تتواصل «وصاية» التيار السلفي على الحرية الفنية في بلادنا إذ وقع ليلة أول أمس 14 أوت 2012 اقتحام دار الثقافة منزل بورقيبة من قبل مجموعة محسوبة على التيار السلفي ونظرا للضغوطات التي مارستها هذه الأخيرة ضد الهيئة المديرة للمهرجان والتي بلغت حد التعنيف تم إلغاء العرض المسرحي للممثل لطفي العدبلي «مايند إن تونيزيا 100٪ حلال». وإثر قرار الالغاء نظمت مجموعة من الأهالي أغلبهم من الجمهور الذي كان من المفترض أن يحضر الحفل مسيرة سلمية رفعوا فيها شعارات على غرار «تونس للحرية لا للوهابية»، «تونس حرّة حرّة والسلفية على برة»، «لا وصاية على الثقافة»، «حرية حرية لا للسلفية» وحمّل المتظاهرون الحكومة مسؤولية ما يحدث من اعتداءات على المقرات الثقافية العمومية وعجزها عن التعامل بشكل جدي مع «ظاهرة» السلفيين. وفي مقطع فيديو تم تداوله على صفحات الموقع الاجتماعي «الفايس بوك» والذي يصور اعتصام هيئة المهرجان بمقر المعتمدية أكد بعض المعتصمين أن السلفيين حضروا لإفشال عرض العبدلي منذ السابع حيث قاموا بتوزيع منشورات اتهموا فيها العبدلي ب «الكفر» وبالاستهزاء بالقرآن الكريم ومسّ الذات الالهية وطالبوا بإلغاء عرضه ومنعه من الدخول الى مقر دار الثقافة. هذا واتهم المعتصمون بمن فيهم مدير المهرجان السيد فرج حمدي الاعلام بالتواطؤ مع الحكومة وبالتالي مع السلوكيات التي يمارسها السلفيون ل «خنق» كل أشكال حريات التعبير. هيبة الدولة شريط الفيديو أظهر أيضا السيد مراد العمدوني عضو المجلس التأسيسي وهو أصيل المنطقة حيث صرح خلال الاعتصام قائلا «هيبة الدولة» غائبة في منزل بورقيبة لكنها حاضرة بشكل قوي في شارع الحبيب بورقيبة وفي مستشفى الهادي شاكر بصفاقس وفي سيدي بوزيد» وأكد العمدوني قائلا «وين ثمّ تحركات اجتماعية في البلاد الا وتحرك الجناح العسكري للحكومة» وأضاف «نحن اليوم في صراع إرادات وهناك توجه حتى داخل المجلس التأسيسي وداخل لجنة الحقوق والحريات وهو ما يدل على تراجع الحريات؟». هذا وشهد «الاعتصام» مشاحنة كلامية بين أعضاء الهيئة المديرة للمهرجان وبين شخص يرجح انتماؤه لأنصار الشريعة اذ دافع هذا الأخير عن «توجه» السلفيين مؤكدا أن ما أتاه هؤلاء ليس فيه تجنّ على الثقافة وإنما على شخص معين وهو لطفي العبدلي الذي أساء الى الذات الإلاهية بقوله «100 غ سبحان اللّه» وأتن من حق الغيورين على الدين منعه من قول مثل هذه الكلمات في عروضه المسرحية. الغاء بقرار سياسي ولئن تعذر علينا الحصول على الممثل لطفي العبدلي فاننا تمكنا من الحصول على مدير دار الثقافة منزل بورقيبة السيد محمد بن عمر فجاءت راوية الأحداث على لسانه كما سنسوقها لكم: «قبل أذان المغرب علمت بأنه تم اقتحام دار الثقافة من طرف 150 سلفيا فذهبت لاستجلاء الحقيقة وهناك وجدت تجمهرا لهؤلاء الأشخاص أمام باب مقر دار الثقافة فضلا عن