كتب: منير بو رمضان بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على تشكيل «حكومتنا العتيدة»، التي تقدم نفسها على أنها حكومة الثورة، وتستند لشرعية انتخابية، على خلاف الحكومات التي سبقتها، ما جعل أحد وزرائها يصفها بكونها «أقوي حكومة في تاريخ تونس». نلاحظ أن المشهد السياسي العام في البلاد يسير وفق نسق «خطوتين للأمام وخطوة للوراء»، بسبب غياب لكل أطر الحوار بين الفاعلين السياسيين، وجنوح الحكومة إلى «الهيمنة» والاستفراد بالرأي، وعدم ضبط روزنامة انتخابية واضحة، تسرّع بإنهاء المرحلة الانتقالية الثانية. كما أن الأداء الحكومي في المجال الاجتماعي والاقتصادي تميز بالبطء والتردد، وبذلك تسارعت وتيرة الحركة الاحتجاجية. ويبدو أن العودة للشرعية ليس هي الحل السحري للقطع مع الاعتصامات. ما يؤشر لتواصل أزمة الثقة بين قطاعات واسعة من المجتمع والحكومة. حيث لم ينجح خطاب «النوايا» الحكومية، ولا طلب الهدنة في إقناع المحتجين. ويفسر هذا المشهد بغياب أجوبة واضحة ومقنعة من الحكومة. ويؤكد المراقبون للمشهد السياسي والاجتماعي، على أن حكومة الجبالي تعمل بنفس الأدوات والمنهج والأشخاص السابقة - وأيضا الاتهامات المحقرة والمذلة للمحتجين - في تعاطيها مع الوضع الراهن، وأن أداءها –الى حد الان- لم يرتق الى «الاستجابة لمطالب الثورة»، وان كان هذا يجب ألاّ يحجب صعوبة الأوضاع الموروثة. ان المنهج الحكومي المتبع يجعل منها قريبة من «الاستمرارية» أكثر منها مقبلة على «قطيعة» مع السابق. وبرز مثل هذا التوصيف في التعاطى مع الموجات الاحتجاجية في منطقة الحوض المنجمي وسيدي بوزيد .... والتي كانت «فاشلة» بل أنها أشعلت أو «صبت الزيت على النار». ما يجعل إمكانية استمرار الاحتجاج واردة خلال الفترة القادمة. بل أنها قد تأخذ أبعادا تهدد بحركة احتجاجية ذات مضامين اجتماعية. على الحكومة أن تكون متيقظة لتجاوزها قبل حدوثها. فالوضع الاجتماعي الهش يفرض التحرك بسرعة، عبر اجراءات عملية تحدث تغييرا في أوضاع الناس في المناطق المحرومة، والتى ازدادت «بؤسا» خلال السنة التي تلت الثورة. ومثلما تطالب الحكومة الناس بمزيد من الصبر وتفهمهم أن التركة ثقيلة. فان عليها مد الجسور مع الأحزاب ومكونات المجتمع المدني. والابتعاد عن المظاهر والتصريحات «الشعبوية». والبحث عن حلول مقنعة للحد من الاعتصامات العشوائية، بعيدا عن التلويح باللجوء للحلول الأمنية في فك الاعتصامات. لأنها من جنس الحلول السهلة، والتي سبق أن جربت وفشلت. ولعل الاسلاميين أكثر طرف يدرك محدودية الحلول الأمنية في القضاء على الظواهر الاجتماعية. بل أنهم مطالبون بابتداع حلول تلقى قبولا لدى الناس، وتشعرهم أن مطالبهم موضع اهتمام جدي لدى الحكام الجدد. ان المكاشفة بخطورة الوضع الذي تمر به البلاد، والذي يرجع في جانب كبير منه الى الاحتجاجات التي تعطل الانتاج وتهدد بالتالي المحافظة على الشغل. لا يمكن تصور حله الا عبر حوار وطني شامل. يكون منطلقه من داخل قصر باردو، أي من المجلس الوطني التأسيسي. الذي بينت جلساته الى حد الأن ارادة جامحة لدى الأغلبية في المسك بكل خيوط الادارة والتسيير. بل أن الهوة قد اتسعت بين مكونات المشهد السياسي، بين الترويكا الحاكمة والمعارضة. ما يقلص من امكانية الشروع في حوار وطني من شأنه أن يجعل الجميع يشارك في التشخيص وفي وضع الحلول. وهذا لا يمكن أن يتم ما لم تدرك حركة النهضة بأن التحولات الجارية في المشهد السياسي ليست بفعل الإسلاميين، بل هي نتيجة نضال الحركة الديمقراطية، التي هي وليدة التجربة التحديثية التي عرفتها تونس، فالإسلاميون دخلوا إلى فضاء ديمقراطيّ لم يقوموا هم ببنائه. وفي الواقع فان هذه الحركة الدّيمقراطيّة ستحوّلهم في العمق، بمعنى أنّهم مجبرون على القبول بالقاعدة الجديدة للّعبة. فالنّهضة هي الآن الحزب الحاكم وقد قبلت بتحالف مع أحزاب أخرى للعمل على كتابة الدّستور الذي يريد التونسيون تضمينه قيم الحداثة وحرية المرأة. كما أنها تبوّأت مسؤولية الحكم، ولابد أن تثبت أنها قادرة على تقديم حلول لمشاكل الناس لا أن تعظهم وترشدهم.