سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كمال الجندوبي" (رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات) ل«التونسية"»: «هيئة الحكومة» سياسيّة وتمريرها خطر على الديمقراطية ... و أتعرّض لضغوطات وإيحاءات لكن لا يمكن لأحد أن «يقعقعني»
الانتخابات المقبلة ستختلف تماما عن انتخابات 23 أكتوبر 2011 ليست لدينا مصلحة في السلطة حاورته: هاجر الحفضلاوي
تاريخ 23 أكتوبر يوحي لنا بضيف حوار هذا العدد، فهو الذي ساهم في انجاح المحطة الانتخابية الفارطة، تحلى بالروح الوطنية وأثبت جدارته في خوض تجربة انتخابية يشهد القاصي والداني بنجاحها وشفافيتها، وهو من غلّب المصلحة العامة للبلاد على كل المحاصصات الحزبية والولاءات السياسية وهو الذي أشرف على هيئة ساهمت في ولادة حكومة منتخبة من رحم الشعب التونسي. إن حدثته عن الهيئة وجدته متحمسا وحريصا لا على رئاستها وإنما على مصلحة البلاد التي وضعها فوق كل اعتبار وإن سألته عن السياسة وجدته عالما مفكرا وواعيا بكل خبايا وتفاصيل كواليسها شعاره الاستقلالية والحيادية والشفافية ومبدأه الثبات والديمقراطية. «التونسية» اختارت مصافحة كمال الجندوبي رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الحاصل على شهادة من معهد إدارة المؤسسات بباريس وشهادة الدراسات المعمقة من جامعة باريس السوربون وترأس الشبكة الأورومتوسطية للدفاع عن حقوق الإنسان وعضو مؤسس لفيدرالية التونسيين ورئيس لجنة احترام الحريات وحقوق الانسان وشغل كذلك عضو المجلس التنفيذي بالمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب ورئيس معهد القاهرة للدراسات حول حقوق الإنسان وعضو مكتب المؤسسة الأورومتوسطية لدعم المدافعين عن حقوق الإنسان واضطر للمنفى لمدة 17 عاما لنشاطه في مجالات الهجرة وحقوق الإنسان فكان معه الحوار التالي الذي تحدث فيه بوضوح عن موقفه من المشروع الذي قدمته الحكومة والخاص بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات وكشف عن الضغوطات غير المباشرة من طرف الحكومة وعبّر عن موقعه كرئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن انتخابات المرحلة المقبلة وضمانات إنجاحها. بداية ماهي مؤاخذاتكم على مشروع الحكومة الخاص بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات؟ إنّ المشروع الذي عرضته رئاسة الحكومة على أنظار المجلس الوطني التأسيسي يطرح العديد من التساؤلات فهو كمشروع حكومي يمكن ان يطغى عليه الطابع السياسي باعتبار ان رجل الحكومة في حد ذاته رجل سياسي وبالتالي فإن ذلك يطرح العديد من الاشكالات على غرار (الخلفية السياسية لهذا المشروع) والحال أننا نبحث عن مشروع توافقي كما أن هذا المشروع يطرح في أولى خطواته العديد من الأسئلة الهامة فهو ليس مشروعا عاديا وإنما يجب ان يكون نتاج وفاق ونقاش وحوار وطني ومن المفارقات العجيبة أن يتم تغييب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في عملية إعداد هذا المشروع. وبالنظر الى المشروع نفسه نرى أن فلسفته مبنية على أساس عدم التواصل مع الهيئة وإلى حد فهو يتضمن نوعا من القطيعة مع الهيئة على مستوى التسمية حيث تم تغيير التسمية (الهيئة المستقلة للانتخابات)وكأن كلمة «عليا» تتضمن بالنسبة اليهم إشكالا والحال أنها غير ذلك