أنهم بسطوا السجادات لصلاة المغرب وعندما حاولت الدخول الى دار الثقافة وجه اليّ هؤلاء شتى أنواع العنف اللفظي وطالبوني بصدّهم ب «خيط ضوء» حتى يتمكنوا من أداء صلاة «التراويح» فتجاهلتهم ودخلت المقر وهناك اكتشفت أنهم قاموا بسرقة ثلاث كاشفات ضوء «des projecteurs» قصد إفشال عملية إضاءة الركح كما قاموا بتمزيق ستار مخصص لإلصاق الأنشطة الثقافية فضلا عن اقتحامهم بالقوة إحدى القاعات وتهشيمهم لبعض الأواني فقمت بالاجراءات التي من صلاحياتي واستبدلت أقفال الأبواب لمنع أي اقتحام جديد، وقبل الافطار بدقائق اجتمعنا بالوالي وممثل عن جماعة أنصار الشريعة. وأخبرنا الوالي أنه تم الغاء عرض العبدلي والتزم الممثل بدفع التعويضات المادية اللازمة لدار الثقافة «عن الجماعة». ويواصل محدثنا قائلا «قرار الغاء العرض كان بأمر سياسي دون أن أدخل في التفاصيل اذ لم تجتمع الهيئة المديرة للمهرجان بالمندوب الثقافي لاتخاذ هذا القرار وانما اتخذته السلط السياسية». ورغم قرار الالغاء لم تتوقف اعتداءات «الجماعة» على الهيئة التنظيمية للمهرجان اذ يقول مدير دار الثقافة في حدود الساعة التاسعة مساء توجه موظف بدار الثقافة لفتح أبوابها كالمعتاد لكن عند وصوله تم منعه من قبل جماعة أنصار الشريعة ووقع الاعتداء عليه جسديا ولدى وصول أنباء هذه الأحداث الى مسامع الأهالي نظّم هؤلاء مسيرة سلمية ونددوا بالغاء العرض ونحن الآن نقوم بارجاع ثمن تذاكر الجمهور الذي كان سيحضر بكثافة لمتابعة العرض الملغى». وعن الاجراءات القانونية التي ستتخذها دار الثقافة لتتتبع هذه المجموعات عدليا خاصة أنه يقع تجريم كل مقتحم لمقر مؤسسة عمومية، أفادنا بن عمر أنه تم صباح أمس تحرير محضر للشرطة في انتظار بداية التحريات كما سيقوم بتقديم تقرير للمندوب الثقافي. في المقابل استغرب مدير دار الثقافة من مثل هذه السلوكات الشاذة وأكد أن الدار مفتوحة للجميع على اختلاف انتمائهم السياسي والديني والايديولوجي والدليل أن مجموعة من أنصار الشريعة تقوم بتقديم عروضها الثقافية دون أية تفرقة بينهم أو بين بقية الفنانين. للتذكير فإن مهرجان منزل بورقيبة ينتظم في دورته ال 31 من 3 إلى غاية 17 أوت الجاري. الوزارة تنّدد أما وزارة الثقافة فقد أصدرت من جانبها بيانا جاء فيه أنه «على إثر اقتحام مجموعة من الأشخاص المحسوبين على جماعة أنصار الشريعة دار الثقافة بيرم التونسي بمدينة منزل بورقيبة (فضاء مهرجان المدينة) ومنع عرض مسرحية لطفي العدلي المبرمجة مساء الثلاثاء 14 أوت 2012، فإن وزارة الثقافة تندّد بهذه الأعمال لما فيها من تعد صارخ على حرية التعبير واستهداف خطير للحقوق الثقافية واعتداء على ممتلكات الدولة. وتؤكد الوزارة على تضامنها مع المبدعين والفنانين ووقوفها الى جانبهم كما تعلم أن مصالحها المختصة قد باشرت بعد اجراءات رفع الأمر الى القضاء».