزة الجنسية والوفاء بحاجات «الفطر الإنسانية». كل ذلك بمباركة من بعض الشيوخ والدعاة. وقد يكون الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، غير المستقر في تونس ما بعد 14 جانفي، شجّع على بروز هذه الممارسات في صفوف الشباب الذي يعاني من تجاذبات فكرية رجعية وفي ظلّ غياب الوازع القانوني ولا ندري هل أن هذه الظاهرة بدأت تتفشّى في القرى والأرياف وعلى نفس الشاكلة وما إذا كانت السلط العمومية وخاصة وزارتي العدل والمرأة على بيّنة من الأمر وكذلك الجمعيات الحقوقية والنسائية المدافعة على حقوق المرأة ومكتسباتها، وإذا كان الأمر كذلك فالظرف يقتضي استعمال القانون للقضاء عليها قبل أن تستفحل في صفوف العائلات التونسية وتصبح مستعصية. فمخاطرها كثيرة وانعكاساتها وخيمة خاّصة على المرأة بما يعنيه ذلك من خضوع وتأكيد لخنوعها بحيث تمنح جسدها للرجل بغرض استغلالها.كما أنّ الزواج العرفي يهدّد أركان الأسرة وينذر بتفكّك المجتمع وقد يتسبّب في كوارث أخلاقية وإنسانية أولى ضحاياه المرأة والأطفال الذين يولدون في إطار هذا الزواج. إنّ السكوت على هذه الظاهرة هو مباركة ضمنية لها و فتح النافذة أمام تعدّد الزوجات وهي تمثل خطوات إلى الوراء في الحقوق التي اكتسبتها المرأة التونسية. فالزواج العرفي هو جريمة يعاقب عليها القانون ولو صح خبر انتشار هذه الظاهرة في صفوف الشباب فالمسألة تصبح خطيرة ويجب التصدّي لها والحيلولة دون اتساعها بكل الوسائل المشروعة. (1): الزواج العرفي: هو اتفاق مكتوب بين طرفين (رجل وإمرأة) على الزواج دون عقد شرعي، مسجّل بشهود أو بدون شهود، لا يترتّب عليه نفقة شرعية أو متعة وليس للزوجة أي حقوق شرعية لدى الزوج، لذلك يكون الزواج باطلا لأنّ الإشهار ركن من أركان الزواج الشرعي في الإسلام، فما بني على باطل فهو باطل. (2):زواج المتعة : هو أن يتزوج الرجل المرأة بشيء من المال مدّة معينة ، ينتهي الزواج بانتهائها من غير طلاق وليس فيه وجوب نفقة ولا سُكنى . ولاتوارث يجري بينهما إن مات أحدهما قبل انتهاء مدة الزواج . -(3): زواج المسيار : هو أن يعقد الرجل زواجه على امرأة عقدًا شرعيًا مستوفي الأركان . لكن المرأة تتنازل عن السكن والنفقة . (4): زواج المسفار أو الزواج السياحي أو الزواج الصيفي: هو الزواج بنية الطلاق و لكن الزوج يضمر في نيّته و لا يظهر ذلك لا بكلامه و لا في العقد أنّه سيتزوّج بنيّة الطلاق لمدّة معيّنة طوال بقائه في المكان الفلاني. ويكون عادة خلال العطلة الصيفية التي قد يجد فيها الرجل نفسه وحيدا دون زوجة ولا عائلة. كما يقع اللجوء إليه من طرف البعض من الفتيات لتكملة شروط السفر إلى الخارج لمواصلة التعليم والذي يفترض وجود محرم في عدد من البلدان الخليجية. (5) زواج العمل: الزواج من زملاء في العمل تجنّبا للخلوة والاختلاط وهو عادة ما يتكاثر في المستشفيات وقد لجأت إليه عديد الفتيات السعوديات. (6)زواج فراند: هو قريب من زواج المسفار وهو التزوّج من صديق على غير الطرق القانونية وهو قريب في مفهومه من le concubinage.