كما أن كل مفاصل هذا المشروع مطبوعة بعديد التساؤلات وكذلك بعدم التواصل وفي عرض الأسباب تقرّ رئاسة الحكومة بأن هناك تواصلا مع التوصيات في حين ان المسألة لا تتعلق بالتوصيات فقط بل بالحوار. وبالمقارنة مع المرسوم 27 الذي أسس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فإنه يوجد اختلاف بين المرسوم وما قدمته الحكومة فقد قدمت (مشروع قانون) وعموما فإن أهم الاخلالات هي على مستوى الضمانات وكأن الاستقلالية في نظر هذا المشروع (مالية) وهو ما سيدخلنا في اشكالات عديدة تنعكس أولا على مستوى تسيير الهيئة نفسها بالاضافة الى ثغرات اخرى على مستوى الانتدابات وصلوحيات الهيئة، كما أن مشروع الحكومة يحتوي على صيغ غامضة في حين أنه كان بالإمكان تقديم صيغة واضحة تمكن المواطن البسيط من فهم النص ويمكن القول ان قوة القوانين الانتخابية هي التي يمكن فهمها. تطرقت في حديثك الى العديد من النقاط فما هي قراءتك السياسية لهذا المشروع ألا ترى أنه يخدم أجندات سياسية معينة؟ ليست لدي قراءة سياسية ولكن الاشكال الوحيد أن هذه الحكومة هي سياسية بالأساس وبالتالي فهي معنية بالشأن الانتخابي ولها مصلحة مباشرة بالانتخابات وللإشارة فإنه يوجد في هذه الحكومة من هو وزير ونائب في المجلس الوطني التأسيسي وهي مسألة تجعل العديد من المتابعين للشأن العام يقرون بوجود خلفية سياسية ولهم الحق في طرح هذا السؤال الموضوعي ومن الطبيعي كذلك أن يقع التساؤل عن المعنى السياسي لمشروع الحكومة الخاص بالهيئة لأن مصدره سياسي. ما هو تعليقك بالنسبة لتغيير تركيبة الهيئة؟ ليس لديّ اشكال في قضية التجديد او التنويع ولكن الاشكال يكمن في عملية التواصل خاصة في شأن انتخابي. ماذا تقصد بعملية التواصل؟ عملية التواصل ضرورية ويجب أن تكون بنسبة 70٪ كما أن الحوار والنقاش مسألة هامة ومن الضروري ان يتم التفاعل مع الكفاءات بمنطق التواصل وليس بمنطق الاقصاء. وفي حال تثبيت مناصرين ل «الترويكا» ماهي ردة فعلك؟ أكبر خطر ان يخضع التعيين لمنطق الولاء. هل تعتقد أن انتخابات المرحلة المقبلة ستكون بنفس مواصفات انتخابات 23 أكتوبر؟ الانتخابات القادمة ستختلف تماما عن انتخابات 23 اكتوبر (سواء من ناحية الاستحقاقات أو غيرها هل هي برلمانية أو رئاسية) ولا نعرف كذلك القانون الانتخابي ويمكن القول ان انتخابات المرحلة المقبلة أصعب بكثير من الانتخابات الفارطة والمهم هو أن تكون انتخابات طبق مواصفات 23 أكتوبر (التعددية، الشفافية، الديمقراطية) كما يجب ان تخضع للمعايير الدولية المعمول بها. في حال الابقاء على هذا المشروع وتمريره ماذا ستكون ردة فعلك ؟ وماهي مخاطر ذلك؟ يكمن الخطر الكبير في حال تمرير مشروع الحكومة والمصادقة عليه. الهيئة لن تكون مستقلة وسيتم التشكيك في مصداقيتها منذ البداية وسوف تكون هيئة تحت سيطرة ووصاية الحكومة وعموما لا أعتقد أننا سنصل الى هذا الحال ولكن في صورة الابقاء على هذا المشروع فإن خطرا كبيرا ينتظرنا ويهدد مصداقية الانتخابات المقبلة. هل ترى أن هناك محاولات لاحتكار مصير الهيئة العليا المستقلة للانتخابات؟ لا أتصور أن هنالك محاولات للاحتكار ولكن هناك رغبة في التأثير على هذه الهيئة ولهذه الأسباب لا بد من العمل على تدعيم فكرة الاستقلالية ولا بد كذلك أن تتعامل الحكومة بكاريزمات واضحة حتى تدعم مبدأ الاستقلالية إذ من خصائص الهيئة أن تكون على وعي بجسامة هذه المسؤولية وقادرة في نفس الوقت على مقاومة كل الاغراءات التي من الممكن ان تقع سواء على مستوى محلي أو مركزي. هل يمكن أن يصل الامر الى حدّ الإغراءات المادية؟ من الممكن أن يصل الى ضغوطات عن طريق أصحاب رؤوس الأموال سواء كانوا أحزابا أو أفرادا أو جماعات فهناك العديد من المخاطر التي من الممكن ان تحدق بالهيئة وهناك مخاطر أخرى تتمثل في تأثيرات سياسية مباشرة من قبل بعض الأطراف وتبقى مواجهة كل هذه المخاطر بالوقوف امام هذه الضغوطات. هناك مصادر إعلامية قريبة من حركة «النهضة» تعتبر أن تغيير رئيس الهيئة بآخر يخدم أجندتها ماهو تعليقك؟ إذا وجد أي طرف يحظى بالكفاءة والنزاهة والشفافية فليس لديّ أي اشكال في التعيين. نفهم من كلامك أنك لست متمسكا برئاسة الهيئة؟ أنا لم أدخل الهيئة لكي أتمسك برئاستها فواجبي كان من اجل أداء مهمة على احسن وجه وفي المقابل ينبغي التأكيد على أن هذه الهيئة هي أول نتاج للثورة التونسية فقد أثمرت لنا انتخابات حرة وديمقراطية وشفافية وعلينا تعزيز هذه الثمرات التي أفرزتها الثورة وهو واجب وطني قبل كل شيء. لم يصدر نص قانوني وصريح ينهي مهام الهيئة ولكن في المقابل يتم الحديث عن هيئة منحلة ماهو تعليقكم؟ هناك أطراف تدعي أنها هيئة متخلية أو منحلة فالهيئة موجودة ولدينا نشاطات وقول الكيلاني بأن الهيئة منحلة يدخل في اطار من يريد أن يجعل الحلم حقيقة. هل تلقّيت ضغوطات مباشرة؟ هناك ضغوطات غير مباشرة على شخصي وهناك ايحاءات ورسائل يتم ارسالها مباشرة أو بصفة غير مباشرة بالاضافة الى بعض الايحاءات العامة المقصودة والموجهة الى شخصي وكل ذلك لن يؤثر عليّ فكل من يريد أن يشن حملة فله ذلك. هل سيكون مصير هيئة الجندوبي على غرار مصير هيئة العبيدي؟ أودّ أن أشير الى أنني شخص مناضل ولا يمكن ان توقفني لا الأنهار الضعيفة ولا الأنهار القوية وحتى «إن قذفتني الأمواج سأواصل السباحة» وليس من طبعي أن أستقيل أو أتنحى عن مهامي أمام حملات التنكيل وكثرة الصعوبات وما دمت مقتنعا بثقة المواطن التونسي فلا أحد بإمكانه أن «يقعقعني» إن صحّ التعبير. لكن في المقابل يرى بعض المراقبين للشأن السياسي ان هناك محاولات لتثبيت عناصر من «الترويكا» داخل الهيئة القادمة ماهو تعليقك؟ وما مدى تأثير ذلك على مسار الانتقال الديمقراطي؟ بهذا الشكل وإذا تم تثبيت عناصر من «الترويكا» داخل الهيئة فإن ذلك سيؤثر على مسار الانتقال الديمقراطي وعموما لا أتصور أن يقع تركيز أية هيئة دون أن تتم استشارة في الغرض مع بعض الأحزاب السياسية. وحسب رأيي فإن علاقة الثقة يجب ان تبنى مع المواطن قبل أن تكون مع الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية ولكن في المقابل وجود هيئة انتخابية دون ثقة أطراف سياسية يحمل اشكالا كبيرا فكيف لها أن تؤدي مهامها؟ كيف يمكن أن تبنى هذه الثقة مع الأطراف السياسية؟ إنّ العلاقة تبنى بالثقة والتواصل والشفافية ولا يمكن لهيئة انتخابية ان تقوم بمهامها في غنى عن الأطراف السياسية ومن المؤسف جدا ان ينتقد البعض البعض الآخر في الخفاء والكتمان ويطغى عليه طابع المؤامرة أو طابع التشويه او التشكيك، فنحن اليوم في حاجة الى نقاش هادف فالبساطة مطلوبة ديمقراطيا وأود أن أقول إذا كان هناك لوم على أشخاص فيجب ان يكون مباشرة وأمام الجميع. إلى متى سيتواصل صمت كمال الجندوبي على «الحكومة» بالطبع نقصد ضغوطات الحكومة؟ هو في الحقيقة ليس بصمت فنحن كهيئة معنيون بالأمر ولكن هناك مسافة معينة نود احترامها حتى على هيبة الهيئة نفسها وأود أن أقول اننا مستعدون للنقاش مع الحكومة وطلبنا ذلك منذ البداية ومستعدون كذلك للحوار مع كافة الأطراف السياسية إن تمت دعوتنا للحديث عن تجربتا والتعبير عن آرائنا والتعليق على بعض المقترحات المستقبلية بصفة موضوعية ومتجردة من أية خلفية سياسية فنحن ليست لدينا حسابات سياسية ومن الطبيعي ان تكون لدى بعض الأطراف حسابات سياسية سواء كانت حكومية أو غيرها وبالتالي يمكن القول إنه ليس لدينا مصلحة في السلطة إن صحّ التعبير فالفائدة الوحيدة التي نبحث عنها هي إنجاح الانتخابات كما أن وجودي داخل الهيئة ليس لتطبيق أفكاري الخاصة وإنما لأداء مهمة وطنية ديمقراطية ولو كانت لديّ خلفية سياسية لغادرت الهيئة ودخلت في السياسة ويجب كهيئة ان نحمي أنفسنا. لكن هذا لا يمنع القول إنكم تتعرضون لضغوطات غير مباشرة مثل افتكاك المقرات الفرعية للهيئة؟ فعلا لقد تم افتكاك مقرات الهيئات الفرعية حيث طلب منها تسليم المقرات لكننا رفضنا ذلك فنحن لن نسلم مقراتنا الا للهيئة الجديدة التي سيتم تأسيسها. وللإشارة فقد تقدمت ضدنا شكاية وربحنا القضية وقد تعرضنا كذلك الى ضغوطات مباشرة على غرار ما حدث في نابل حيث تم الضغط على مقر الهيئة الفرعية من قبل السلط المحلية بطريقة غير مقبولة بالمرة حيث تم استعمال القوة لافتكاك المقر وبسلوك يتسم بالتهور وسنرفع ضد هؤلاء المسؤولين قضية في الغرض. بلغنا كذلك أن الحكومة ترفض دعم ميزانية الهيئة ألا يمكن ان تكون هذه الخطوة ورقة للضغط عليكم؟ لم نتحصل على مليم واحد من قبل الحكومة وفي المقابل نحن نؤدي واجبنا بكل شفافية كما أننا بصدد التحضير لأنشطتنا في المستقبل على غرار مراقبة الحملة الانتخابية بالإضافة الى أشغال على مستوى دائرة المحاسبات. كنت قد أكدت أنه لا يمكن القيام بالانتخابات القادمة في موعدها المحدد في شهر مارس المقبل لماذا؟ إن الموعد الانتخابي لا يجب ان يقدم بهذه الطريقة حيث توجد اشكالية وهي من يحدد الموعد الانتخابي؟ وكيف يحدد؟ والحال أننا لا نعرف طبيعة الانتخابات المقبلة وليس لدينا قانون انتخابي كما أنه ليس لدينا دستور إنا كل هذه المعطيات العامة تطرح اشكالا وعلاوة على ذلك هناك شروط أولية للانتخابات يجب مراعاتها وعموما فإن شهر مارس غير ممكن لإجراء الانتخابات إذا أردنا انتخابات بالمواصفات التي أشرنا إليها (الشفافية والتعددية والديمقراطية)وإذا أردنا اجراء انتخابات بأي شكل من الأشكال فهذا غير ممكن. حسب رأيك لماذا لم يتم تشريك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في صياغة مشروع القانون المتعلق بتنظيم الهيئة رغم الدور الكبير الذي لعبته في الانتخابات التشريعية الفارطة؟ لقد راسلت الحكومة منذ تاريخ 28 ديسمبر في مواضيع عديدة منها ما يتعلق بالهيئة والوضع الحالي الخاص بالهيئة المستقلة للانتخابات والوضع المالي والمقرات ومع الأسف لم يقع التفاعل بصورة ايجابية مع هذا الموضوع كما طلبت لقاء رئيس الحكومة وكان آخر لقاء مع السيد عبد الرزاق الكيلاني منذ شهرين ومن جملة المواضيع التي تم التطرق إليها مسألة تشريك الهيئة في المشروع الخاص بها ووعدني آنذاك بأن يمكنني من المشروع وإلى حد هذه اللحظة أنتظر اعطائي هذا المشروع. وفعلا لا أدري خلفية هذا الأمر فهل ينم ذلك عن رغبة في ازاحة الهيئة (وهو أمر غير ممكن) لأنه حتى وإن تمت ازاحتها من استشارة مباشرة فإن الجميع لن يرضى بذلك سواء المجلس الوطني التأسيسي أو الاعلام. ألا تعتقد أن الترويج لأخبار زائفة تمس الهيئة على غرار الفساد المالي شكل من أشكال الضغوطات كذلك، وورقة رابحة لصالح الحكومة؟ لا أدري من يلعب هذه الورقة والمهم هو أن هذه الادعاءات والشبهات التي يتم ترويجها هي اجرامية حيث تم نشر جميع البيانات المالية وكل التقرير المالي الخاص بالهيئة بالرائد الرسمي منذ تاريخ 29 ماي وعموما فإن عملية الترويج تهدف الى المس من مصداقية الهيئة والتقليل من أهميتها وضرب الثقة التي اكتسبتها من قبل المواطنين. هناك بعض المعلومات تفيد بأن رئيس الحكومة يرفض لقاءك، لماذا؟ آخر لقاء جمعني برئيس الحكومة كان منذ ثلاثة أشهر ولم تكن لي فرصة اخرى للقائه. على ضوء الحراك السياسي الحاصل كيف يقيّم كمال الجندوبي الوضع السياسي بالبلاد؟ إن المشهد السياسي بصدد إعادة التكوين ويمكن القول اننا نعيش حالة من المخاض بين القديم الجديد وتبقى الخاصية العامة للمشهد السياسي أننا لم نكن جاهزين لهذه الثورة لأن عددا كبيرا من الأشخاص لم يشاركوا في هذه الثورة ثم أصبحوا فيما بعد مسيرين للثورة ويبقى السؤال المطروح كيف يمكن القطع مع الماضي والى أي حدّ يمكن ان نقبل بالقديم دون أن نمس من جوهر ما أتت به الثورة اي المطامح الحقيقة للأفراد (في الحرية وفي الشغل) وربما يرجع ذلك إلى عدم قدرة المسؤولين على معالجات بعض الملفات نتيجة الوضع الذي عشناه كما أن النخبة السياسية لم تكن مؤهلة لمواجهة هذه الرهانات المطروحة في البلاد وعموما نلاحظ ان هناك عدم وعي بالجغرافيا التي «تفعل» السياسة وبالتالي فإنه لا يمكن التقدم أو الاصلاح في غياب هذا الوعي بالعالم كما أن الوعي بالعالم يمكننا من فهم دورنا في تونس كما أن العمل السياسي ليس بعمل يتعلق بالفعل السياسي بل هو الذي يبني مشاريع سياسية لبناء مؤسسات الدولة والسلطة وكذلك السلطة المضادة وهنا يبقى السؤال المطروح كيف يمكن بناء السلطة مع تواجد السلطة المضادة فبقدر بناء مؤسسات الدولة نبني المؤسسات المضادة ومن يريد التقليل من شأن المؤسسات المضادة فهو يذهب بطبيعته الى نزاعات سلطوية وعموما فإن العملية السياسية لا يجب ان تبنى على استقطابات ثنائية التي كانت نتيجتها خطيرة على تونس لأن عملية الاستقطاب تنفع أعداء الديمقراطية والحرية فهم سيضعون أنفسهم موضع الضحية، وعموما فإن المحك الانتخابي هو من سيهيكل المشهد السياسي في المرحلة المقبلة فموازين القوى التي برزت على الساحة السياسية غير ثابتة ويمكن لها ان تتغير وحتما ستتغير ويمكن القول ان الانتخابات المقبلة ستكون ذات طابع مصيري ومستقبلي بالنسبة للمشهد السياسي باعتبار أنها ستعكس حالة من موازين القوى الجديدة والتي سيكون لها تأثير على مستقبل تونس. وتجدر الاشارة الى أن التركيبة السياسية الجديدة التي ستفرزها الانتخابات المقبلة هي التي ستحدد مصير تونس على مدى طويل (5 سنوات). صور: نبيل شرف الدين